جيش مصر قادر    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    حلم «عبدالناصر» الذى حققه «السيسى»    كوادر فنية مُدربة لسوق العمل    «الجيزة» تطلق مراجعات مجانية لطلاب الثانوية العامة.. تبدأ اليوم    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحانات الدبلومات الفنية 2024    «حياة كريمة» تطلق قوافل طبية مجانية اليوم في محافظتين.. اعرف الأماكن    تحقيقات النيابة: سفاح التجمع الخامس قتل أول سيدة العام الماضى    الحكومة توضح موعد وقف خطة تخفيف الأحمال نهائيًا    صادرات الملابس الجاهزة ترتفع 23% أول 4 شهر من 2024    تداول 60 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    رئيس جهاز 6 أكتوبر يتابع سير العمل بمحطة مياه الشرب وتوسعاتها    مصر للطيران تسير اليوم أولى رحلات الجسر الجوى لنقل حجاج بيت الله الحرام    أستاذ اقتصاد: هناك طفرة اقتصادية في العلاقات بين مصر والصين في عهد السيسي    متحدث الرئاسة: قمة مصرية صينية ببكين اليوم    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 جنود وإصابة 10 في معارك رفح    الخارجية: مصر تلعب دورًا فاعلًا في عمليات حفظ السلام    كريم فؤاد: موسيماني جعلني أمر بفترة سيئة.. ومستوى إمام عاشور بعيد عن أي لاعب آخر    رودريجو يرد على تكهنات رحيله عن ريال مدريد في الصيف    برشلونة يحسم موقفه من بيع رباعي الفريق    شوبير يكشف حقيقة تفاوض الأهلي مع بغداد بونجاح لتدعيم هجومه في الصيف    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    رئيس جامعة حلوان يتفقد كلية التربية الرياضية بالهرم    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    الأرصاد تحذر المواطنين.. تغيرات في الحرارة تؤثر على الطقس حتى نهاية الأسبوع    اليوم.. انطلاق أول أفواج حج الجمعيات الأهلية    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى العمرانية دون إصابات    توريد 223 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 29 مايو 2024: تحذير ل«الأسد» ومكاسب ل«الجدي»    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    وفد جمهورية مصر العربية يُشارك في الاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الإفريقي لعام 2024 بكينيا    بعد مجزرة المخيم.. بايدن: عملية إسرائيل في رفح الفلسطينية لم تتخط الخطوط الحمراء    بدء التصويت فى الانتخابات التشريعية بجنوب أفريقيا    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    لهذا السبب.. مي نور الشريف تتصدر تريند "جوجل" في السعودية    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    «شمتانين فيه عشان مش بيلعب في الأهلي أو الزمالك»..أحمد عيد تعليقا على أزمة رمضان صبحي    بلاتر: كل دول العالم كانت سعيدة بتواجدي في رئاسة فيفا    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    حسين حمودة: سعيد بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لاتسامها بالنزاهة    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية تتربع على عرش الإصدارات الأدبية العربية
نشر في نقطة ضوء يوم 25 - 12 - 2017

يبدو أن مقولة "العرب لا يقرؤون" أُبطلت، ولم تعد مُحَفِّزَة للتوبيخ أو التحقير، كما كانت تستعمل من قبل، لأسباب كثيرة ليس أولها أن حركة النشر في العالم العربي توسّعت بدخول دور نشر جديدة إلى سوق الكتب، وكذلك لأن الواقع يقول إنّ ثمّة اتجاها يلوح في الأفق يسعى إلى ترسيخ فعل القراءة وإبرازه كعمل ذي قيمة، بل يكافئ عليه فاعله، على نحو ما فعلت دولة الإمارات العربية بتدشينها لمسابقة تحدّي القراءة، والتي لاقت نجاحا غير مسبوق في جميع الدول العربية على مختلف المشاركات سواء فردية أو جماعية ممثلة في المدارس. وهو ما دفع إلى تنامي ظاهرة القراءة للكتاب الورقي في ظل منافسة شديدة للنسخ الإلكترونية التي تطرحها المواقع الإلكترونية.
