7 ملفات شائكة على طاولة «الزراعة» بعد تشكيل الحكومة الجديدة    فرحات يشهد اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بالعاصمة الإدارية الجديدة    ونش نقل أثاث.. محافظة الدقهلية تكشف أسباب انهيار عقار من 5 طوابق    محافظ المنيا يتابع جهود تلقي طلبات التصالح على مخالفات البناء    تسع 300 شخص.. تطوير قاعة المؤتمرات بالوحدة المحلية لمدينة طور سيناء    شراكة استراتيجية بين "طلعت مصطفى" و"أبو غالي موتورز" لتقديم خدمات التنقل المتكاملة في مدينتي    3 شهداء في غارة إسرائيلية على مخيم المغازي وسط غزة    الجامعة العربية: عدم الانتشار النووى يعد عنصرا حاسما فى السلم والأمن الدوليين    حماس توجه طلبا عاجلا للأمم المتحدة بضم إسرائيل لقائمة الدول قاتلة الأطفال    منتدى دولي لحشد الدعم الإعلامي الإسلامي لمبادرات الاعتراف بفلسطين ومواجهة الخطابات المناوئة    نقص المياه الصالحة للشرب.. رحلة صراع يومية لسكان غزة    الزمالك يسعى لضم جناح تورينو الكندي على سبيل الإعارة    موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات فلكيًا    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بالإسماعيلية    التحفظ على المطرب أحمد جمال بعدما صدم شخص بسيارته بطريق الفيوم الصحراوى    وعكة صحية مفاجئة، نقل المطرب تامر حسني للمستشفى    المنتج محمد فوزي في ذكرى ميلاد محمود عبد العزيز: لا يعوض فنا وخلقا    جميلة عوض تحتفل بعقد قرانها على المونتير أحمد حافظ | صور    عيد الأضحى 2024| ما الحكمة من مشروعية الأضحية؟    دعاء ليلة عيد الأضحى.. اللهم تقبل منا الطاعات في أيام العيد    ما حكم صلاة عيد الأضحى في البيت؟ ..«الإفتاء» توضح الحكم الشرعي    رئيس جامعة سوهاج يتسلم أرض مستشفى الحروق    طريقة عمل المبكبكة، لغداء شهي سريع التحضير    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    4 يونيو 2024.. البورصة ترتفع اليوم    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    أتلتيكو مدريد يخطط لضم مهاجم السيتي    انهيار عقار بالكامل في ميت غمر بالدقهلية    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    على رأسهم ريان وبوريكة وبن شرقي.. الزمالك يخطط لصفقات سوبر    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل شخص بسكين في قليوب    7 تحذيرات لطلاب الثانوية العامة 2024.. مكان كتابة الاسم وأقصى مدة للتأخير    رئيس بعثة الحج: غرفة عمليات القرعة تعمل لتقديم خدمة شاملة لضيوف الرحمن    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    بعثة المنتخب الأوليمبي لكوت ديفوار تصل القاهرة للقاء مصر وديًا    مهاجم الأهلي السابق: الزمالك خارج المنافسة على الدوري    مدير عام فرع التأمين الصحى بالشرقية يتفقد عيادة العاشر من رمضان    وزارة الدفاع التركية: مقتل شخصين في تحطم طائرة تدريب عسكرية    الكشف عن الكرة الجديدة للدورى الإسبانى فى الموسم المقبل    ترقية 20 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    استعدادًا لمجموعة الموت في يورو 2024| إيطاليا يستضيف تركيا وديًا    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    أكرم القصاص ل القناة الأولى: التعديل الوزارى مطروح منذ فترة فى النقاشات    9 أفلام مجانية بقصر السينما ضمن برنامج شهر يونيو    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    وزير العمل يلتقى مدير إدارة "المعايير" ورئيس الحريات النقابية بجنيف    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    جلسة بين الخطيب وكولر لتحديد مصير البوركينابي محمد كوناتيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ليلة الهُدهد».. وانتهاك قدسية الفكرة المستحيلة
نشر في نقطة ضوء يوم 20 - 08 - 2015

صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت رواية «ليلة الهُدهد» للقاص والروائي العراقي إبراهيم أحمد المقيم في السويد حاليا. تقع أحداث الرواية في 675 صفحة وقد اندرجت في خمسة أبواب وهي «باب العُزلة، باب النهوض، باب الهجرات، باب المحكمة وباب الغياب» كما اشتملت هذه الأبواب الخمسة على 127 فصلاً انطوت جميعها على أنساق سردية سلسة تُحفِّز القارئ على مواصلة القراءة من دون أن يعتوره الملل رغم مأساوية الأحداث وفجائعيتها على مدار هذا النص الروائي الطويل.
