سعر الريال السعودي اليوم الثلاثاء 30-4-2024 في بداية التعاملات    أسعار العدس اليوم الثلاثاء 30-4-2024 في الأسواق    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 30-4-2024 بالصاغة    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 30 - 4 - 2024 في الأسواق    اليوم.. «إسكان النواب» تناقش موازنة هيئة المجتمعات العمرانية للعام المالي 2024-2025    المستشفيات المصرية تستقبل 34 مصابا ومرافقا فلسطينيا بعد عبورهم معبر رفح البري    استشهاد شاب برصاص الاحتلال جنوبي الخليل بالضفة الغربية    زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب شرق تايوان    إجلاء آلاف الأشخاص وإغلاق مطار دولي في إندونيسيا بسبب ثوران بركان جبل روانج    قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي بالدوري    أخبار مصر: جدل بين سعد الدين الهلالي وزاهي حواس بسبب فرعون موسى، أمطار رعدية، حقيقة مفاوضات الرائد السعودي مع شيكابالا    إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية..ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    اختلاف درجات الحرارة بين شمال وجنوب البلاد بقيم تصل ل7 درجات.. ما السبب؟    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    اليوم.. استئناف فتاة على حكم رفض إثبات نسب طفلها للاعب كرة شهير    طريقة عمل طاجن البطاطس بقطع الدجاج والجبن    سعد الدين الهلالي يرد على تصريحات زاهي حواس حول وجود الأنبياء في مصر    غدا.. "الصحفيين" تحتفل بميلاد رواد المهنة وتكرم الحاصلين على الماجستير والدكتوراه    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    بكاء ريهام عبد الغفور أثناء تسلمها تكريم والدها الراحل أشرف عبد الغفور    ختام عروض «الإسكندرية للفيلم القصير» بحضور جماهيري كامل العدد ومناقشة ساخنة    مجلس الشيوخ يستأنف جلساته العامة اليوم    «طب قناة السويس» تعقد ندوة توعوية حول ما بعد السكتة الدماغية    اليوم.. محكمة جنح القاهرة الاقتصادية تنظر 8 دعاوى ضد مرتضى منصور    الجيش الأمريكي ينشر الصور الأولى للرصيف العائم في غزة    مقتل 3 ضباط شرطة في تبادل لإطلاق النار في ولاية نورث كارولينا الأمريكية    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    تعرف على أفضل أنواع سيارات شيفروليه    مباراة من العيار الثقيل| هل يفعلها ريال مدريد بإقصاء بايرن ميونخ الجريح؟.. الموعد والقنوات الناقلة    تعرف على أسباب تسوس الأسنان وكيفية الوقاية منه    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    العميد محمود محيي الدين: الجنائية الدولية أصدرت أمر اعتقال ل نتنياهو ووزير دفاعه    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    تعرف على موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    نظافة القاهرة تطلق أكبر خطة تشغيل على مدار الساعة للتعامل الفوري مع المخلفات    د. محمود حسين: تصاعد الحملة ضد الإخوان هدفه صرف الأنظار عن فشل السيسى ونظامه الانقلابى    أستاذ بجامعة عين شمس: الدواء المصرى مُصنع بشكل جيد وأثبت كفاءته مع المريض    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    حشيش وشابو.. السجن 10 سنوات لعامل بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة في سوهاج    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موت الأخلاق والإنسان في «مرايا الجنرال»
نشر في نقطة ضوء يوم 06 - 07 - 2017

تحمل رواية المغربي طارق بكاري الجديدة «مرايا الجنرال» (دار الآداب) فلسفة عدمية مع إقرارٍ بوجود إله يتحكم بمصائرنا. تبدأ الرواية من عام 1970 حين كان قاسم جلال قادماً من مارسيليا إلى الغرب العربي (مدينة ليكسوس) وحتى اختفائه عام 1996. اعتمد الكاتب تقنية تعدد الأصوات في رواية تنقسم إلى ثلاثة أجزاء هي «حالة عشق» و «طبول الحرب» و «خريف الجنرال»، والأجزاء إلى فصول، معنونة بشذرات من رسائل تركها أصحابها قبل انتحارهم، أو إعدامهم، أو موتهم مثل إسحق نيوتن، مارلين مونرو، لوركا، فرجينيا وولف... وكل فصل يتحدث بلسان صاحبه: قاسم جلال، جواهر، سيمون، ليلى، وهى تعج بتداخل الأزمنة من الأقدم إلى الأحدث والعكس.
