صدر مؤخرًا عن مركز دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية العددان الأول والثاني من سلسلة "تجارب التنمية"، وهي أوراق محكمة تقدم خبرات خاصة بأصحابها، وتسعى إلى تحفيز النقاش الأكاديمي حول قضايا التنمية بمختلف أبعادها. وأكد الدكتور سامح فوزي؛ مدير مركز دراسات التنمية، أن صدور تلك السلسلة يأتي في سياق جهود المركز في توثيق تجارب التنمية، وتقديم نماذج ملهمة في التنمية بناءً على تعبئة قدرات وإبداع المجتمعات المحلية. تضمن العدد الأول "توثيق خبرات التنمية" ثلاثة موضوعات أو مقاربات منهجية متنوعة في "توثيق تجارب التنمية" في ثلاثة مشروعات مختلفة من حيث: أهدافها التنموية، وحداثتها، ومنهج التوثيق ذاته؛ الأول بعنوان "التوثيق من أجل التعلم" للدكتور حازم فهمي؛ مدير هيئة كير الدولية بمصر، حيث يقدم إطلالة على تجربة التوثيق في مشروع "إمباورز" Empowers، مستندًا في ذلك إلى تأملات ورؤية الكاتب حول غايات التوثيق، وأدواته، وعلاقة القائمين عليه بالعملية التنموية، كما يتناول تفاعلاتهم مع ممارسي التنمية والمستهدفين من المشروع. وفيما يتعلق بالثاني فقد تناول من خلاله جورج نبيل؛ الخبير في مجال التنمية، موضوع "رأس مال الخبرات" باعتباره مدخلاً مهما في توثيق خبرات التنمية، حيث يعتمد في تكوينه على الممارسات العملية المباشرة في مجال التنمية على أرض الواقع، وخبرة التفاعل مع الناس. ويُشكل تراكم الخبرات مساحة نقدية مهمة في بناء الذاكرة التنموية، وتراكم المعارف، وتكوين الكادر التنموي المدرب الواعي. أما الثالث فقد قدم من خلاله الأستاذ نبيل مرقس؛ الباحث الأسبق بمعهد التخطيط القومي، "رؤية توثيقية جديدة لتجربة حي إسكان محيي" التي أجراها بنفسه عام 1981 حين نجح أهالي منطقة إسكان محيى بالخلفاوي بجهودهم الذاتية في تنظيف المساحات الفضاء التي تقع بين البلوكات السكنية في منطقتهم ليقدموا نموذجًا مغايرًا للملامح التقليدية المميزة لمناطق الإسكان الشعبي في مصر. أما العدد الثاني فقد صدر بعنوان "الإبداع مع الناس" للدكتور حامد الموصلي؛ الأستاذ المتفرغ بكلية الهندسة جامعة عين شمس، متناولاً ثلاثة مقالات أساسية؛ قدم الأول تعريفًا للمعرفة التقليدية على أنها "نتاج حضاري وحصيلة تاريخية لتفاعل أبناء المجتمعات المحلية المختلفة لدينا مع بيئتهم المحيطة ومع مواردهم المحلية من أجل إشباع حاجاتهم الأساسية، وكذلك التعبير عن رؤاهم الحضارية وتلبية حاجاتهم الروحية، بينما تعرض المقال الثاني "التصميم الواعي بيئيًّا وحضاريًّا واجتماعيًّا" للفهم الشائع للتصميم على أنه علاقة بين طرفين (المستهلك والمصمم) تبدو معزولة عن السياق البيئي، والحضاري، والاجتماعي، وتنتهي لحظة تسليم أو بيع التصميم المنتج، واختتم المقال بتجربة قام بها المؤلف نفسه في التصميم الواعي بيئيًّا وحضاريًّا واجتماعيًّا في إنتاج أثاث عصري من جريد النخيل. أما المقال الثالث "الإبداع مع الفقراء" فقد قدم اقترابًا جديدًا ومغايرًا من قضية الفقر، ينطلق من خبرات تستند إلى مشروع أهلي يرى فيه المؤلف أنه قد يمثل خروجًا عن اتجاهات البحث العلمي في مصر التي تنطلق من أن هناك طلبًا صامتًا على سلع وخدمات خاص بشرائح اجتماعية أكثر احتياجًا، وغير قادر على التعبير عن نفسه سوقيًّا إلا أن هذا الطلب يمكنه توصيل صوته من خلال توفير قوى دفع تكنولوجي يمكن من خلالها الوصول لذوى الحاجات من الشرائح الاجتماعية الأكثر احتياجًا ومساعدتهم على ترجمة طلبهم الصامت إلى طلب فعَّال يستجيب له السوق. يُذكر أن سلسلة "تجارب التنمية" تقدم للباحثين والممارسين في مجال التنمية مساحة جديدة من التأمل، والتفكير المعمق، وتسجل الخبرات والمعارف بشكل منهجي، مبسط، يسطر خلاصة تجارب مبدعة، وتقدم خبرات ودروس مستفادة.