سير الزهو والألم
أهم ما يمكن رصده للقارئ في إصدارات هذا العام هو صدور العديد من المذكّرات والسير الذاتية للكثير من الشخصيات السياسية والعامة والثقافية. واستطاعت هذه المذكرات أن تحدث صدمات عنيفة في الأوساط الثقافية، على نحو ما فعلت مذكرات عمرو موسى التي حملت عنوان "كتابيه" المذكرات صدرت عن دار الشروق المصرية في 654 صفحة، تناول فيها مسيرته ونشأته ودراسته في كلية الحقوق ثم أوقف جزءا كبيرا منها على عمله السياسي منذ التحاقه بالسلك الدبلوماسي وأهم الظروف السياسية التي عصفت بالمنطقة العربية، وتأثيرها على صناعة القرار بحكم موقعه كوزير خارجية أو أمين عام لجامعة الدول العربية. لكن الجزء المثير من مذكرات موسى كان في تجريحه لشخصية الرئيس جمال عبدالناصر، وغمزه ولمزه عن الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس السابق مبارك. حظيت المذكرات باهتمام كافة الأطياف على اختلافها.
لا تقلّ مذكرات محمد سلماوي إثارة عن مذكرات عمرو موسى، فجاء عنوان مذكرات سلماوي "يوما أو بعض يوم" وصدرت عن دار الكرمة في جزء يتوقع أن يتبعه جزء آخر. يتناول الجزء الأول من المذكرات الفترة ما بين 1945 و1981. توقف فيها سلماوي طويلا عند طفولته وعائلته الارستقراطية التي تنتمي إلى الباشاوات، وإن كان مال سلماوي إلى التحليل الثقافي لطبقته، وأراد أن يُعطي المذكرات زخما فتحدث عن علاقات جنسية جريئة مرت في حياة والده وحياته كذلك.
زخم المذكرات
ومن السير الأدبية الثقافية تأتي سيرة الدكتور عبدالله إبراهيم "أمواج" وجاءت في أكثر من 600 صفحة، وهي صادرة عن دار جامعة خليفة بن حمد للنشر، ومزج فيها المؤلف بين سيرته الذاتية وسيرة الوطن حتى أنه وسمها على الغلاف، بسيرة عراقية، جاءت السيرة في إحدى عشرة موجة متعاقبة خلال خمس عشرة سنة، معتمدا فيها على الآلاف من اليوميات التي دوّنها طوال أربعة عقود.
وبالمثل هناك سيرة الروائي بهاء طاهر "السيرة في المنفى" وهي صادرة عن دار نشر بردية بالتعاون مع مصر العربية. السيرة تبدأ بلحظة النفي الإجباري بعد قرار فصله من الإذاعة بناء على اتهام مجحف من يوسف السباعي بأنه شيوعي، ثمّ بعدها يُسهب في ذكريات عن طفولته ووالده وعلاقته الفريدة بأمه، كما يحكي عن حبّه الأول، ثم يسرد أوجاع غربة استمرت 25 عاما متنقلا بين بلدان مختلفة، لم يُخفف آثارها الحب أو حتى الكتابة.
وما يدخل في باب السيرة الأدبية كتاب "ذكريات.. سيرة لم تكتمل" للدكتور قسطنطين زريق وهو من تحرير هشام نشابة. والكتاب صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية. وهذه الذكريات كتبها قسطنطين في الأيام الأخيرة من حياته. ولم تمهله الأيام ليتمّها كما كان ينوي، لذلك اقتصرت ذكرياته على أيام طفولته وشبابه، وقد خلت هذه المذكرات من مواقفه وآرائه.
تكمن أهمية المذكرات في أنها تُلقي الضوء على مسيرة أحد أبرز المفكرين العرب في القرن العشرين، وأثر التجارب المريرة والهزائم والنكبات التي مُنيَ بها في هذه المسيرة. حيث رافق زريق تطور الفكر القومي العربي منذ نشأته، وفي مراحل التقلبات السياسية التي شهدها أيام الاستعمار وبعد الاستقلال وأيام النكسات والانقلابات والهزائم.