تتحدث الرواية عن مير أو جنرال مدينة ليكسوس (قاسم جلال)، السفاح المهووس بالدماء، المرصع بكل أنواع الجنون والشذوذ النفسي. المغتصب والقاتل والجلاد، الممحوة من ذاكرة حياته الثلاثين عاماً الأولى من عمره، والذي يحاول استعادتها من خلال زياراته للطبيبة النفسية ليلى حداد.
نوغل في الرواية لنكتشف أن قاسم وقع في حب جواهر المسلمة، الغارقة حتى أذنيها في حب سيمون اليهودي الماركسي المتطرف الذي جرَّها إلى مستنقع السياسة الآسن، ليدفعا معاً الثمن في هيئة اعتقالات ونفي وتعذيب. يجري قاسم صوبها كمجنون فَقَد عقله. يحاصرها من كل اتجاه، حتى تقع في حبه وتخون سيمون، الذي نكتشف لاحقاً أنه خانها في وقت ما مع أزميرالدا، لنتيقن أن النضال والحب لا يجتمعان.
تُعرّي الرواية بطش الدولة الأمنية، ولعبة السياسة القذرة التي تعمد إلى طمس الحقائق وترسيخ الأكاذيب، كذلك تفضح زيف الحضارة التي تُسَخِّر جهودها في اختراعات مسلطة لهلاك الإنسان.
تنتقد الرواية الدوغمائية، وتساوي بين النظام وبين المناضلين السياسيين، فكل فريق يشيِّد من أوهامه أصناماً، كما تتحدث عن انفصال النخبة السياسية عن نبض الشارع. انها تفضح الشعوب المقهورة بطبعها والتي حينما تُسقِط صنماً تأتي بغيره، ثم تستكمل نومها. كذلك تسخر من الهيبيين الذين ظهروا في سبعينات القرن الماضي، والذين كانوا يحاربون الرأسمالية بالجنس والحشيش، لنصحو على حقيقة مفجعة وهو أنه لا شيء يقينيّ الثبوت، وأن العبث واللا منطق يحكمان الحياة. نلاحظ هنا أن الشخوص تعاني يتماً شديداً. شخصيات العمل وحيدة بلا جذور. جواهر مثلاً هجرها أهلها بعدما عانوا من فضيحة حبها ليهودي، وسيمون تركه أهله ليهاجروا إلى إسرائيل بعدما أصبحت الحياة في الوطن لا تطاق، وقاسم جلال لا يذكر أهله نتيجة معاناته ثقباً في الذاكرة، وليلى تنطلق في بحث بلا جدوى عن أبويها البيولوجيين، بعدما اكتشفت أنّ من ربياها ليسا أبويها الحقيقيين.
