ترصد المخرجة الفلسطينية مي المصري عوالم الاسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، وهي بالكاد تحاول تقديمهن بأشكالهن العادية من دون «رتوش» الاستضعاف. المخرجة التي تجاوز رصيدها السينمائي والتجريبي بعد أكثر من ثلاثين عام، تقارب في فيلمها الروائي الأول «3000 ليلة» واقع الصراع اليومي مع الاحتلال والاستمرار في المقاومة، وصورة الأسيرات داخل سجون تقفل عليهن نفسياً، قبل القضبان. - يرصد الفيلم التعقيدات النفسية للأسيرات وتأرجحهن بين الضعف والقوة، على ماذا استندتي لفهم حالاتهن؟ - وُلَدَت فكرة الفيلم قبل سنوات عدّة، عندما كنت أصور فيلماً في بلدتي نابلس، حيث قابلت امرأة فلسطينية أنجبت طفلها في أحد السجون الإسرائيلية. تأثرت بعمق لمجرّد التفكير بأن تلك المرأة وضعت طفلها وهي مقيدة بالسلاسل. واستطاعت تربيته ورعايته بمساعدة الأسيرات الأخريات، لينتهي الأمر بِفَصلها عن طفلها، وقتها شعرت بأن هذه القصة تستحق أن تَعرَف وأن تُروى لتصل إلى الجمهور. بعد ذلك، أمضيت عدة أشهر أجريت خلالها مقابلات مع أسيرات، خاصة الأمهات الشابات اللواتي أنجبن أطفالهن في السجون الإسرائيلي. الفيلم هو قصة إنسانية لأم شابة تكافح من أجل تربية ابنها، ومن خلال علاقتها بالنساء السجينات حولها تجد مساحة لتفكر ملياً ولتتطور وتدافع عما تؤمن به. - الفيلم محاولة توثيق ايضاً، ماذا يرصد تحديداً عبر هؤلاء النسوة؟ - حاولت أن يكون الفيلم تأكيداً على معنى الأمومة في أحلك الظروف. والحب والخيانة، والتركيز على علاقات التضامن التي تنشأ بين النساء السجينات، وما يمنحهن من القوة للبقاء والصمود. السجن تعبير مجازي عن واقع الشعب الفلسطيني، وواقع النساء الفلسطينيات بشكل خاص. وجدت نفسي أمام هذه المشاهد مأخوذة بشخصياتهنّ وبالاختيارات التي ذهبن اليها.. أكثر ما صدمني، ليست القسوة والصراع والمعاناة ضمن جدران السجن، بل تلك العلاقات المبنية على التحالف والتضامن ومراحل التطور والنضج التي تمرّ بها المعتَقلات. كنت منجذبة بشكل أساسي إلى القصص الإنسانية والطرائف وقوة الخيال والمرح. مدهوشة بما أضفنه على حياة طفل وليد لا يعرف شيئاً عن الحياة خارج السجن. - ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء الاعداد للعمل؟ - التحدي الذي واجهته كان أثناء كتابة السيناريو، وهو كيفية صناعة فيلم ينقل واقع الأسيرات، وفي الوقت نفسه يوفّر لي مساحة لتطوير عوالمهن الداخلية، لكن الصعوبات كانت في العمل مع عدد من الممثلات المبتدئات. كان التحدي بالنسبة إليّ أن أدفعهنّ (الممثلات) إلى تقديم أفضل ما لديهنّ، إذ أنهن جديدات في عالم التمثيل، ولم يختبرن السجن. الحقيقة أن 20 في المائة من الفلسطينيين تم احتجازهم لمرة أو أكثر، واستطاعت كل ممثلة أن تقدّم للفيلم شيئاً خاصاً من خبراتها الضئيلة السابقة. - كيف اخترت المكان وماذا أضفتي إليه ؟ - تم تصوير أحداث الفيلم في سجن عسكري مهجور. يقع في مدينة الزرقاء شمال العاصمة الأردنية عمان. حيث قام مصمم الديكور حسين بيضون وفريقه بإعادة إحياء الأجواء التي كانت سائدة في سجن إسرائيلي في الثمانينات. وبعد الحصول على موافقة السلطات الأردنية، أعيد طلاء جدران السجن وأضيفت له أقسام أخرى، كما تمّ تصميم قضبان صدئة وجدران غليظة ومهترئة أعادت إلى ذلك السجن المهجور الأجواء الواقعية التي كانت تسوده، ما جعل موقع التصوير أقرب إلى الحقيقة. - كيف ساهمت حركة الكاميرا في إبراز المواقف والسلوكيات والانفعالات بعيداً من الافتعال؟ التقط مدير التصوير، الفرنسي جيل بورت، أغلب مشاهد الفيلم بكاميرا محمولة. لتعكس صورة واقعية، وتم تركيب الإضاءة في أماكن مرتفعة لتتمكن الممثلات من التحرك بشكل طبيعي، واستخدام إضاءة ليلية امتزج فيها الضوء الأزرق وأنوار المصابيح التي تُستخدم عادة في السجون، واستمر التصوير 34 يوماً. - قدمت في الفيلم نموذج السجينة الإسرائيلية التي ساعدت بطلة الفيلم «الفلسطينية»، ألم تخشي من النقد؟ - يعرض الفيلم واقع الصراع اليومي، على الرغم من الظلم الذي تتعرض له الاسيرات في المجتمع. الفيلم مبني على هذا الواقع، ونحن أقوياء بعدالة قضيتنا. حتى العدو يضعف أمام صاحب الحقً. إدانة الاحتلال جاءت أيضاً من داخل المجتمع الإسرائيلي. - أحياناً تضع جهات التمويل بعض القيود على المخرج، هل واجهتك هذه المشكلة؟ أنا لا أسمح لأي جهة أن تفرض عليّ شيئاً. أصنع ما أنا مقتنعة به. أضع عيني على الجمهور فقط. الناس هي الأساس. أفكر فقط كيف يصل الفيلم إليهم. والتجربة تكون إيجابية بقدر ما يكون الفيلم منتج بشكل مشترك، وهو ما يعطيه فرصة أكبر للتوزيع. والفيلم عرض في أوروبا وسيتم عرضه خلال شهر آذار/ مارس في الدول العربية. - بعد أكثر من ثلاثين عام قدمت فيها مجموعة كبيرة من الأفلام التسجيلية لماذا قررت تقديم فيلم روائي؟ - الشكلان الوثائقي والروائي يتكاملان بالنسبة إليّ. فيلم «3000 ليلة» تأثر بالطبع بخلفيتي الوثائقية التي لعبت دوراً حاسماً في منحي فهماً مدروساً لِسياق الأحداث والشخصيات في القصة التي أريد أن أحكيها. ألهمتني الشخصيات بدمج المادة الوثائقية مع الجماليات المستمدة من خبرة السجن نفسها. فالانتقال إلى الشكل القصصي سمح لي بإعادة ابتكار الرواية وإضفاء الحياة على أبطالها،ومعايشة الأبعاد النفسية للحكاية. والموضوع هو الذي يفرض عليّ اُسلوب الفيلم. الفيلم التسجيلي هو الذي أسس شخصيتي. - هل يمكن أن نقول إن هناك انتاجا سينمائيا فلسطينيا، أم أنها مجرد تجارب فردية؟ - هناك تجارب فردية مميزة في السنوات الأخيرة لكنها تشكل حالة، عدد كبير من الأفلام الفلسطينية تم توزيعها عالميا، وحصدت جوائز كثيرة، لكنها تظل تجارب فردية لعدم وجود مصادر دعم دائم لها.