الجدل الذي رافق الإعلان عن جوائز الدولة لعام 2016-2017 في فروعها الأربعة، لم يكن على مستوى أسماء الفائزين، بل على طريقة اختيارهم، فهذه هي المرة الأولى في تاريخ جوائز الدولة التي يحرم فيها قادة وزارة الثقافة، بمن فيهم الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة وأعضاؤه، من حق التصويت على المرشحين. حلة جديدة القانون الجديد الصادر في نهاية مارس الماضي (رقم 9 لسنة 2017) وصادق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، منح حق التصويت لوزير الثقافة والأعضاء المعينين بالمجلس فقط، وكذلك لرئيس اتحاد الكتاب، ورؤساء نقابات الفنانين التشكيليين والمهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية. من بين التعديلات الجوهرية التي تضمنها القانون الجديد، والتي سيكون لها أثر إيجابي على جوائز الدولة أن الأعوام المقبلة يمكن أن تشهد فائزين عديدين من الشباب، لأن القانون قصر التقدم لجوائز الدولة التشجيعية على من هم تحت سن الأربعين، كما لن تذهب أكثر من مرة لشخص واحد، وبالتالي ستكون حصة جوائز الدولة التشجيعية بفروعها الأربعة (الفنون، والآداب، والعلوم الاجتماعية، والعلوم الاقتصادية والقانونية) التي أعلنت مساء الأحد، هي المرة الأخيرة التي سنقرأ فيها أسماءً لمن تجاوزوا الستين أو السبعين. بالنسبة إلى جائزة الدولة للتفوق، كان من أبرز الفائزين بها الأديب جار النبي الحلو، بينما تم حجب بقية أسماء المرشحين للجائزة، التي كانت تضم عددًا كبيرًا من الأدباء، وفي فرع العلوم الاجتماعية فاز كل من الدكتور محمد شومان عميد كلية إعلام الجامعة البريطانية، وخبيرة الآثار منى حجاج، واللواء نبيل لوقا، وفي فرع الفنون فازت كل من سهير عثمان الأستاذة بكلية الفنون التطبيقية والممثل طارق التلمساني، وحُجبت جائزة واحدة. أما جائزة الدولة التقديرية فذهبت إلى 9 أشخاص، هم الشاعر مصطفى الضمراني والكاتب نبيل عبدالحميد وزكريا عناني، أستاذ الأدب العربي والأدب المقارن في فرع الآداب، والدكتور مصطفى لبيب والناقد شاكر عبدالحميد ومحمد رياض في فرع العلوم الاجتماعية، والفنانون سمير خفاجي وأحمد شيحة وصبري منصور في فرع الفنون. وفي ما يتعلق بجائزة النيل فقد حصدها ثلاثة فائزين، هم المخرج علي بدرخان في فرع الفنون، واسم الأديب الراحل الطاهر مكي في فرع الآداب، والدكتور صبري الشبراوي في فرع العلوم الاجتماعية. أما بالنسبة إلى جائزة الدولة التشجيعية، فذهبت إلى 20 شخصًا بدلًا من 32، حيث تم حجب 12 مجالًا، وكان من بين الفائزين كل من الباحثين سمير خواسك، وحاتم الجوهري، وماجدة شلبي، وشعبان عبدالحكيم وسمير الفيل، والشاعرة سلمى فايد، والفنانون سيد قنديل وأيمن لطفي، والعازف هاني البدري، علاوة على أستاذ الديكور بكلية الفنون الجميلة عمرو أشرف. جوائز لمستحقيها علاء عبدالهادي، رئيس اتحاد كتاب مصر، رغم امتناعه عن التصويت على جوائز الدولة بسبب خلاف بينه وبين وزير الثقافة رأى أن الجوائز ذهبت إلى مستحقيها، وأن النتائج أفضل من المرات السابقة، ونالتها قامات في الآداب والفنون، مثل الأديب الطاهر مكي، الذي كان سيسعد بجائزة النيل كثيراً لو كان حياً، وأيضاً الأديب جار النبي الحلو. وأشار إلى أن قرار رئيس الجمهورية بعدم تصويت قطاع الثقافة في غاية الأهمية، لأنه يعني أن فوز المرشحين لن يكون حسب أهواء أحد. وأضاف أن التعديلات التي شهدها القانون في غاية الأهمية أيضاً، لأنها ستجعل الأعضاء يلتزمون بالتصويت على القوائم القصيرة فقط التي تقدمها لجان الفحص، ولن تكون هناك “قوائم استشارية” يلتزم بها أعضاء المجلس أثناء التصويت، ما سيخلق تنافساً قوياً بين المرشحين، كما اقترح إضافة مادة جديدة إلى القانون تنص على أن يكون ثلث أعضاء اللجنة من الشباب، حتى يأخذوا فرصتهم في تقرير مصائرهم. نبيل عبدالفتاح الكاتب والخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، اختلف حول القانون الجديد الذي أقره البرلمان، والذي بالطبع صار ملزماً للمجلس، حيث طالب بضرورة تشكيل لجنة لإعادة النظر في معايير الترشح والحصول على الجوائز في فئاتها المختلفة، ثم إعادة النظر في القانون نفسه في ما بعد، لا سيما المادة السادسة منه والتي أعطت صفة الإلزام في ما يتعلق بالقوائم القصيرة التي تقدمها لجان الفحص، وذلك لأن من المعروف أن آراءها استرشادية، كما يجب أن يكون المجلس الأعلى للثقافة هو صاحب الاختصاص الأصيل في الاختيار وليس الوزير. ولفت عبدالفتاح إلى نقطة مهمة هي أن الكثير من المتقدمين لنيل الجائزة يخلطون بين السيرة الذاتية (أي قائمة إنجازاتهم الوظيفية والمهنية) وبين الأعمال الفكرية أو الإبداعية التي تكون قد شكلت نقلة نوعية في الحقل الذي يعملون فيه. وأوضح “نحن نادرًا ما نقرأ تقارير تقويمية عن حقيقة إنجازات هؤلاء الفائزين، ولو أننا وجدناها فسوف يعطي ذلك جوائز الدولة المزيد من القيمة والمكانة، حيث أن الكثيرين حاليًا يفكرون أكثر من مرة قبل التقدم لها”. لذلك يعتقد الكثير من النقاد أن المرحلة المقبلة ستمنح فيها الجوائز لمن يستحقونها، وأن سلبيات الأعوام الماضية، والتي كانت فيها عناصر المجاملة واضحة، من الممكن أن تتوارى، طالما سيتم تغليب معايير الكفاءة، وهو ما يمنح فرصة لتقديم وجوه جديدة على المستوى الثقافي تعوض التآكل الذي تعرضت له النخبة المصرية، بفعل التراجع الإبداع النوعي، وتعيد الاعتبار لجوائز الدولة التي فقدت الكثير من بريقها مؤخرا.