تميزت الحضارة السومرية التي قامت في بلاد الرافدين عن غيرها من الحضارات بعدة مقومات ساهمت في استمرارها ونهضتها، يأتي في مقدمتها الزراعة والكتابة، فمنذ أن بدأت الحضارة السومرية بمطلع الألفية السادسة قبل الميلاد، اعتمدت على زراعة المحاصيل المختلفة كمصدر رئيسي أعطاها نوعا من الاستقلالية والقوة في تلك المرحلة، بجانب اهتمامهم بالكتابة التي لعبت دورا حيويا في استمرار تلك الحضارة وتدوينها، كما أنها ساعدت اللغة السومرية على إثبات وجودها، وجعلت منها لغة رئيسية يستخدمها كل من النبلاء والعامة، الأمر الذي مثّل البنية الرئيسية التي قامت عليها الحضارة السومرية، وتميزت بها عن باقي حضارات العالم القديم. اهتم السومريون كثيرا بالتدوين، وكتابة أسلوب حياتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم على ألواحهم الخاصة، والتي حوت الكثير من أسرار العالم القديم، واستخدموا الكتابة والمعرفة للانتقال من مرحلة البدائية التي جاءوا بها من شرق آسيا إلى مرحلة الحداثة والعمل وإنشاء الدولة والحضارة، وذلك بحسب المؤرخ الغربي جون ألدر. يقول د. علاء الدين شاهين، أستاذ التاريخ بكلية الآثار جامعة القاهرة: الكتابة كانت من أبرز العوامل التي ساهمت في نهضة الحضارة السومرية، حيث اهتم بها السومريون بعد استقرارهم في المدن العراقية، لدرجة وصلت إلى تجسيد حبهم للكتابة بإقامة تماثيل حجرية لكتاب قدماء يمسكون بأقلامهم، وظلوا فترات طويلة يطلقون على هذه التماثيل أسماء آلهة قديمة، ومن اهتمامهم بالكتابة تم تعزيز لغتهم وتعميمها، اللغة التي أطلق عليها بعد ذلك اسم "السومرية" نسبة إليهم. وجاء هذا المسمى نسبة إلى بلاد ما بين النهرين التي أقاموا فيها، وذلك بحسب ما جاء بأحد الكتب التاريخية القديمة، مثل "نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق"، الذي أوضح معنى التسمية، وكيف كان للسومريين أن يطلقوا على أنفسهم هذا الاسم، ولكن لغتهم لم تكن معروفة بالتزامن مع إتقانهم للكتابة، وهذا لا ينفي دورها في تعزيز وجودها بعد ذلك، موضحا أن السومريين عندما بدأوا الاهتمام بالكتابة والتدوين، كانوا ينظرون إلى الحضارات السابقة، ويأخذون منها ويطورون في طريقة إظهار الحروف والكلمات، حيث كانت الكتابة التي عرفت بعد ذلك بالسومرية "صورية"، حيث كانت الأحرف غريبة لا يستطيع أحد التعرف عليها بخلاف السومريين أنفسهم. وأضاف شاهين: رغم أنها كانت لغة مبهمة ولكن استخدموها في تدوين عدد من الكتب والمخطوطات التي توضح طبيعة حياتهم، وتسطر معتقداتهم التي آمنوا بها، كما لعبت الكتابة لدى السومريين دورا مهما في نقل فنونهم إلى الحضارات المتعاقبة، مثل فن الرسم والنقش، الذي كانوا يمارسونه في إنشاءاتهم البنائية، الأمر الذي ساهم في خروج الكثير من المؤلفين والمؤرخين الذين تناولوا بعد ذلك التاريخ السومري كما عاشوه، ومنها بدأ الاهتمام باللغة الخاصة بهم، حيث ساهم هؤلاء في تطويرها وتعزيز وجودها، حتى أصبحت لغة قائمة بذاتها تحتوي على أحرف مصورة تحولت إلى مكتوبة مع مرور الوقت، اعتبرها بعض المؤرخين أنها شبيهة باللغة الآشورية والبابلية، وهو ما دفعهم إلى التعديل فيها بعض الشيء حتى تكون أكثر تميزا واختلافا عنهم، مما يوضح أثر تميز السومريين في الكتابة على تاريخهم ولغتهم، حيث نال تاريخهم بعض الانتقادات من كتاب غربيين كانوا يرون أن بدايتهم جاءت من الهند بخلاف ما كان يردده مؤرخو السومرية بأنهم ذات أصول عربية، وهناك من أطلق عليهم اسم "المعدان"، نسبة إلى الطريقة التي يقيمون بها مبانيهم ومنشآتهم، حيث كانوا يستخدمون نقوشا من المعدن على بناياتهم بصورة ملحوظة. وعن الزراعة كإحدى المقومات الرئيسية للحضارة السومرية، يشير د. ناصر مكاوي، أستاذ حضارات الشرق القديمة بجامعة القاهرة، إلى أن الحضارة السومرية شهدت تميزا وتفردا في المجال الزراعي، ساعدهم على ذلك إتقانهم لتربية المواشي والأبقار، التي كانت لا تنفصل عن الزراعة كثيرا، وإنما ترتبط بها ارتباطا وثيقا، بدأ اهتمامهم بالزراعة قبل عنايتهم بالكتابة، ولكنهم تخلوا عن تربية الماشية وكرسوا جهدهم في زراعة المحاصيل والإتجار فيها، بدأوا بزراعة البساتين لتجميل منشآتهم، ثم وصل حد اهتمامهم بالزراعة إلى تخصيص مساحات من الأراضي الفارغة التي أحاطت بالمدن التي استقروا بها، وكان الهدف من ذلك تثبيت أقدامهم في تلك المدن، خاصة بعدما لاقوا هجوما من كونهم سكانا غير أصليين لهذه المدن، وأنهم أتوا إليها هاربين من بطش الحكومات عليهم. كما أن هناك هدفا أصليا وراء اهتمامهم بالزراعة وهو أن يكون مدخلا لمجال التجارة، حيث كان السومريون يسعون إلى زراعة عدد من المحاصيل للإتجار فيها، وبذلك يكونون قد عرفوا الزراعة والتجارة، وأبرز ما تميزوا في زراعته النخيل، كما أتقنوا زراعة التين والتفاح. وينوه عودة إلى استغلال السومريين قربهم من مياه الأنهار في النهوض بالزراعة، حيث قاموا بتجربة زراعة بعض المحاصيل الأخرى مثل الرمان، ولكن لم ينجحوا في ذلك، كما كان نجاحهم في زراعة النخيل والتفاح. كذلك استخدم السومريون في الزراعة وسائل مختلفة لتجديد تربة الأرض وجعلها ملائمة لتقبل التغييرات المناخية والسلالات الزراعية، مما جعلهم حضارة متميزة في الزراعة، لتكون هي والتدوين من أكثر مظاهر الحضارة السومرية، وما ميزها عن غيرها من الحضارات القديمة.