وبُغية تحليل هذه الرواية المُستفِزة لا بد من الإمساك بالثيمة الرئيسة وما يتشعب عنها من ثيمات فرعية ساهمت في تعميق الكثير من البنى السياسية والاجتماعية والفكرية، بل إن المتبحِّر في قراءة هذا الرواية لا يجد صعوبة تُذكَر في التعرّف على المناحي الفلسفية التي تقدِّم قراءة نفسية عميقة للشخصية العراقية التي تُوصف غالبًا بالتعقيد والازدواجية المرَضية في أقل تقدير.
تتمحور الثيمة الرئيسة على محاكمة شهداء الحزب الشيوعي العراقي لقادتهم ومفكِّريهم على الأخطاء الفادحة التي ارتكبوها منذ تأسيس الحزب عام 1934 حتى الوقت الراهن. لم تقتصر المحاكمة على أبرز الوقائع والأحداث التي تعرض لها أفراد الحزب الشيوعي العراقي وإنما تعدّاها إلى محاكمة جوهر «الفكرة» نفسها، وهي فكرة «مُستورَدة» كما طالت الاتهامات والتشكيكات حامل هذه الفكرة وناقلها من موسكو إلى العراق. وهل هي فكرة أصيلة ومفيدة للعراق، أم أنها فكرة جاهزة ومتحجرة لم تنجح في تقديم أي شيء للعراقيين على مدى أكثر من ثمانية عقود تقريبا؟
وتحتشد الرواية بعدد كبير من الشخصيات العراقية والعربية والأجنبية وقد توارى بعض هذه الشخصيات وراء أسماء مُستعارة يعرفها القارئ العراقي المتابع من كثب لعل أبرزها يونس رحيم الذي يُحيل إلى ثابت حبيب العاني، الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، من جهة وإلى شذرات كثيرة من أفكار كاتب النص إبراهيم أحمد وتجلياته الذهنية التي ضخّها بطريقة أو بأخرى في الفضاء المخصص لبطل الرواية وشخصيتها الرئيسية بلا منازع وهي شخصية العجوز الشيوعي يونس رحيم الذي وجد نفسه معزولاً ومُراقَبًا من قِبل أفراد حزبه وهو يقضي حياته المملة في بيت بسيط من بيوت القلعة القديمة التي بناها الآشوريون قبل خمسة آلاف سنة من هذا التاريخ، كما يُحيل أمين الجوّال إلى شخصية «حسين الرحّال» الذي نشر الفكر الماركسي في العراق بواسطة خلية حزبية كانت تجتمع سرًّا في جامع الحيدرخانة. وهناك شخصية جلال العطار التي تُحيلنا إلى «ذو النون أيوب» ودوره الكبير في مناحي الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية.
ليس من الصعب على القارئ العراقي أن يعرف مَنْ هو «كمتار بيس» أو «حمه سور» وغيرهما من شخصيات الرواية التي اختبأت وراء أسماء مستعارة سوف تتساقط أحرفها تباعًا كي تُعلنَ في خاتمة المطاف عن أسمائها الصريحة وما فعلته هذه الشخصيات بحق الحزب الشيوعي العراقي أولاً، وبحق الضحايا الشيوعيين الذين قرروا محاكمة قادتهم بدءًا من فهد «يوسف سلمان يوسف» وانتهاء بآخر الهاربين من وجه العدالة الذين لم يمثلوا أمام المحكمة التي عقدها الضحايا في مقبرة تقع عند مشارف مدينة أربيل.
تجمع الرواية بين تقنيات السرد الواقعي من جهة والفنتازي من جهة أخرى. فبعد عزل الرفيق يونس رحيم ومحاصرته لعشر سنوات طوالا يتلقى دعوة لحضور حفل افتتاح مقبرة الشهداء الشيوعيين حيث يرى السكرتير راضي سعيد، ومحمد البيرماني، والشاعر هاني الديواني وسواهم من رفاق الدرب والعقيدة. ولكي يُقنع الكاتب متلقيه بإمكانية إقامة المحكمة في مقبرة فلاغرابة أن يستعين بالخبر الذي يقول: «إن أجهزة الرصد الزلزالي قد سجّلت هزّة خفيفة في المقبرة وفتحت كوّة صغيرة إلى أعماق الأرض» (ص113) وأكثر من ذلك فإنه يستدعي عشتار إلى العالم السفلي، ويستحضر شهرزاد من «الليالي العربية» كي تكون شاهدة على هذه المحاكمة الفنتازية التي يُحاكَم فيها شهداء الحزب على ما اقترفوه من أخطاء جمّة، وما سببوه من كوارث عظيمة بحق أعضاء الحزب الذين ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل الفكرة المستحيلة، الخاطئة، والتابعة للأجنبي.
