إصابات متفرقة، ننشر أسماء 7 مصابين في حادث طريق المحيط بالمنيا    نقيب معلمي الإسماعيلية يناقش مع البحيري الملفات التي تهم المدرسين    جانسن مصر تشارك في النسخة الثالثة من المعرض والمؤتمر الطبي الإفريقي    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    البنك الأهلي يطلق حملة ترويجية لاستقبال الحوالات الخارجية على بطاقة ميزة    انطلاق فعاليات الملتقى السنوي لمدراء الالتزام في المصارف العربية بشرم الشيخ    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    أبو الغيط يدين مجزرة قرية ود النورة بولاية الجزيرة السودانية    يلا كورة يكشف.. خطة الزمالك للصفقات.. أزمة القيد.. وموقف بنشرقي    "أزمة قلبية وسقوط مشجع".. 5 لقطات مثيرة من نهائي أمم أوروبا يورو 2020 (صور)    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    اتتشال جثة طفل غريق بكوم امبو بأسوان    زميل سفاح التجمع يكشف أسرارا عن رحلة عودته من أمريكا حتى شقة القاهرة الجديدة    أحدث ظهور ل نسرين طافش من المالديف أثناء تناولها "الآيس كريم".. والجمهور يعلق (صور وفيديو)    بالصور.. تجهيزات جميلة عوض قبل حفل زفافها الليلة    أشرف زكي محذرًا الشباب: نقابة المهن التمثيلية لا تعترف ب ورش التمثيل    فصائل فلسطينية: استهدفنا مبنى يتحصن به عدد من جنود الاحتلال وأوقعناهم قتلى وجرحى    أبرزها عدم مس الشعر والبشرة| تعرف على آداب المضحي.. الإفتاء تكشف أمورا مهمة    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    حج 2024 | أدعية يستقبل بها المؤمن شهر الحج    رئيس جامعة بنها يفتتح المؤتمر العلمي السنوي لأمراض الباطنة.. صور    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    غرامة تصل إلى 10 ملايين جنيه في قانون الملكية الفكرية.. تعرف عليها    عطل مفاجئ يتسبب في انقطاع مياه الشرب عن بعض مراكز بالفيوم    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "أوهمت ضحاياها باستثمار أموالهم".. حبس المتهمة بالنصب والاحتيال في القاهرة    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 الجزائر وفقا للحسابات الفلكية؟    حركة تغييرات محدودة لرؤساء المدن بالقليوبية    جيش الاحتلال ينفي إعلان الحوثيين شن هجوم على ميناء حيفا الإسرائيلي    هل يحرم على المضحي الأخذ من شعره وأظافره؟.. الإفتاء تجيب    وزير الخارجية يلتقى منسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    للراغبين في الشراء.. تراجع أسعار المولدات الكهربائية في مصر 2024    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    الأقوى والأكثر جاذبية.. 3 أبراج تستطيع الاستحواذ على اهتمام الآخرين    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    مقابل وديعة دولاية.. مبادرة لتسهيل دخول الطلاب المصريين بالخارج الجامعات المصرية    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    فيلم ولاد رزق 3 ينافس في موسم عيد الأضحي ب «الضربة القاضية»    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    بوريل يستدعي وزير خارجية إسرائيل بعد طلب دول أوروبية فرض عقوبات    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أولى صفقات الزمالك وحسام حسن ينفي خلافه مع نجم الأهلي وكونتي مدربًا ل نابولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضوضاء الريح : رواية سيرية عن الطفولة الفلسطينية الشقية
نشر في نقطة ضوء يوم 29 - 12 - 2011

حياة كل فلسطيني يمكن أن تروى، تحديدا منذ نكبة 1948، التي من نتائجها تمزق أسر فلسطينية، وفقدان أعزاء ..ووطن، ولجوء إلى العراء في فلسطين نفسها، وخارجها في البلدان العربية المجاورة، وأحيانا الرحيل إلى بلاد بعيدة لم يخطر ببال من رحلوا إليها أنهم بالغوها يوما. إذا كانت حياة الفلسطيني العادي البسيط يمكن أن تروى، فما بالك وهذا الفلسطيني شاعر، وكاتب حكايات للأطفال والفتيان، وأرشفجي يحكي عنه زملاؤه الأدباء في الأردن بأنه يملك أرشيفا يكاد يتفوّق على ما تملكه وزارة الثقافة الأردنية نفسها، يحفظ سير الأدباء الأردنيين ونتاجهم الأدبي.. ومن شتى الأصول والمنابت.