يروي الكاتب العراقي عادل حبة في كتابه "مذكرات إيرانية" الصادر عن منشورات المتوسط – إيطاليا، في 136 صفحة رحلته إلى إيران في مهمة تنظيمية خلال العمل السري للحزب الشيوعي العراقي، فتبدأ الحكاية من بيروت إلى موسكو ومنها إلى إيران، مرورا بمدنها المختلفة وانتهاء بالسجن، ليعطي، كما يقول الناشر على غلاف الكتاب، "نظرة أفقية عمودية للواقع الإيراني على مستويات عدة، سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا، وينقل بكثير من العاطفة تفاصيل حياته هناك مطلع ستينيات القرن الماضي".

المجد للرواية
ما زالت الرواية تتربع على عرش الإصدارات، فقد كان للحوافز المتعددة التي وفرّتها الجوائز الأدبية العامل المهم في إقدام النشر على طباعة الرواية. من أهمّ الروايات التي لاقت اهتماما مفرطا سواء بالهجوم عليها أو بالاحتفاء بها رواية أشرف الخمايسي "ضارب الطبل" عن دار الشروق، والرواية في تيمتها الأساسية تهيمن فيها أجواء منافي الرب حيث فكرته في فلسفة هل يصرع الإنسان القدر؟ وسؤالها الجوهري: ماذا لو عرف الإنسان موعد وفاته؟ وتبعات ذلك على تفكيره وسلوكه وتعامله مع الآخرين. الغريب أن هذه الفكرة قادت الخمايسي إلى حد اتهامه بأنه قام بتمصير رواية جوزيه ساراماغو "انقطاعات الموت" التي تتقاطع الرواية مع تيمتها الرئيسيّة.
في هذا العام أيضا عاد أصحاب روايات الجوائز بأعمال جديدة فيها بعض التجريب على نحو مختلف، فيمزج أحمد سعداوي في روايته "باب الطباشير"، الصادرة عن دار الجمل، بين عالم الفنتازيا وعالم الواقع. بطل الرواية علي ناجي الراغب في الانتحار، يعيش في عوالم مختلفة بين الواقع والخيال، عوالم مرئية وأخرى مستترة. يحدث التحول الخطير في شخصية علي ناجي بمقابلته الدكتور واصف، عالم الآثار العراقي، والذي يعطيه دفترا يتضمن سبع تعاويذ سومرية للخروج من العالم. كما يخبره أنّ دفتر الأبواب السومرية بمثابة "الكتاب المقدس لخلاصك". وعبر أبواب مختلفة يدخلها علي ناجي ينتهي به المطاف إلى باب الله ومنه إلى باب الحب ليجد ليلى، لكن في النهاية يعود إلى الباب الواقعي عبر زوجته وإن كان مشغولا بالباب الذي يعيد ليلى إليه. في الرواية ثمة تجريب حيث رؤية العراق عبر التخييل.
أما سعود السنعوسي الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية البوكر من قبل، فيعود برواية "حمام الدار: أحجية ابن أزرق" الصادرة عن الدار العربية للعلوم. يُمارس السنعوسي التجريب بدءا من الشكل الذي اتخذه لمرويته، حيث الرواية مقسمة إلى قسمين؛ العهد القديم والعهد الجديد، كما يفتتح كل فصل من فصول الرواية بلوحة من اللوحات التي رسمتها الفنانة مشاعل الفيصل، علاوة على التداخلات بين الكاتب وشخصياته. لكن في النهاية تطرح الرواية أسئلة وجودية من قبيل هل نملك اختياراتنا أم حياتنا مقدرة لنا؟ وهي فكرة فلسفية طرحت من قبل لكن يمرر من خلالها تيمات تزيد من قسوة الاختيار كالفقد والوطن.
