يحتفل العالم السنة الحالية 2016 احتفالا غير تقليدي بذكرى مرور 4 قرون على وفاة شكسبير (23 أبريل 1616). وتتزامن هذه الذكرى مع حدثين مهمّين وقعا خلال الشهرين الماضيين: الأول تعرُّض قبره، في كنيسة “الثالوث الأقدس″ بمدينة ستراتفورد مسقط رأسه، إلى النبش وسرقة جمجمته، والثاني العثور على نسخة نادرة من الطبعة الأولى لمسرحياته الكاملة (36 مسرحية في 3 مجلدات)، عمرها 400 عام تقريبا، في منزل فخم بجزيرة في أسكتلندا. وقد جُمعت ونُشرت بعد 7 أعوام على وفاته، وبدأ عرضها مؤخرا في قصر ماونت ستيوارت التاريخي على الشاطئ الشرقي لستراتفورد، في إطار معرض تقيمه المكتبة الوطنية البريطانية ويستمر حتى 30 أكتوبر القادم. يأتي الاحتفال بهذه الذكرى في ظل تراكم التشكيك في هوية صاحب “هاملت” و”عطيل” و”الملك لير”، أو نسب تراثه المسرحي والشعري إلى شخصيات معروفة أو مجهولة، استناداً إلى تخمينات وتخيلات ودلائل ضعيفة تثير الفكاهة. وربما كان آخر باحث غربي حاول تزييف هوية شكسبير هو جون هادسون عام 2008، قائلا إنه توصل، في دراسة كتبها، إلى أن شكسبير شخص وهمي، وإن جميع ما كُتب تحت اسمه يعود إلى امراة يهودية اسمها “إميليا بوسانو لانييه”، وهي ابنة لأم وأب يهوديين هاجرا من إيطاليا. وكانت “لانييه” أول امرأة نشرت مجموعة من الأشعار في عام 1611. وذهب هادسون إلى أن هذه المرأة انتحلت اسم شكسبير عمداً كي تتجنب الوقوع في مصائب كانت تنتظر أيّ امرأة مبدعة في ذلك العصر! هكذا، بمنتهى البساطة، زعم جون هادسون أن أعظم ما أنتجته العبقرية المسرحية في تاريخ البشرية، ومنها مسرحية “تاجر البندقية”، التي يفضح فيها شكسبير جشع المرابي اليهودي “شايلوك”، وانحداره الأخلاقي، هي من تأليف امرأة يهودية مجهولة اسمها “لانييه”، في حين كان 90 بالمئة من النساء في إنكلترا إبان القرن السادس عشر أميّات، وكان شكسبير محاطاً بنساء لا يستطعن قراءة حرف واحد مما يكتب حينما كتب “روميو وجولييت”، كما يقول بيتر أكرويد، في كتابه “شكسبير: السيرة الذاتية”، الصادر في لندن عام 2005. وكانت الأسئلة حول هوية شكسبير قد بدأت مع أبناء جلدته الفيكتوريين، الذين رفضوا أن يصدقوا أن ابن أسرة فقيرة يستطيع كتابة شعر ومسرحيات بهذا المستوى، وبحثوا عن الفاعل بين أبناء الطبقة العليا: فرنسيس بيكون، المحامي والنائب، كريستوفر مارلو، المسرحي الآخر في زمن شكسبير، إدوارد دي فير، النبيل والشاعر المسرحي، وإرل داربي السادس، الجامعي وعاشق المسرح. إلاّ أن هؤلاء الفكتوريين لم يتوصلوا إلى دليل واحد مقنع. وقد عزا البروفيسور بريان فيكرز، الخبير الشكسبيري، شكّهم في هوية الشاعر إلى الجهل والتكبر الطبقي. كما فنّد فيكرز ادعاء الباحثين برندا جيمس، ووليم روبنستاين، في كتابهما المشترك “الحقيقة ستظهر: كشف القناع عن شكسبير الحقيقي” بأن السير هنري نيفيل، المالك الثري والنائب في البرلمان وسفير