الحرب الأخيرة على قطاع غزة كانت سبباً في أن يكون المكان سحريا بإنسانيته للعديد من الشخصيات العالمية بعد تلك المعاناة التي شهدها أهله، ومنهم الكاتبة الأمريكية من أصل افريقي أليس ووكر صاحبة كتاب The Color Purple اللون البنفسجي أو اللون الأرجواني ، والتي حولها المخرج ستيفن سبيلبيرغ إلى فيلم يحمل العنوان ذاته، ترشح لإحدى عشرة جائزة أوسكار في العام 1985. وقد حصلت الرواية التي تتحدث عن مشاكل اجتماعية معقدة تواجهها شابة أمريكية من أصل افريقي في ثلاثينيات القرن الماضي على جائزة البوليتزر. الكاتبة تحدثت بهدوء وبساطة عن حياتها وانطباعها عن حرب غزة، في لقاء معها على هامش تواجدها في القطاع، موضحة أنها بالفعل عشقت المكان في زيارتها التي استمرت ثلاثة أيام، وتمنت لو تساعد كل مواطن في غزة، ولو بالكلمات والتواضع. حنان الكاتبة يبرز من طيبة ملامحها ونظرتها لأطفال عانوا من ويلات الحرب، وفي الوقت ذاته هناك قوة تلاحظها من كلماتها، ورغبتها الملحة في أن تكون جزءاً من فريق مكون من 60 صحافياً وناشطاً أجنبياً خلال تنقلهم بين العديد من مناطق قطاع غزة المدمرة. قطاع غزة، بالفعل يثير جدلاً عالمياً، وهو صانع للحدث، واشتهرت مدينة غزة في أمريكا بأنها مدينة تنتج المتطرفين، فكيف جاء قرار زيارتك بهذه البساطة؟ هناك العديد من الأسباب للمجيء إلى غزة الآن، فقد كنت في المكسيك حيث توفيت شقيقتي، وكنت في المراسم حزينة وانهرت حين توفيت، وكنت أتوقع موتها، فقد بقيت مريضة لمدة طويلة، وفي الوقت ذاته رأيت أخبار أحداث غزة حين كنت أقلب على جهازي الحاسوب المحمول، وكان الناس في غزة يخسرون بعضهم البعض ويفقدون الأزواج والإخوة والأخوات، وفكرت أنه من الصعب فعلاً أن تعيش في هذا الوضع، واستفدت من ذلك في حياتي الخاصة، لا سيما حين أشعر بالمأساة والحزن، وحاولت أن أوقف ذلك وأعوض ذلك بأن أثري مجتمعنا من خلال الكفاح السياسي. كانت هناك مساعدة من أناس معنا من جورجيا ومن المسيسبي وألاباما، أناس من كل هذه الأماكن التي كانت فيها الفاشية والعنصرية، وهؤلاء الناس بالفعل يساعدون، سواء أكانوا يمشون أو يتحدثون معنا فقط، وأحب أن أذهب إلى أماكن يعاني فيها أهلها، ويشعرون أن عندهم أصدقاء، وشعرت أن الناس هنا بحاجة لأصدقاء، والفلسطينيين في حاجة للأصدقاء وغالباً ما يتم فهمهم بشكل خاطئ، وهم في حاجة لأجانب يأتون ويتفهمون أوضاعهم، ثم يروون قصصهم. صور الكفاح متشابهة وحاجاته كذلك، فحين كنا نناضل من أجل حقوق السود في أمريكا كرِهَنا البيض، ولم يهتموا بما حدث لنا، ولكن أذكر أن هناك رجلا أبيض صرخ وهتف متضامناً معاً، ولا تزال تلك اللحظة عندي في الذاكرة رائعة بإنسانيتها، فهو لم يكن مهدداً كما كانت حيواتنا، ورغم ذلك كافح من أجلنا. كنت في مدينة بورما في منيمار، ورأيت اضطهاد الرهبان البوذيين، فهل هناك تشابه بين بورما وغزة؟ هناك في مدينة بورما زعيمة المعارضة اونغ سان سو تشي التي تُعتبر رمزاً للديمقراطية وتحتجز في الإقامة الجبرية منذ نحو عشرين عاما، ورغم ذلك لم تفقد أملها في الحرية. توجد هناك ثقافة جميلة والناس رائعون ولا تستطيع تخيل كيف عانى الناس وقتل وضرب آلاف الرهبان في أقل من يومين، وهذه الثقافة البوذية بالفعل مؤثرة في قلوبهم ويقاومون في سبيل الديمقراطية وهم يؤمنون بوجود ضوء وعندهم قلوب عميقة، وأدعو الجميع إلى زيارة بورما كي يروا الثقافة القديمة هناك. ولا أملك توقعات وأنا بالفعل أعيش اللحظة وقد رأيت الانفجارات والقنابل كثيراً في حياتي، وليس عندي صورة ذهنية معينة للحكم على جميع الأماكن، ولكني حين رأيت الدمار في قطاع غزة فهو بالفعل غير معقول، وهذا العنف غير مقبول، ولا أؤمن بالعنف ولا أفهم أبداً لماذا تقيم الناس الحروب. هل تؤمنين بأن دور الفن قادر على التغيير في شيء، ويساعد في أن يكون العالم أفضل؟ من دون الشِعر لا تغيير ومن دون موسيقى لا تغيير، ومن دون كتابة على ماذا نستطيع أن نحصل. النخبة من الفنانين والكتاب والموسيقيين هم الذين يبقون على تحرك العالم تجاه الأشياء، ففي البداية تتكون الفكرة ثم ترسلها للمتلقي وبذلك تصبح ثورة، والثورة تبدأ من فكرة بسيطة وحقيقية. وأنا جئت من ثقافة مليئة بالشعر وبالأغاني، فقد غنينا أنفسنا وأشعرنا أنفسنا كذلك، وعن طريق هذا التراث وصلنا لهذا المستوى وتم اختيار الرئيس أوباما، فلم يتم اختياره صدفة بل بسبب كل تلك الدراما والموسيقى، والتي جاءت من هذه الثقافة، وكل هذا حضّر العالم لتقبل أوباما ورؤيته كرئيس، وإذا العالم لم يكن مستعدا لرؤيته فلم نكن لنراه رئيساً. هل يمكن لأوباما أن يأتي بأي تغيير؟ وجوده بحد ذاته جزء من التغيير حتى لو لم يكن في سياسته تغيير. لماذا تكتبين؟ أنا أكتب لأني أحب ذلك وأكتب مجاناً، وأضع كل شيء على موقعي الشخصي وليس عندي مكان حتى لتعليقات القراء، فأنا لست مهتمة بها، أنا فقط أكتب ببساطة وقوع الفاكهة من الشجر، وبسهولة تفتح الوردة، وفي كل الأحوال أنا أمتلك تاريخا مختلفا، وأستخدم ما أكتبه للناس الأحرار لأني حرة على قدر ما آخذ من هذه الحياة، وأنا أريد أن أرى الناس يعيشون في حرية، ويحزنني أن أراهم ليسوا كذلك، ومحزن أن أرى أحياناً أنهم هم من يمنعون أنفسهم عن هذه الحرية. في كثير من اللقاءات قلت إنك لست سعيدة بالفيلم الذي أخرجه سبيلبيرغ العام 1985 ومثلت فيه أوبرا وينفري وووبي غولدبرغ، فكيف ترينه الآن؟ مَنْ صنع الفيلم أناس جيدون، وهناك كثير من الاحداث والقصص في الكتاب وأخذوا في الفيلم بعض القصص ولم يفهموا لب وفلسفة الكتاب، والمسرحية الموسيقية التي تم إبداعها من الكتاب أعتبرها أفضل، وقد فهمت الكتاب أكثر من الفيلم ولا تزال في تجوال بين العديد من المدن منذ ثلاث سنين في عروض مختلفة، وفي حالة الفيلم أو المسرحية، إذا أردت أن تفهم ما أعتقده فعلاً عليك أن تقرأ الكتاب. هناك بعض المصطلحات التي اشتهرت في الحركة النسوية في السنوات الأخيرة، وأنت استخدمت بعضها في لقاءات أجراها معك صحافيون مثل black feminism؟ لا أحب وضع كلمة الأسود black قبل أي شيء وأعتقد أن الأشياء تعني نفسها، ومستقلة عن اللون ومن دون إضافات، وفي كل ثقافة في العالم هناك كلمات مختلفة عن النسوية تنتمي للظروف المحلية، وأفضل مصطلح womenism ومنزم لاستخدامه مع المرأة الملونة مثل الافريقية واللاتينية، فنحن لسنا بيضاً وعندنا واقع مختلف، وفي كل الأحوال لا نوافق أن نظلم من الرجال سواء كنا نساء سوداوات أو بيضاوات، فالنساء لم يخلقن للرجال، كما أن السود لم يخلقوا للبيض، ونحن لنا كلماتنا لوصف ذلك، وفي كل ثقافة هناك كلمات مناسبة والمرأة يجب أن تجد هذه الكلمة. في الكتاب شابة افريقية تواجه الكثير من المعاناة، وتتحدث لله وتتوقع شيئا وأنت لا تؤمنين، فما هو إحساسك من وراء استخدام الله في الكتاب؟ الكتاب عن تحرير نفسك من ايديولوجية الإله، هو يتحدث عن الله لكنه ليس كتابا متدينا، وفي الكتاب الله هو والد عيسى النبي، وهو رجل كبير أبيض، وهو لا يستمع للناس السود. يجب أن تكون حرا من الله، ومهما كان والداك، بوذيين أو إسلاميين أو يهودا، فإذا كان هذا مناسبا لك فحسناً، ولكن إذا تطلعت بعمق فهذا غير مناسب لك، وهو يخطفك من أن تكون أنت بالفعل على حقيقتك. وأنا على طبيعتي والحياة الطبيعية، وأفهم هذه الأديان التي كانت جزءا من الكتاب، وعملت أن يكون موجها لمجتمعي وأن يحرروا أنفسهم من ايديولوجية الله التي بالفعل هي غير صحيحة. ويكفي أن الافارقة الأمريكيين يحبون الأرض والأشياء الطبيعية التي تخرج من الأرض، ويعرفون بالعلاقة بينهم وبين تلك الأشياء التي تنمو بشكل طبيعي، وهذه العلاقات الخاصة ليست بحاجة لمباركة من أي أحد. في الماضي كتبت الكثير من الشعر، ماذا عنه الآن في حياتك؟ وهل كتبت عن غزة؟ أووووه.. أنا تعلمت الكثير، وكلما رجعت الى الخلف اندهشت من ذلك وكتبت كثيرا من الشعر، وتستطيعون أن تجدوا كل قصائدي على موقعي الإلكتروني. ولا أكتب بتلك الطريقة التي حين يحدث شيء تأتي كتابتي رد فعل عليها، هناك من يكتب في الوقت ذاته ولكن بالنسبة لي أريد كل التجربة وطريقة نقية لكل فكرة، لتكون كاملة ويكون كل إحساس مجربا، ولكل إحساس شكله، وأنا لست من النوع الذي يسافر بالكاميرا، فقط آخذ ملاحظات وأنظر من النافذة كثيراً وأكره الحديث، وأعيش في داخلي أكثر. في موقعك الإلكتروني الخاص هناك عبارة تقول: حين أنظر إلى حديقة أمي أجد حديقتي الخاصة .. أمي عندها حديقة، وتستطيع أن تجعل أي شيء ينمو، وفهمت من أمي أنها كانت تريد أن تكون بستانية لأن الزراعة فن، ومزرعتها ومجتمعها متشابهان ورائعان، وأرغب أن أكون مثلها فهي سعيدة، وحرة. حديقتي هي العالم، وأنا أصرخ حين أكتب في تلك الحديقة، في تلك الحديقة كنت طفلة تعيش في مجتمع صعب فاتجهت لأفكار الكفاح والحب. والناس يجب أن تتعلم أن تحب نفسها أكثر، وتكره الأنانية، والحرب غريبة لأنك حين تحب نفسك لا تقتل أحداً.