الروائي عادل عصمت الفائز بجائز قسم النشر بالجامعة الأميركية 2016 عن "حكايات يوسف تادرس" يعود في عام 2017 أكثر نشاطا حيث يقدم روايتين؛ الأولى بعنوان "صوت الغراب" وهي صادرة عن دار الكتب خان للنشر بالقاهرة وهي رواية تطرح أزمة الفرد في مواجهة الآخر وتناقضاته، كان أحد أسباب معاناة شخصيات الرواية يتمثل في السلطة الأبوية المقيدة، ومن ثم أرتأى البعض كحل للنجاة أو الخلاص التمرد على هذه السلطة، ثمّ أعقب هذه الرواية برواية جديدة بعنوان "حالات ريم" وهي صادرة عن "الكتب خان للنشر"، وهي أشبه بنوفيلا صغيرة. الرواية تدور حول علاقة استثنائية بين البطل مُهاب وزوجته ريم، التي تبدأ الرواية بطلاقهما وسعي البطل لاستعادتها. المكان هو البطل الرئيسي في معظم روايات عادل عصمت، كما أن هاجس الحرية هو التيمة الرئيسة التي يبحث عنها أبطال جميع رواياته.
ويختار حسن داود الفائز أيضا بجائزة نجيب محفوظ عام 2015 عن رواية "لا طريق إلى الجنة" الباخرة مكانا روائيا لروايته الجديدة "في أثر غيمة" الصادرة عن دار الساقي. أحداث الرواية أشبه بنوع من المراجعة للإنسان لماضيه وحياته بعدما استشعر أنّ العمر انفرط منه. تميل الرواية إلى الروايات النفسية ذات النزعة الفلسفية العميقة، حيث تطرح أسئلة وجودية عن جدوى ما يفعله الإنسان في حياته. فبطل الرواية سالم الشريف، صحافي وشاعر، يقيم في دائرة حياته الشخصية الضيقة؛ لذا قرّر التقاعد للتفرغ للكتابة ومن ثم الذهاب في رحلة قصيرة على متن مركب سياحي عبر النهر، اعتقادا منه أنه سينعم بهدوء وراحة بال مواتيين للكتابة والقراءة. هناك يكتشف أنه أمام صورة الكهل العازب. لا يفارق التردد البطل أو حتى المتاهة التي عاش فيها من قبل، حتى بعدما طرق الحب قلبه في صورة لمى المرشدة السياحية إلا أنه لا يفتح له.
روايات نفسية ذات نزعة فلسفية عميقة
قريب من هذه العوالم تأتي رواية "يكفي أننا معا" لعزت القمحاوي الصادرة عن المصرية اللبنانية 2017. فبطل الرواية المحامي الستّيني "جمال منصور" الذي غرق إلى رأسه في قضاياه واهتمامه بعائلته التي تركها له والده نسي نفسه. وفجأة تقتحم عليه المعمارية الشابة "خديجة البابي" طالبة الدكتوراه ابنة السابعة والعشرين، حياته، وتنجح في إخراجه من دائرته الضيقة؛ القضايا والمكتب، إلى حياة جديدة. لكن التردد ينتابه ويبدأ يتساءل عن جدوى الحب في هذا السن؟ تأخذنا الرواية إلى رؤية أماكن مختلفة بنظرة المحبين سواء في شوارع القاهرة وحدائقها المفتوحة أو في إيطاليا وكذلك جزيرة كابري في إيطاليا. وهو ما يوحي بأن الحب يُولد الإحساس بالجمال وفق نظريات الرومانسيين.

استحضار الغائب
روايات السير الغيرية حظيت باهتمام الكُتاب، فجاءت رواية طلال فيصل عن شخصية الفنان بليغ حمدي في روايته "بليغ" وهي صادرة عن دار الشروق المصرية. تتألف الرواية من خمسة أقسام موزَّعة على مقاطع بين سيرة المؤلف وسيرة بليغ. الفراق الذي يأتي بعد العشق الكبير، هو التيمة الأساسية التي اعتمد عليها الراوي في بناء روايته التي زاوجت بين أغاني بليغ في السرد والوثائق التي اعتمدها المؤلف.
