بين آونة وأخرى يتحفنا المخرج النرويجي إريك بوبه في أحد أفلامه الروائية أو الوثائقية المميزة التي يلمس فيها المتلقّي براعة فنية في الشكل والمضمون، أو المبنى والمعنى السينمائيَين، وهذا ليس مُستغرَبا على فنّان متعدد المواهب والاختصاصات فهو كاتب سيناريو، ومصوِّر، ومُنتِج، ومُخرِج في الوقت ذاته. تعتمد قصة فيلم «أوتويا – أيلول 22» التي كتبتها سيف راجيندرام وآنا باخ على شهادات الناجين من مجزرة شبيبة أوتويا التي نفّذها المتطرِّف النرويجي أندرس بهرنغ بريفيك عام 2011، وراح ضحيتها 69 شابا من كلا الجنسين، و99 جريحا إصاباتهم خطيرة، وأكثر من 300 شاب مازالوا يعانون من أضرار واضطرابات نفسية كبيرة، وهو نفسه الذي قام بعملية تفجير المبنى الحكومي في أوسلو، وقتل فيه ثمانية مواطنين قبل ساعة ونصف الساعة من الهجوم على جزيرة أوتويا. وكان بريفيك (32 عاما) متنكرا في زي ضابط شرطة، وقد تبيّن لاحقا أنه يحمل أفكارا فاشية، ولديه مواقف متشددة ضد المهاجرين الأجانب. وقد استسلم بريفيك إلى شرطة المهمات الخاصة بعد 90 دقيقة من إطلاق النار، على الرغم من وجود ذخيرة متبقية لديه. يتمتع إريك بوبه برؤية إخراجية متفردة، لكن ذلك لم يمنعه من التلاقح مع رؤى وأفكار مُخرجين كبار قد يستعير منهم بعض أدواتهم، وتقنياتهم، ولمساتهم الفنية. فشخصيات القصة التي يقدّمها المُخرج في هذا الفيلم خيالية وحتى الإرهابي النرويجي الذي تقمص اسم «مارتن نيلسن» لم يرِد ذكره بالإسم أو الصورة وإنما ظهر بشكل شبحي في لقطة بعيدة، وغالبا ما كنّا نسمع صوت الرصاص وأزيزه فقط في إشارة إلى وجود الجاني في كل مكان من هذه الجزيرة التي ضاقت بروّادها اليافعين. تبرز أهمية المخرج الإبداعية في تعويله على الصورة السينمائية التي حوّلها إلى «خطاب بَصَري» ذي لقطة طويلة واحدة يدور حول ثيمة «الهلع» التي تكاد تقترب من «المتلازمة المرَضَية» التي أصابت شخصيات الفيلم برمتهم، فلا أحد يستطيع الادّعاء بأنه غير مذعور، وأنّ الرُعب لم يتسلل إلى جَنَانه، بدءا من بطلة الفيلم «كايا» التي جسّدت دورها بإتقان شديد الممثلة أندريا بيرنتزن، مرورا بالفتاة الجريحة التي لم نعرف لها اسما وقد مثّلت دورها «سلوفيك كولن بيركلاند»، وكريستين «إينيَبورغ أَينِس كيّيفِك»، وعيسى «سوروش سادات»، وانتهاء بكارولين «آدا أيدا» وماغنوس «ألكساندر هولمن» وغيرهم من الشخصيات التي جاءت إلى المخيّم الصيفي لحزب العمّال النرويجي الذي يحضره في العادة نحو 600 شاب تقريبا في كل عام.