أثبتت دراسة أمريكية أن الممثل ما هو إلا مجموعة الشخصيات التي يؤديها على الشاشة، حيث تترك كل شخصية بصمة على الفنان لا يمكنه التخلص منها.. صراع نفسي مرير يعيشه نجوم الفن، كلما أدى أحدهم دورًا دراميًّا مؤثرًا يجد نفسه أسيرًا لهذا الدور، بل إن البعض قد يصل إلى أن تغلب شهرة الشخصية الدرامية على شهرته، ويجد نفسه بين شقي الرحى، بين القيام بأداء دور سطحي لا يترك أثرًا على شهرته كفنان، وبين القيام بأداء دور حيوي مؤثر يرتبط به المشاهدون، الغريب أن بعض الفنانين يتقمصون شخصياتهم الفنية للحد الذي يتناسون معه صفاتهم الشخصية، وهو ما تسبب في إصابة البعض منهم بالاكتئاب، وآخرون لجئوا للأطباء النفسيين؛ هربًا من سطوة الشخصية الدرامية عليهم، في هذا التحقيق نقترب من الفنانين، نستمع لمعاناتهم، وللطرائف التي تواجههم بسبب سطوة أدوارهم وتفوقها على شخصياتهم الحقيقية. تتحدث الفنانة "إلهام شاهين" عن أدوارها، ومدى تأثير الشخصيات التي تتقمصها على حياتها الشخصية كفنانة، فتقول: كثير من الشخصيات التي قمت بأدائها على الشاشة أثرت بشكل كبير في حياتي، لدرجة أنها أصبحت تطاردني في أحلامي وتصيبني أيضًا بالأحلام المزعجة، وبالطبع لم أتردد في اللجوء لطبيب نفسي بفرنسا وكان رده عليّ: لا يوجد فنان جهازه العصبي سليم تمامًا؛ وذلك لأن الفنان يتقمص الأدوار والشخصيات بعمق بما فيها من مشاعر، وهو ما يؤثر سلبًا على الفنان ذاته. وتضيف إلهام: بعد أن استمعت لكلام الطبيب النفسي أعطاني عقارًا منومًا، رفضت استخدامه؛ حتى لا أتعود عليه، وأحاول التغلب على هذه المشكلة بتنويع أدواري، حتى لا أسقط أسيرة سطوة الشخصية والدور الأوحد. سليم البدري الفنان المحبوب يحيى الفخراني من أكثر الفنانين الذين غلبت شهرة أدوارهم على شهرتهم كإنسان، ولعدة سنوات عاش أسيرًا لشخصية "سليم البدري" التي أحبها الناس، من خلال المسلسل الرمضاني الشهير "ليالي الحلمية"، وعن شعوره بمنافسة تلك الشخصية له كإنسان يقول: "إذا لم أتقمص الشخصية التي أقدمها بمنتهى الصدق فلن أكون مقنعًا للجمهور، وبالتالي لن أنجح، ولكن هذا النجاح في معايشة الدور لابد أن يكون له ثمن، فأنا مثلًا عشت سبع سنوات في دور الباشا سليم البدري في مسلسل "ليالي الحلمية"، وتأثرت كثيرًا بهذه الفترة الزمنية الطويلة، وبقدر الإمكان حاولت التخلص من تأثير النجاح الرهيب لتلك الشخصية عليّ واستعادة نفسي كفنان وإنسان، من خلال اللجوء إلى أعمال جديدة وشخصيات وأدوار مختلفة، وهو ما حدث فعلًا مع شخصياتي في مسلسلات "لا"، "الخروج من المأزق"، "زيزينيا"، "لما التعلب فات"، "نصف ربيع الآخر"، "الليل وآخره"، "عباس الأبيض"، و"المرسي والبحار".. وغيرها. ويختتم الفخراني كلامه قائلًا: تركت الشخصيات التي تقمصتها أثرًا بداخلي، ربما لا أستطيع تحديده ولكنني أستطيع تأكيد أنه اندمج مع شخصيتي الحقيقة ليصبح التأثير متبادلًا بينهم. وتعترف الفنانة "صفية العمري"، بأن سبع سنوات تقمصت خلالها دور "نازك السلحدار" قد أصابتها بالإحباط، فمن الطبيعي أن يكون الفراق بيني وبين شخصية "نازك" جزءًا من "صفية"، وإتقاني لتقمص الشخصية جعل الجمهور يعتقد أن هذه هي شخصيتي الحقيقية، والبعض عندما يقابلونني ينادونني باسم "نازك هانم"، وكأن "صفية العمري" لم يعد لها وجود، فالشخصية أصبحت أشهر من صاحبها. وتتذكر الفنانة صفية العمري موقفًا مؤلمًا حدث لها بسبب "نازك السلحدار" فتقول: في المرحلة الأخيرة من شخصية "نازك" والتي كانت فيها تمر بمرحلة التقدم في العمر، أصابني الاكتئاب الشديد بسبب الماكياج الذي حول نازك الجميلة إلى المرأة العجوز، لهذا كان بمجرد انتهاء تصوير المشهد أُسرِع بالخروج من البلاتوه