بفضل علاج الدكتورة ليلى، أو ربما بإلحاح من صور لم تضمر وتأتي دوماً في هيئة أحلام، يستعيد قاسم شيئاً فشيئاً ذاكرته المطموسة، فنكتشف أنه ضحية تحوله إلى جلاد. مات أبواه أمام عينيه ميتة بشعة على يد الاحتلال الفرنسي وهو طفل صغير، بعدها يتم سياقته إلى تجربة أكثر بشاعة على يد طبيب نفسي فرنسي مجنون، يعمل على طمس ذاكرته من خلال إخضاع جسده الى الصدمات الكهربائية، واعتقاله رهن كرسي وحيداً لا يبرحه لشهور طويلة، ليتحول بعد ذلك إلى آلة تأتمر بأمره وتعتنق أفكاره. هكذا كان جنرال المدينة السابق عليه، وكذلك سيكون من سيخلفه. آلات بشرية منزوعة العقل والعاطفة، فقط ماكينات مبرمجة على أفعال محددة سلفاً، شكل جديد من الجواسيس والعملاء، يد الغرب المطلوقة في المدن العربية لتخريبها من الداخل. نمط مبتكر من الاستعمار، مفتقداً شكله الكلاسيكي، من دون جيوش أو حروب، لكنه استعمار للعقول التى ستُخضِع الأرض، وتمنحها هدية مجانية للعدو الغازي.
بين روايته الأولى «نوميديا»، والثانية التي بين أيدينا، نقاط مشتركة، نستعرض منها الآتي: «الذاكرة». هي الذاكرة التي في غيابها عذاب، وفي حضورها عذاب مضاعف، والتي حينما يسعى الفرد المبطونة ذاكرته نحو إحيائها، يكون في واقع أمره ذاهباً نحو حتفه، مع التأكيد طوال الوقت أن الإنسان بلا ذاكرة، لا شيء. كذلك «الإنسان الحالي» وهو دائماً نتاج الطفل الذي كانه. «الطبيب النفسي» وكيف يتحول الى وحش آدمي يدمّر مريضه بغية تسجيل نجاح شخصي. «بشاعات الاستعمار» ولا سيما عبر شكله غير التقليدي، «اليتم» بأشكاله المتعددة، «المدن العربية» وتساويها في التخلف والجهل، «زيف النخبة السياسية وتحديداً اليسار»، «الخطيئة» والنظر إليها على أنها المعلم الأول والأهم، من دون تجريمها، «الحتمية القدرية».
يفهم القارئ مغزى العنوان، حينما يفسره قاسم بقوله إن مع جوزفين (خبرته الجنسية الأولى) كان يتطلع إلى صورته وهو معها من خلال الشاشة المقابلة. كان يرى رغبته تتأجج ثم تخبو، وينكسر معها بسبب شذوذ سلوكها معه، بعدها بات يتلذذ برؤية نفسه يغتصب النساء في غرفته المبطنة كلها بالمرايا. كان يريد أن يتأكد كل مرة أنه هو الشخص نفسه وليس أحداً غيره «لي حالات لا يكون فيها أناي خلف مقود الجسد»، وربما كان يريد الانتقام من تلك التي كانت تقتل رغبته كلما نضجت.
تكشف الرواية المخططات الغربية للدول المغلوبة على فقرها وجهلها، فتوضح كيفية صناعة العميل، وسوقه إلى حيث يريدون، وكيف يتم التستر على بطشه بشعبه، ولكن حينما يحيد عن الخط المرسوم له، فيجب التخلص منه على الفور، والإتيان ببديل كان يتم تجهيزه مسبقاً. فنرى هنا قاسم، الذي حينما بدأ في استعادة ذاكرته، وكفّ عن كتابة التقارير ورفعها للكبار، كان الحل في ياسر، الجنرال الجديد.
في نهاية الرواية يصدمنا قاسم بتاريخ الجنون، بدموية أباطرة السياسة والعلم، سارداً كل بشاعات التجارب العلمية التي قامت على جثث فئران التجارب من الأطفال والسود، والتي حدثت في القرن الماضي خلال الحروب وبعدها، مؤكداً أن ما تعرض له من تجريب ليس الأول ولن يكون الأخير! على أن الشر طبيعة أصيلة في الإنسان، لا تجدي معها المثاليات والقيم الأخلاقية التي نضحك بها على أنفسنا طوال الوقت، وهو بعد آخر لتفسير عبارة نيتشه الشهيرة «موت الإله»، حينما قصد أن المثاليات والأخلاق المرتبطة بوجود الإله قد ماتت بالفعل لدى الإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.