يوسف حمدان، المولود في قرية (إذنبه) قضاء الرملة في العام 1944، الذي فتح عينيه على (إبراهام) اليهودي الذي يحاول إغراء جد يوسف بما يريده من مال ليبيعه أرضه.. تفتح وعيه على النكبة، والفقدان، والجوع، والمهانة، من دون أن يعرف أسباب هذه المصائب.
يوسف يروي من ذاكرته الطفلية، ويفتتح روايته السيرية: صرخت منبها جدي: ها هو قد عاد ومعه آخرون! تظاهر جدي بعدم سماعي وهو يحاول تحرير رقبتي الثورين من (النير) معلنا انتهاء يوم حراثة آخر.
في هذا المقطع نبدأ مع الحكاية التي يسردها (يوسف) الراوي.. منذ الطفولة.. ويكبر فتكبر معه المأساة، ويكبر معها.. ويتمكن (إبراهام) من امتلاك الأرض بقوّة السلاح، وتبدأ معاناة الجد وأسرته وأحفاده.
بهذا المقطع تفتتح رواية (ضوضاء الريح) التي هي رواية (أبناء خديجة) المرأة الفلسطينية الفلاّحة التي احتضنت أطفالها وحمتهم من غائلة الجوع عندما أُسر والدهم، ثم صانت حياتهم وهم يكبرون في أيام التشرد والتنقل القسري من قرية (إذنبة) إلى قرى مجاورة لم تكن الحرب قد دهمتها بعد.. وصولاً إلى مخيم النويعمة.. وحتى رحيلها الفاجع عندما انهارت فوق رأسها حفرة وهي تستخرج منها ما تطلي به غرفتهم المبنية من الطين.. بالشيد الأبيض المستخرج من بطون تلال تقع شرق مخيم النويعمة أحد المخيمات الأربعة التي انتشرت حول مدينة أريحا.
أبناء خديجة فقدوا والدهم مبكرا، بعد خروجه من أسر الصهاينة بقليل، ولم يهنأوا بالعيش في أحضان الأب والأم، وهكذا فهم لم يعانوا كباقي الأسر من التشرد والغربة عن البيت والقرية والحقل حسب.. بل أيضا من افتقاد الحماية لطفولتهم.. بسبب رحيل الأب والأم معا الواحد بعد الآخر، وهم لما يبلغوا العمر الذي يمكنهم من الاعتماد على أنفسهم.
أبناء خديجة طحنتهم الغربة واليتم معا، ولكنهم صمدوا بعد أن دفعوا الثمن غاليا من طفولة شقية، وفتوة قضوها في مكابدة افتقاد حتى لقمة الخبز.. والعطف، ولعل هذا ما صقل أرواحهم في التجربة التي وإن شاركوا كثيرين فيها من أبناء جيلهم، فإنهم عانوا فيها ما فاق معاناة الآخرين.
التنقل في القرى بعد استيلاء الصهاينة على (إذنبة) كان عابرا، ولكن الإقامة في مخيم النويعمة كانت البداية المؤثرة، ففي المخيم بدأت الدراسة، وبدا تفتح الوعي، وبدأت مرحلة إدراك ووعي ما حدث.
يسرد يوسف (الحكاية) بتلقائية، وحميمية، وبساطة.. لأن غايته أن يوصل للقارئ معاناته الشخصية هو وأسرته متداخلة بمعاناة أهله: جده وخاله وجدته وأقاربه، وأهل مخيمه.. وشعبه كله، فالتجربة بتفاصيلها تخّص كل فرد وأسرة، وبعمومها تشمل شعبا نكب وتعرّض لظروف شملته كله، وإن اشتدت قسوتها أكثر على بعض الأفراد والأسر.
هناك ما هو شخصي في رواية يوسف.. يجمعني وإيّاه، وهذا ما قرّب هذا النص الأدبي الأليف من نفسي، وأهاج ذكريات حميمة وحزينة.. وأحيانا جميلة.. وحتى فكهة، لأننا رغم كل شيء كنّا نضحك أحيانا في ذروة مآسينا المقيمة معنا.
أنا ويوسف عشنا في نفس المخيم (النويعمة) وعلمنا نفس الأساتذة، ومنهم وأبرزهم، واكثرهم تأثيرا في حياتنا، الأستاذ عدلي عرفات أستاذ اللغة العربية.
الأستاذ عدلي عرفات جذبنا للقراءة، وعندما كبرنا شجعنا على الكتابة.. وتبنى من وجد لديهم موهبة، فعمل على تنميتها، ورعايتها.. فكان أبرز تلامذته الصديق يوسف حمدان، الذي بات صديقا للأستاذ عدلي.