كي أغسل وجهي لأستعيد ملامحي الحقيقية، قبل أن أصبح "نازك" العجوز فعلًا. فريصة للتقمص ويقول نور الشريف عن سيطرة الشخصية التي يتقمصها الفنان: عن نفسي وقعت فريسة لعصبية بعض الشخصيات التي تقمصتها، كدوري في فيلم "سواق الأتوبيس"، و"دائرة الانتقام"، و"كتيبة إعدام"، إلا أن هناك شخصيات أخرى أعادت إليّ الهدوء الذي افتقدته كدوري في مسلسل "عمر بن عبد العزيز"، و"عبد الغفور البرعي" في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، وشخصية "الحاج متولي"، و"العطار والسبع بنات"، وكذلك شخصية "عمرو بن العاص". ويضيف "الشريف": أكثر من يشعر بتأثري الكبير بتلك الشخصيات هم زوجتي وابنتي، فأحيانًا أكون مستغرقًا في شخصية جديدة، أجهز نفسي لتقمصها وعندما تناديني ابنتي باسمي لا أنتبه لندائها وكأنني شخص آخر، وبمجرد أن تناديني باسم الشخصية التي أستعد لتقمصها فإنني أنتبه على الفور، فالفنان يعيش مأزقًا حقيقيًّا؛ لأنه لا يستطيع التخلص بسرعة من تأثير الشخصية التي يتقمصها، وقد يحدث له اضطراب نفسي نتيجة صراعه مع تأثير تلك الشخصيات عليه، والحل الوحيد هو الهروب إلى شخصية جديدة يتقمصها الفنان. أما الفنانة ليلى علوي والتي تعد من الفنانات الحريصات على اختيار أدوارهن بعناية، وتعيش الشخصية التي تؤيدها كما لو كانت حقيقة، فتتحدث عن تأثرها بالشخصيات التي تقمصتها قائلة: أهم شيء عندي هو التركيز في الشخصية التي أؤديها، لذلك فأنا أعيش تفاصيلها بكل دقة، بل وانفصل عن ذاتي كإنسانة وعن كل من حولي، حتى أنتهي من تصوير الشخصية. وتضيف ليلى: تترك الشخصيات التي أتقمصها بداخلي ترسيبات لا أستطيع تحديدها بالضبط، قد تكون ذكرى وربما شجنًا، المهم أنها تؤثر فيّ، وخاصة الشخصيات التي أحببتها وعشت أحاسيسها فمثلًا في مسلسل "التوءم" جسدت شخصيتين مختلفتين تمامًا، شخصية "تهاني" الوصولية التي كرهتها، وشخصية "عزيزة" الطيبة ولقد أحببتها وتعاطفت معها، لذا فقد تأثرت بها كثيرًا على الرغم من أنني قدمت الشخصيتين معًا في مسلسل واحد. سجن أحمد زكي ومن أكثر الفنانين الذين عانوا بسبب شخصياتهم الفنية والتي تصل إلى درجة التوحد مع شخصيته الحقيقية الفنان الراحل أحمد زكي، ومن الأدوار التي ساهمت في إكسابه شعبية وقبولًا كبيرين لدى الجماهير شخصية عميد الأدب العربي "طه حسين" في مسلسل "الأيام"، وشخصية رجل السلطة المهم في فيلم "زوجة رجل مهم". وشخصية المحامي في فيلم "ضد الحكومة"، ومن الشخصيات التي تأثر بها كثيرًا شخصية الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر" والذي عايشها لمدة عامين، وكذلك شخصية الرئيس السادات. في العيادة النفسية عن رأي الطب النفسي في ظاهرة طغيان الشخصية التي يتقمصها الفنان على حياته كإنسان، يقول د. محمود عبد الرحمن، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر: من الممكن أن يتعرض الفنان لاضطرابات نفسية مختلفة، منها انشقاق الشخصية، أو الاكتئاب، أو الهوس، وهو ما يرجع إلى الفنان نفسه، فهناك ممثل محترف لا يسمح للشخصية التي يؤديها أن تؤثر على حياته الخاصة، وهناك فنانون ضعفاء تتغلغل الشخصيات الدرامية بداخلهم لتؤثر عليهم بشدة. ويحذر د. يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي النجوم الشبان بأنهم أكثر من يتهددهم خطر سيطرة الشخصية، فيقول: الفنانون الشباب الذين لا يزالون في مراحل تكوين شخصياتهم هم أكثر قابلية للتأثر بالأدوار التي يتقمصونها، بخلاف الممثل صاحب الخبرة الطويلة والشخصية القوية، الذي يكون تأثره بالشخصيات التي يؤديها محدودًا، ولا يزال الفنانون في صراع شرس بين شخصياتهم الحقيقية والشخصيات التي يعايشونها في أعمالهم الفنية.