ومن روايات السيرة الغيرة ما كتبه إسماعيل فهد إسماعيل عن ناجي العلي في رواية "على عُهدة حنظلة" والصادرة عن دار العين بالقاهرة. تركز الرواية على الأيام الأخيرة التي قضاها ناجي العلي في مستشفى بلندن غائبا عن الوعي، لكن يستغل الراوي هذه اللحظة الزمنية ليبدأ ناجي العلي في استعادة ماضيه وهو يتحدَّث مع نفسه ليتعرف على من هو؟ وأين هو؟ ثمّ يأتي الجواب بتداخل صوت حنظلة الذي يُعرِّفُه إلى نفسه. فيتقاطع الصوتان: صوت ناجي وصوت حنظلة في محاولة لاستعادة هذه الذات وكأنهما أشبه بالقرار والجواب.
من روايات السيرة الغيرة كذلك رواية محمد حسن علوان "موت صغير"، الرواية صادرة عن دار الساقي، وقد تُوجت بجائزة البوكر العربية 2017. تستعيد الرواية شخصية المتصوف الأكبر محي الدين بن عربي وأتاوده الأربعة. وإن كانت الرواية مالت إلى تسجيل حياة ابن عربي منذ ميلاده في الأندلس في منتصف القرن السادس الهجري إلى وفاته في دمشق. الرواية مكونة من 12 سفرا. اعتمد المؤلف على بنيتين؛ الأولى تتمثّل في سّرد الذاتي حيث وصول مخطوط عن سيرة الإمام، كتبه الشيخ بنفسه ودوّن فيه سيرة حياته، وقد تناقلت المخطوط أياد كثيرة حتى وصل إلى بيروت عام 2012. والثانية يهمين عليها راو عليم يسرد لحياة ابن عربي منذ ميلاده في الأندلس في بلاط الملك المرابطيّ ابن مردنيش، وشبابه إلى وفاته والعقبات والأهوال التي اعترت طريقه.
كما تناول واسيني الأعرج في روايته الأخيرة "ليالي إيزيس كوبيا: ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية" الصادرة عن دار الآداب، شخصية الأديبة اللبنانية مي زيادة (1886-1941)، تنطلق الرواية من البحث عن مخطوطات مفقودة كانت زيادة قد دوّنتها أثناء وجودها في مصحة العصفورية العقليّة في قلب مدينة بيروت.
الرواية تتناول الأيام السوداء التي عاشتها مي في هذا المستشفى، فيصف اللحظات العصيبة التي مرت بها مي منذ أن جُلبت من مصر إلى بيروت عبر أحد أقاربها، وتم سحبها بعنف إلى المصحة العقلية، فيما كانت تصر على أنها بكامل قواها العقلية وأنها "زجت ظلما في مستشفى المجانين العصفورية بهدف الاستيلاء على ميراثها العقاري والمالي".
الاغتراب والحرب
"عربة الأموات" هي رواية الروائي منصور الصويم، الصادرة عن دار مسكلياني بتونس. وتدور أحداثها المكونة من 22 فصلا حول حياة أربعة سودانيين في إحدى دول الخليج العربي، طبيب، ومحرّر صحافي، وسائق، وموظف بأحد القصور، وعبر علاقات هذه الشخصيات مع بعضها البعض تكشف لنا الراوية عن عالم مأساوي مختبئ خلف الواجهات الاجتماعية، حيث عمليات الاستغلال والعبودية والقهر. تعود الشخصيات إلى الوطن في عربة الأموات، بعد أن تبدّد الأمان، فارّة من واقع قاهر صار فيه كلّ شيء قابلا للتسليع، والمقايضة وفق منظومة اجتماعيّة جديدة جعلت من أنا صاحب الأرض سيّدا والآخر عبدا.