بريطانيا في فرنسا، الذي ولد قبل شكسبير بعامين وتوفي قبله بعام، وأتقن لغاتٍ عديدةً، وطاف في أوروبا، وغرف من مكتبته الغنية ثقافةً واسعةً، هو مؤلف المسرحيات التاريخية المنسوبة إلى شكسبير، وفنّد هذا الادعاء بأن الأرستقراطيين، بمن فيهم السير نيفيل، أمضوا معظم وقتهم في الصيد، ولم يتنازلوا بالكتابة للمسارح العامة المكتظة العابقة بروائح أبناء الطبقة العاملة. أستاذ الأدب المقارن في جامعة أكسفورد صفاء خلوصي (الباحث العراقي المتوفى عام 1997)، كان أول باحث عربي ادّعى في مطلع ستينات القرن الماضي بأن شكسبير ليس من أصل إنكليزي، بل من أصل عراقي، وأن والده أو جدّه من جنوبالعراق، واسمه “الشيخ زبير”، نسبةً إلى بلدة “الزبير” في البصرة، وقد هاجر من الأندلس إلى إنكلترا في القرن الخامس عشر، وهناك تحول اسمه على ألسنة الإنكليز إلى “شيك زبير” ثم إلى شكسبير! وسوّغ ادعاءه بأن اسم “شكسبير” ليس له معنى في اللغة الإنكليزية ومعاجمها، في حين كُشف حديثا أن معناه هو “الرمّاح”، أي الفارس الذي يطلق الرمح في مقدمة الجيش، وهو يتكون من مقطعين: “شيك” (معناه يهز) و”سبير” (معناه الرمح). بعد مرور سنوات على ادعاء خلوصي بأن شكسبير عربي، أيّده كل من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي والناقد كمال أبو ديب، الأول ادّعى بأن أصل شكسبير العربي أمر معروف، ف “شيخ زبير يعني الشيخ زبير. شيك يعني شيخ. سبير يعني زبير. يعني الشيخ زبير. الشيخ زبير بن وليم، أو وليم بن الشيخ زبير، فالقضية محسومه لاشك فيها”! والثاني ادّعى في كتابه “سونيتات أو تواشيح وليم شكسبير” بأن اسمه أيضاً “شيخ زبير”، وهو سوري الأصل من قرية صغيرة مجاورة لبلدة “صافيتا” السورية (وهي القرية المولود فيها أبو ديب نفسه). وأقام ادّعاءه على أساس أنه ليس “أمراً عادياً في إنكلترا إبان القرن السادس عشر، وقبل بناء الإمبراطورية، أن يملك شاعر إنكليزي كل هذا القدر من المعرفة عن المناطق النائية من العالم، ويهتم بها كل هذا الاهتمام ويستخدمها في شعره ومسرحه الموجّهين إلى جمهور إنكليزي يعيش في جزيرة بعيدة معزولة يغطيها الضباب، حديثة العهد نسبياً بالخروج من أغوار القرون الوسطى…”. في هذا السياق أيضاً كتب باحث عربي اسمه حسين العاملي في أحد المواقع الإلكترونية العربية، ردا على جون هادسون، قائلاً إن من المحتمل أن يكون أصل والد شكسبير شيخ زبير من الأندلس، “حيث كان بحارا في اسطول ‘الأرمادا' الأسباني الذي تحطم على سواحل بريطانيا، فوصل الرجل إلى الشاطئ الإنكليزي وكوّن أسرة منها ابنه وليم شيخ زبير”! تلى خلوصي الباحث الإيطالي مارتينيو إيفار، أستاذ الأدب في جامعة صقلية، مدعياً أن شكسبير من عائلة صقلية هاجرت إلى إنكلترا بسبب الاضطهاد الديني، وأن اسمه الحقيقي هو “كرولانزا”.. ودليله على ذلك أن كلمة شكسبير هي المقابل لاسم عائلة “كرولانزا” في الإيطالية!