محمد الموجي .. موهبة فريدة في تاريخ الغناء العربي تحولت مؤلفاته الموسيقية إلى نماذج تدرس في معاهد الموسيقى المختلفة، فساهم في تقديم العديد من المطربين عندما سلك مجال التلحين، فأصبح ملحنًا متميزًا بتعدد ألوان أعماله ما بين العاطفي والوطني والرومانسي والديني، وكانت أغنية "فنجان شاي مع سيجارتين ما بين العصر والمغرب" إحدى الأغنيات النادرة التي غناها ولحنها الموجي بمسحة شرقية شديدة العذوبة والشجن التي سيطرت على أغانيه وخلدت في وجدان الملايين، فكان مثال الجرأة والإقدام والتميز في عالم الغناء ليرحل تاركًا تراثًا غنائيًّا في المكتبة الموسيقية العربية نذكرها في ذكرى رحيله الخامسة عشرة. ولد الموسيقار الموجي عام 1932 في مدينة كفر الشيخ، وكان يهوى الغناء ؛ فبدأ حياته الفنية مطربًا قبل أن يتجه إلى التلحين الذي برع فيه وبرزت من خلاله موهبته الحقيقية، أما ميلاده كملحن فكان مع عبد الحليم حافظ الذي غنى له "صافيني مرة"، والتي كانت سببًا في بزوغ نجم العندليب الأسمر، وقد ارتبط الموجي والعندليب برحلة غناء حافلة بالنجاح ، غنى له عبد الحليم حافظ 88 أغنية،أشهرها " قارئة الفنجان". نشيد الجهاد كان يحلم بأن تغني كوكب الشرق من ألحانه ولم يصدق نفسه عندما اتصلت به ودعته إلى زيارتها في بيتها، وهناك التقى الشاعر أحمد رامي والموسيقار محمد القصبجي، وانتهى اللقاء بأن عهدت إليه أم كلثوم بتلحين نشيد الجهاد الذي غنته في نادي الجلاء للقوات المسلحة بالقاهرة، وحينها قدمته أم كلثوم للجمهور واستمرت مسيرة الأغنيات بين الموجي وكوكب الشرق التي غنت من ألحانه "محلاك يا مصري" و"أنت الدفة" "وبالسلام إحنا بدينا" "ويا سلام على الأمة" "وصوت بلدنا" وهي كلها أغانٍ وطنية حماسية، أما أغنية "للصبر حدود" مع الموجي قصة، حيث تسببت هذه الأغنية في دخوله المحكمة؛ لأنه اتفق مع أم كلثوم أن ينتهي من اللحن خلال شهر ومضت الفترة ولم ينتهِ من تلحينها، فأقامت ضده دعوى في المحكمة وترافع الموجي عن نفسه قائلًا: أنا لا أعمل كآلة تضع فيها شيئًا فتخرج لحنًا على التو واللحظة، فإنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت كافٍ حتى يخرج اللحن إلى النور.. وبالفعل تم حفظ القضية حينها وقام بتلحينها والصلح مع كوكب الشرق ونجحت الأغنية نجاحًا منقطع النظير، ولحن بعدها أغنية "أسأل روحك" وأهدته بعد نجاحها خاتمًا من البلاتين الأبيض. أما أغنية "صافيني مرة" فرفضها كثير من المطربين والمطربات الذين عرضها الموجي عليهم من بينهم: عبد الغني السيد، وعبد المطلب، وشهرزاد.. وغيرهم الذين أجمعوا على أن اللحن والكلمات ليست من اللون الذي يقدمونه، وفي نهاية المطاف قدمها الموجي إلى العندليب الذي كان في بداية مشواره وبالفعل نجحت الأغنية نجاحًا باهرًا، وأبدى الاثنان الاستعداد لفيلم "لحن الوفاء" مع الفيلم كانت أغنية "حتى الليلة" والتي رفضتها شادية لأنها لا تناسبها، لكن لحنها تناسب مع عبد الحليم واضطروا إلى تغيير جزء من السيناريو؛ بسبب الأغنية التي غناها العندليب، وبعدها غنى من ألحان الموجي "نار يا حبيبي نار"، وكان الموجي وعبد الحليم كثيرًا ما يختلفان مما أغضب الموجي ، ولم يكن العندليب ليقبل أن يخسر موهبة مثل الموجي فلجأ إلى أم أمين زوجته ووسطها في الصلح بينهما إلى أن دار بينهما خلاف وانتهى بالصلح أيضا، لكن هناك من يتربص لعبد الحليم والموجي وأرادوا أن تكون هناك فجوة بينهما، وأشاعوا أن أم أمين تقوم بأعمال السحر لعبد الحليم حتى يظل مريضًا طوال عمره، لكن العندليب خرج من صمته ليكذب كل هذه الأخبار، وكلما وقع خصام بين عبد الحليم حافظ والموجي فإن الموجي يتجه للتلحين لمطرب جديد وقتها مثل: محرم فؤاد، وماهر العطار، وعبد اللطيف التالباني، وهاني شاكر، وكمال حسني إلى أن عادا معًا مرة أخرى، وكان الموجي قد بدأ ألحانه مع عبد الحليم بالأغنيات العاطفية ثم كانت الأغنية العاطفية الشهيرة "قارئة الفنجان، "وجبار"، و"مغرور" و"لو كنت يوم أنساك"، و"كامل الأوصاف"، و"أحضان الحبابيب". كما لحن الموجي لفايزة أحمد "أنا قلبي لك ميال" و"ياما القمر على الباب"، و"بيت العز"، و"تعالالي يابا"، و"ليه يا قلبي ليه" " وتمر حنة"، ومن الأغاني التي لحنها لآخرين "مستحيل" و"أكدب عليك" لوردة، و"عيون القلب" لنجاة الصغيرة، و"ضايع في المحبة"، و"لي طلب" لطلال المداح. وحمل الموجي لقب مطرب الريف قبل أن يقبل كملحن في إذاعة القاهرة، وكانت لديه رغبة في أن يلحن للسيدة فيروز؛ لأن صوتها من الأصوات النادرة في عالمنا العربي، وقال عنه نزار قباني: إن الموجي استطاع أن يحدث شرخًا في قشرة الغناء السميكة عندما لحن لعبد الحليم "رسالة من تحت الماء" و"قارئة الفنجان". وبالرغم من أنه لم يتعلم الموسيقى في أي معهد فقد تحولت مؤلفاته إلى مواد تدرس في المعاهد على أنها نموذج مختلف من التأليف المتميز، خاصة عند مقارنته بموسيقار جيله كمال الطويل الذي كان ابن الذوات من سكان الزمالك. وحظي الموجي بالعديد من مظاهر التقدير ومنها حصوله على الميدالية البرونزية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1965، وعلى وسام الاستحقاق من الرئيس أنور السادات عام 1976، وفي عام 1985 حصل على شهادات تقدير من الرئيس مبارك، وحصل على أوسمة ونياشين من أغلب ملوك ورؤساء الدول العربية، ورحل الملحن الكبير محمد الموجي عن عالمنا في أول يونيو من العام 1995 .