فكَّرنا في جماعة "سوا في حب مصر" في تنظيم مجموعة من الرحلات لمواقع التراث الحضاري لمصر بدأناها بزيارة لمعبد دندرة غرب قنا. والحقيقة ان لمعبد دندرة عشقا خاصا، فهو من اجمل واكمل المعابد المصرية وتتمثل فيه كل الفنون من عصر الاسرات الفرعونية حتى الحقبة المسيحية، ويرجع تاريخ هذا المعبد الى اقدم العصور الفرعونية، ففي زمن الملك بيبي الاول وجد تخطيط لهذا المعبد مما حدا بالملك خوفو ان يعيد بناءه. وفي عهد الاسرة الثامنة عشرة اصلح تحتمس الثالث هذا المعبد، كما أسهم البطالمة في بنائه في عهد بطليموس الثامن والعاشر والحادي عشر، كما وجدت رسوم وكتابات على جدرانه من زمن كليوباتره ويوليوس قيصر، وايضا تم ذكر الامبراطور الروماني اغسطس، كما وجدت كتابات يونانية على كورنيش صالة الاعمدة وتم استكمال المعبد في الحقبة المسيحية، ويرجع تاريخ البوابة الموجودة على سور المعبد الى عام 177. ويتميز هذا المعبد بالتوازن والقوة من الناحية المعمارية وبمناظره الهامة، ومن خصائصه تلك الخزائن السرية التي شكلت في سُمك الجدران، ثم اغلقت بابواب حجرية متحركة وزخرفت كباقي جدران المعبد. كنا امام تحفة معمارية رائعة ومثيرة الى درجة كبيرة. دندرة تنتريس مدينة اشجار الصفصاف ومقر عبادة الالهة حتحور ربة الخصب والنماء وعاصمة الاقليم السادس. وما لا يعرفه من ارخوا للحركة النسائية في مصر ان دندرة كانت مقرا لاول مركز ثقافي للمرأة في التاريخ، فقد كلفت الملكة نفرو كاويت زوج الملك مونتو حتب الثاني من ملوك الاسرة الحادية عشرة موظفها خنو اردو بتدبير دار للثفافة لتعليم المرأة وتثقيفها وتعهدها بالرعاية حتى تستطيع القيام بدورها في نهضة البلاد والحقت به مكتبة عامرة. ويتداول اهل دندرة قصة البقرة التي تحرس كنزا مخبوءا في المعبد حيث صور الخيال الشعبي أنها بقرة صعبة المراس يتطاير من عينيها الشرار، تختفي بالنهار، وتظهر بالليل، وتلتهم الغيط المجاور. ويحكون ان فلاحا غافل البقرة ووصل الى الكنز واغترف منه جوالا من الذهب وضعه في إناء في حفرة بمنزله، ولما اراد الحصول على شيء منه غاص الاناء في الارض حتى اختفى، وبالطبع استلهم الخيال الشعبي هذه القصة من صور الالهة حتحور حامية المعبد الذي كان مقر تقديسها. وذكر المقريزي في خططه وابن دقماق في الانتصار أن في دندرة شجرة اسمها "شجرة العباس" اوراقها متوسطة خضراء مستديرة اذا قال الشخص عندها: يا شجرة العباس جاءك الفاس. تنكمش اوراقها وتحزن لوقتها ثم تعود لحالتها، وأطلق عليها الشجرة الجبانة. وقد شاهدنا عملية تطوير واسعة لهذا المعبد، ويقوم عمال الترميم بإزالة السناج من النقوش ليعود اليها بريقها الذي لن يعود الا بعودة دائرة الأبراج الفلكية الموجودة حاليا بمتحف اللوفر في باريس، والتي استعان المعبد بنسخة مقلدة منها. ولسرقة هذه القبة السماوية قصة مأساوية وفضيحة تاريخية مدوية بطلها فرنسي من هواة نهب التراث المصري اسمه سابستيان لويس سولينية، وكان ابنا لاحد اعضاء مجلس النواب الفرنسي قام هو ووكيله جين باتيست لوريان بنزع دائرة الأبراج السماوية من معبد دندرة ونقلها الى باريس، وادعوا ان اللوحة اكتشفها الجنرال ديزية اثناء الحملة الفرنسية على مصر، ومن ثم اصبحت اثرا فرنسيا قوميا يجب ان يرسل الى باريس، ونجحا في فصل النقش الذي كان منقوشا على سقف حجرة بالمعبد. كانت القبة منقوشة على حجرين ضخمين سمك كل منها 90 سم، وتم نقله في مغامرة مشهورة بالنيل واستقبلت القبة في باريس استقبالا حافلا وكافأ الملك لويس الثامن عشر السارق ب 150000 فرنك. لقد خرجت القبة السماوية من مصر خروجا غير شرعي، وكاد اللصوص ان يحطموا المعبد بالديناميت الذي استخدم في فصل القبة من السقف، فهل يقبل الشعب الفرنسي ان يحتفظ بهذا الاثر المصري التاريخي والمسروق علنا من معبد مصري في أرض مصرية؟ ان عودة القبة السماوية لا يقل أهمية عن عودة كل آثار مصر المنهوبة في كل متاحف العالم. إلى كل حماة التراث في مصر والعالم أعيدوا الى معبد دندرة قبته السماوية المنهوبة حتى يكتمل التراث التاريخي للمعبد الجميل! -------- عبدالمنعم عبدالعظيم مدير مركز دراسات تراث الصعيد (مصر) [email protected]