يتداخل صوت المؤلف بصوت الراوي العليم يونس رحيم، بل يتماهى به كليًا إلى الدرجة التي لا نستطيع فيها أن نميّز بين الصوتين فكلاهما يريد محاكمة القيادات السابقة التي تعاقبت على قيادة الحزب وجرّت الكثير من أبناء شعبنا إلى هذه المتاهة المُحيّرة. يذهب البعض أبعد من ذلك حينما يعتقد أن فهد «قد ورّط الناس البسطاء بفكرة لم يتوثق من صحتها» لأنها «ما تزال غامضة، بل فجة وملتبسة لا تملك سوى قوة الجهل بها».
لم يسْلم فهد، مؤسس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934، من التهم الكبيرة التي تساقطت على رأسه مثل أحجار كبيرة فقد اعتبرته المحكمة «رسولاً لستالين وليس مبدعًا لفكرة مستقلة ناضجة» وأكثر من ذلك فإن البعض وعلى رأسهم يونس رحيم يعتبر هذه الفكرة غير ملائمة للعراق والعراقيين على حدّ سواء. ورغم أن الكثير من الشيوعيين يرون في «مؤسس الحزب قدّيسًا لا يجوز المساس باسمه أو ذكراه» فإن يونس يعتقد بعدم قداسة الفكرة، خصوصًا إذا كانت مُستوردة، وعدم ألوهية القائد حتى وإن قُطّعت أطرافه المناشير الكهربائية. ويعتقد يونس أيضًا أن فهد قد وضع الشيوعيين العراقيين في سفينة مثقوبة تمخر بحرها الهائج من دون بوصلة.
لا يمكن الوقوف عند كل الانتقادات القاسية والاتهامات الجارحة التي وُجهت تحديدًا للفكرة التي جلبها فهد من موسكو لكن الخلاصة التي يريدها كاتب النص مفادها أن «الشيوعية فكرة خيالية طوباوية مستحيلة» لا يمكن تطبيقها في بيئة غريبة عليها تمامًا وهي تشبه إلى حدٍ كبير استقدام شجرة من أشجار سيبيريا وزرعها في بيئة عراقية شديدة الحرارة.
تكتظ الرواية بالكثير من الشخصيات الثقافية والسياسية والاجتماعية المعروفة التي أثقلت كاهل النص وكان بالإمكان اختصارها أو تضييق المساحة المتاحة لها في الأقل خصوصا أن تاريخ هذه الشخصيات أو سيرها الذاتية معروفة للجميع أمثال عبد المحسن السعدون، فهد، الجواهري، أحمد الصافي النجفي، الزهاوي، الرصافي وغيرهم من الأسماء الذائعة الصيت التي ترسخت في الذاكرة الجمعية للقراء العراقيين والعرب على حد سواء.
إن الحكايات أو السير الذاتية التي تخللت النص قد أمدّته بعنصر التنوع وأثرتهُ بالكثير من الأفكار الجريئة خصوصًا مساجلات الجواهري مع أعدائه وخصومه والمناوشات المعروفة بين الرصافي والزهاوي وغيرها من القصص التي تخللت متن النص وكشفت عن عوالم مستورة كانت في طي الأسرار مثل قصة «حميد» الذي اغتصب «سنانًا» وقصة «كمتار بيس» الذي اغتصب الحزب كله ومع ذلك فقد ظل حُرًا، طليقًا حتى يومنا هذا.
يسلط إبراهيم أحمد الضوء على قضايا كثيرة مثل الدور السلبي للإقطاعيين ورجال الدين في صنع الخرافات وتأبيدها بغية السيطرة على عقول الناس البسطاء والتفكير بالنيابة عنهم، ومصادرة أتعابهم وجهودهم المبذولة على مدار السنة.
ربما يكون السؤال الجوهري في هذه الرواية هو: ما السبب وراء خراب العراق ودماره؟ أهي الأحزاب العراقية التي ظلت تتخبط خبط عشواء منذ تأسيس الدولة العراقية حتى الوقت الحاضر، أم هي الاحتلالات المتلاحقة للعراق لعل آخرها الاحتلال الأميركي - الإيراني بقناعهِ المزدوج القبيح؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.