حكاية الأستاذ عدلي رحمه الله مشرّفة وفاجعة، فهو، وهذا ما عرفناه عندما كبرنا، كان مصابا بمرض السكري منذ طفولته المبكرة، ولذا كان لونه أصفر شاحبا.. ومع ذلك فقد تفانى في نشر الوعي بين طلابه، وأحضر لهم الكتب من القدس، وبنى لهم مكتبة.. وشجعهم على القراءة، والنقاش، والتفكير.. والخطابة والجدل.
حكاية الأستاذ عدلي تبرز في رواية يوسف، الذي دأب على مراسلة أستاذه الذي غادر إلى دمشق لدراسة الطب في جامعتها.. ومات قبل أن يتخرّج من كلية الطب في العام 1963. (العجيب أنني كنت آنذاك أعيش في دمشق.. ولم أعرف أن الاستاذ عدلي يدرس في جامعتها).
يوسف الوفي لا يحكي عن نفسه، وإن كانت تجربته الحياتية حاضرة، فهو يستعيد شخصيات من المخيم، من زملائه وجيرانه وأساتذته وموظفي وكالة الغوث الذين يحضر منهم مدير المخيم الطيب الذي ساعد أسرة يوسف على شراء غرفة لهم تؤويهم وتصون كرامتهم ؛ ولأنني عشت مع يوسف في (النويعمة) فإنني وأنا اقرأ استعدت بمحبة بعض الشخصيات، وفي مقدمتهم تلك المرأة التي كنّا نناديها (الخالة شمسة) .. التي كانت تهتم بيوسف وأبناء صاحبتها المرحومة خديجة، وتقدم لهم ما تيسّر من الطعام.
كبر يوسف، وتعلّم ميكانيكا الآلات الثقيلة في معهد وداي السير المهني، وسافر من بعد إلى الكويت، وهناك عاش تجربة غنية ينقلها بحميمية، ويقدم شخصيات طريفة منهم زميله السعودي الأصل (عجران) الكاره للعمل في الشركة والأجانب.
يبدأ نص يوسف بالمواجهة مع (إبراهام).. وينتهي بمواجهة إبراهام من جديد.. ولكنها مواجهة عاجزة، غير متكافئة، لا تعيد الأرض التي استولى عليها إبراهام بقوّة السلاح.
اقترح يوسف على جده العودة بتصريح إلى (إذنبه).. فوافق الجد بعد تردد، وإذ تصل بهما السيارة إلى القرية.. ويحدد الجد أرضه، يبرز إبراهام.. ويواجه الجد يوسف ساخرا: هل جئت لتقبض ثمن أرضك يا خبيبي؟!.. راخت أيام زمان يا خبيبي..اليوم إنت مش خبيبي يا خبيبي.
وانطلقت بنا السيارة..ولم نلتفت إليه. (ص112
يا لها من عودة.. تليق بها سخرية إبراهام!. هذا ما يقوله يوسف، فالعودة إلى الأرض لا تكون بمجرّد إلقاء نظرة عليها.. والتفجع والبكاء.. العودة إلى الأرض. وعودة الأرض.. لا تكون بتصريح من العدو المحتّل!
يوسف حمدان الذي تتلمذ على يدي الأستاذ عدلي عرفات، وجعل من الشعر همّ حياته ومعناها، جعل من (المهنة) وسيلة للرزق.. فقد آمن مبكرا بأن مهنة في اليد أمان من الفقر، وهو مع انهماكه بالعمل، ورحيله الدائم من بلد عربي إلى آخر، واظب على كتابة الشعر، وحكايات الأطفال، وأرشفة حياة المبدعين بروح اعتادت أن تعطي بمحبة وغيرية.
ضوضاء الريح .. الرواية السيرية، أخذت عنوانها من قصيدة كتبها يوسف وأهداها لأستاذه عدلي معاتبا إيّاه على استقالته من التعليم ومغادرته إلى دمشق لدراسة الطب من دون إعلام طلابه ..خاصة يوسف.
ربما يتنهد القارئ وهو يطوي آخر صفحات هذا (النص) وهو يقول لنفسه: يا إلهي ..كم تعذب جيل النكبة هذا.. وكم أنهم أبطال هؤلاء الذين رغم الجوع والفقر واليتم تعلموا، وبنوا أسرا..وتغلبوا على ظروف حياتهم الشقية، وها هم يكتبون سيرة شعبهم، ويلهمون الأجيال التي ولدت بعدهم!
* صدرت الرواية عن دار الينابيع للنشر والتوزيع الأردن 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.