في اليوم الأخير من شهر ديسمبر 2015، يكون قرار المنع الصادر في حقّ كتاب زعيم النازية أدولف هتلر “كفاحي” قد رفع، ويكون الناشرون الأوروبيون في حلّ من أمره لكي يفعلوا بالكتاب ما يشاؤون ويريدون. تستعد دور نشر في كلّ من ألمانياوفرنسا لإعادة طبع هذا الكتاب الذي يعتبر “مانيفست” الحركة النازية التي كانت سببا أساسيا في اندلاع الحرب الكونية الثانية، وما انجرّ عنها من كوارث، ومن فواجع ومن محن ستظل آثارها ماثلة للعيون لأمد طويل. يحمّل اليهود كتاب أدولف هتلر مسؤولية المحارق التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف منهم. وستصدر الطبعة الألمانية الجديدة في أول عام 2016، وستكون في مجلدين (حوالي 3000 صفحة) متضمنة النص الأصلي وفروعه والهوامش والحواشي وتعليقات خمسة من كبار المتخصصين في التاريخ الألماني المعاصر. وبهدف طمأنة اليهود، والمعادين للنازية، أكد المسؤول عن هذه الطبعة الجديدة أن كتاب كفاحي سيتضمن تعليقات قادرة على نسف أفكار هتلر الواردة فيه، وإقناع القارئ بمخاطرها الجسيمة، رافضا إصدار طبعة جيب للكتاب في المستقبل القريب. في فرنسا اشتعل جدل حادّ بخصوص الطبعة الجديدة لكتاب كفاحي، والتي ستصدرها دار فايار المرموقة. وقد وصف بعض المعلقين في وسائل الإعلام الكتاب المذكور ب”الكتاب الملعون”، وأيضا ب”الكتاب القنبلة”، فقد استعمله هتلر للدعاية لأفكاره محققا له رواجا هائلا مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، أي عندما كان النازيون يعدّون أنفسهم لاستلام السلطة. وعندما أصبح هتلر مستشارا، اشترى بالحقوق التي حصل عليها من طبعة كتابه “البيرغهوف”، مقر إقامته في جبال الألب. وفي تعليق له، أشار جان لوك ميلانشون زعيم جبهة اليسار الفرنسي إلى أنه يشعر بالعار والخزي إزاء إعادة طبع كتاب “معاد للإنسانية” بحسب تعبيره قائلا: هل نحن بحاجة إلى قراءة مثل هذا الكتاب؟ وما الفائدة من تعريف القراء مرة أخرى بالهذيانات الإجرامية التي يعرضها. وأما المؤرخون فيجمعون على أن الطبعة الجديدة لا بدّ أن تكون مصحوبة بهوامش نقدية وعلمية. وهم يرون أن كفاحي كتاب يحتوي على أفكار وأطروحات دكتاتور اقترف جرائم إنسانيّة فظيعة وعلى بذور الحرب الكونية الثانية، وعلى الدوافع التي قادت إلى تلك المحتشدات والمعسكرات الرهيبة. ثم إن هتلر أراد أن يثبت للشعب الألماني أنه القائد العبقري القادر على محو العار الذي لحق به خلال الحرب الكونية الأولى. من ناحية أخرى يذهب مؤرخون آخرون بعيدا ويؤكدون على أن كتاب كفاحي لا يزال الكتاب المفضل للأحزاب اليمينية والشوفينية في كامل أنحاء أوروبا، ولا يزال أنصار هذه الأحزاب يستشهدون به، وبه يستعينون لترويج أفكارهم، وتبرير أفعالهم، وعنصريتهم. خليط من الجنون يمكن القول إن إعادة نشر الكتاب وتوزيعه على نطاق واسع يمكن أن يكون بمثابة صبّ المزيد من الزيت على النار في هذه الظروف التي تشهد تصاعدا مخيفا للتطرف اليميني في جميع أنحاء أوروبا جراء تزايد عدد المهاجرين القادمين من البلدان الإسلامية بالخصوص. لذلك يعتقد هؤلاء أنه من الأفضل والأسلم أن تقوم دور النشر بإعادة طبع كتب تعود إلى تلك الفترة التي صدر فيها كتاب كفاحي لإضاءة الظروف والملابسات التي تنامت فيها الحركة النازية مساعدة هتلر على إقناع الشعب الألماني بجدوى أفكاره وأطروحاته. وقد يكون من الأفضل أيضا إصدار مجموعة من النصوص التي ترسم صورة دقيقة عن الحياة اليومية في ألمانيا في الفترة النازية. ويقول المؤرخ أندريه لويز: لا بد من نزع القيمة الفكرية عن كتاب كفاحي. ولا بد أن نتجنب دعم نشره على نطاق واسع، وأن نبذل كل ما في وسعنا لكي لا نرى صفوفا طويلة أمام المكتبات لاقتنائه. من جهته يقول أوليفييه مانوني الذي نقل كتاب كفاحي إلى الفرنسية في طبعته التي ستصدر أوائل عام 2016: إن كتاب هتلر خليط حقيقي. وهو شلاّل من الكلمات التي تمتزج فيها أحاسيس قريبة من الجنون بتفاوت في المنطق. وأما أنّاتّا فيفيوركا فتصف الكتاب المذكور قائلة: إنه أسطورة، وأداة دعاية، والدعاية والتمجيد لا يخضعان إلى منطق العقل. لذلك لا يمكننا أن نزعم بأننا قادرون على التنقيص من قيمته اعتمادا على العلم فقط. ومعبرا عن موافقته على نشر كفاحي، علق المؤرخ هنري روسو قائلا: هل علينا أن نقصي من مجال المعرفة والفكر كلّ ما ينتسب إلى الشرّ؟ وأن نتصرف كما لو أن ما ينتمي إلى الخير هو وحده الجدير بالاهتمام؟