ويطرح الروائي التونسي الحبيب السالمي في روايته "بكارة" الصادرة عن دار الآداب موضوعا إشكاليا بامتياز، وهو غشاء البكارة. عوالم الجنس التي كانت تيمة أساسية في رواياته السابقة؛ نساء البساتين وروائح ماري كلير، وعواطف وزوّارها، هي المشكل الأساسي لبنية الرواية الجديدة التي تدور أحداثها في إحدى القرى النائية بتونس.
يبني السالمي روايته على حادثة هي نتاج الأنساق المهيمنة في هذه المنطقة، من الاستعانة بأحد الأشخاص يعرف بالوزير وفقا للأدبيات التونسية تكون مهمته هي مساعدة العريس في تسهيل عملية ليلة الدخلة، وينتظر أمام الباب لأخذ البشارة الدالة على بكارة العروسة ويعرضها أمام الجميع. يزاوج السارد بين هذه الأحداث وأحداث الثورة التونسية. فتطل حادثة الماضي بأنّ مصطفى هو من باشر مبروكة من جديد، رغم حرص الجميع على نسيانها، لكن تؤججها الإشاعة وتعيدها بكل تفاصيلها، مثلما كان لها دورها في الدعاية لنشر أصداء الثورة في جميع القرى النائية، فوصلت إلى البسطاء من الناس.
من الروايات التي أثار صدورها زوبعة لم تتوقف إلا بسحب الرواية ومنعها، رواية الكاتبة السعودية بدرية البشير "زائرات الخميس"، الرواية تتناول موضوعا اجتماعيا طرحته روايات كثيرة لكن بدا الأمر هنا نوعا من المزايدة. فالرواية تحكي قصة فتاة تُدعى "مشاعل" وما تعرضت له في طفولتها، وهو ما كان له أثره على حياتها وقراراتها المستقبلية.
كما تتطرق الرواية إلى نتائج الكذب ما بين الأزواج، وتأثير صديقات السوء والعلاقات الخاطئة مع الشباب العابث. التساؤل المهم الذي تطرحه الرواية عبر حكاية شخصياتها وعلاقاتها المتأزمة هل حقا من شبّ على شيء شاب عليه؟ وهل يسلك الأبناء نفس سلوك آبائهم؟
إنعام كجة جي تعود في روايتها الجديدة "النبيذة" الصادرة عن دار الجديد إلى العراق ومآسيه من جديد، وإن كانت هذه المرة تضفِّر مرويتها بمآس عن نكبة فلطسين. فتروي رحلة شتات الفلسطيني منصور البادي المقدسي الذي عاش سنين طويلة على إيقاع الرصاص، قبل أن يلجأ ووالدته في عام 1948 إلى لبنان، ومن ثمّ يُقرر السفر إلى بغداد ومنها إلى باكستان، وتاج الملوك "تاجي عبدالمجيد" الفتاة الإيرانية الأصول كانت أسرتها تقيم في الكاظمية، وتتسم بتحررها وجرأتها، رعاها الباشا نوري السعيد، رئيس وزراء العراق الأسبق في العهد الملكي. تضطر إلى السفر إلى أماكن عديدة؛ فتتنقل من بغداد إلى كراتشي، إلى باريس، وما مرت بهم من رجال، لكن تتوقف عند الشاب الفلسطيني منصور البادي الذي أتى إلى بغداد في الخمسينيات بعد نكبة فلسطين، كان يصغرها قليلا إلا أنه استحوذ على قلبها، فصار معشوقها. ثم سافرا معا إلى إذاعة كراتشي الناطقة بالعربية، واشتعل الحبّ بينهما، قبل أن يفترقا قسرا. وتتابع رحلته إلى باريس ثم إلى كاراكاس. لكن تهرب تاج الملوك من هذا اللقاء إلى مدينة أخرى خشية انكسار صورتها في مخيلته، بتأثير شيخوختها وانحناء ظهرها من النكبات. وكأن المؤلفة تقول إن ما يجمعنا ليس فقط رابط اللغة والجغرافيا وإنما الشتات والعذاب في المنافي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.