هذا الموقف الداعي للتفاوض مع العدو الاسرائيلي وضع محفوظ فترة طويلة في وضع حرج ووجه اليه نقدا حادا من عدد كبير من المثقفين المصريين والعرب. اهتم عدد من النقاد الاسرائيليين بدراسة أدب نجيب محفوظ، وقد تحدث هو عن ذلك مبينا ان اهتمامهم به قد سبق نوبل بسنوات طويلة فعلي سبيل المثال نجده يحكي لرجاء النقاش - في حواراته معه ص333 عن الباحث الاسرائيلي بيليد الذي ارسل خطابا - من الولاياتالمتحدةالامريكية عام 1971 - يخبره فيه بأنه بصدد اعداد رسالة دكتوراه عنه طالبا منه ارسال بعض المعلومات عن نشأته والعوامل التي اثرت في ثقافته وتكوينه الانساني والابداعي، ثم يكشف محفوظ عن هوية هذا الباحث مؤكدا انه يعمل استاذا - الآن - في الجامعة العبرية في تل ابيب، وعن شعوره تجاه هذه الرسالة يقول محفوظ: عندما قرأت هذه الرسالة شعرت بضيق في البداية، ثم قلت لنفسي انني لن اعيق شخصا يريد ان يعد رسالة جامعية عني، حتي اسأل عن ديانته أولا، واستعدت هدوئي من جديد. بعد ذلك اتصل بي الضابط المختص بشئون الصحافة في وزارة الداخلية واظن ان اسمه اللواء سيد زكي، طالبا موعدا لمقابلتي في الاهرام، وظننت ان وزارة الداخلية- علمت بحكاية الاسرائيلي "بيليد" وكان ذلك تقريبا في العام الذي خرجت فيه علي المعاش، أي سنة 1971، وقررت الاهرام ضمي الي مجموعة كتابها المتفرغين. سألني اللواء سيد زكي بالفعل عن حكاية "بيليد" ففتحت درج مكتبي واخرجت خطابه الذي ارسله لي، وقلت انني ارسلت ردا يتضمن المعلومات المطلوبة عني، ولم اكن اعرف انه اسرائيلي، الا بعد ان بعثوا لي بنسخة من الدكتوراة. واقتنع سيد زكي بروايتي وقال: ان الحكاية واضحة واعتبر المسألة منتهية واضاف: ان طلبوك في المخابرات وسألوك عن هذا الموضوع قدم لهم هذا الخطاب الذي تحتفظ به والذي ارسله اليك الباحث في أول الامر. ويضيف محفوظ: ولم تطلبني المخابرات وانتهي الموضوع عند هذا الحد وعندما قرأت رسالة الدكتوراة بامعان وجدت ان بيليد هذا توصل من خلال قراءاته لاعمالي وتحليله لشخصياتها واحداثها الي نتيجة جديدة وهي انني اميل الي الاتجاه الاسلامي وليس الماركسي، كما قال النقاد العرب. وذلك من وجهة نظره يرجع الي ان نهايات رواياتي تتوافق الي حد كبير مع المبدأ القرآني: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". وبالاضافة الي هذه الرسالة فقد وجدت رسالة اخري نشرتها مؤخرا جريدة الفجر في عددها الصادر في 4 سبتمبر 2006 في ملف خاص عن محفوظ فقد ارسلها "محفوظ" الي الباحث الاسرائيلي سامسون سومينج الذي اعد - أيضا - دراسة اكاديمية عن رواياته. وهذا نصها: "الاستاذ سامسون سومينج": اليك صادق تحياتي وشكري فقد اطلعت علي رسالتك بسرور صادق اعرابا عما اكنه لك من شكر لعنايتك الكريمة بدراسة ادبي وقد صرحت في اكثر من مجال بأن كتابك عني يعتبر عملا نقديا عميقا وعاملا وشاملا وانه يعتبر من افضل ما كتب عني ان لم يكن افضلها جميعا وطبيعي انني لمست فيه حبك للأدب العربي ولاجتهاداتي فيه لا تحرياتك عن عقلية عدو بل ان دراستك كانت غنية في المقام الاول وانسانية بالمعني الشامل والدقيقة واني اوافقك علي الاسباب التي منعتك من الاتصال بالمؤلف فيما عدا التحري عن بعض المعلومات الموضوعية اذا تعذر الحصول عليها غير مجد في نظري بل لعله مضلل فنحن لا نكتب للتعبير عن اهداف جاهزة يمكن ابلاغها للغير بقدر ما نكتب لاكتشاف هذه الاهداف وبالتالي لاكتشاف انفسنا والآخرين وذلك هو الغالب في ثلاثة ارباع العمر، شكرا لك علي تقديرك لدوري في ادبنا وارجو الا تكون مغاليا فيه كثيرا. ارجو ان اشكرك بنفسي في يوم قريب ان شاء الله ولندع الله معا ان تكلل المساعي المبذولة اليوم بالنجاح وان يعود شعبنا الي المعاشرة المثمرة كما كان الحال في ماضيهما الطويل فمما لاشك فيه ان تعاونا مثمرا قام بين شعبينا علي مدي الاعوام الطويلة في العصور القديمة والوسطي والحديثة وان ايام الخصام كانت قصيرة وقليلة غير اننا وللاسف عنينا بتسجيل لحظات الخصام اكثر من مائة مرة من تسجيل اجيال الصداقة والتعاون واني احلم بيوم يحيل بفضل التعاون المشترك هذه المنطقة الي مقام مضي بمشاغل العلم مبارك بمباديء السماء السماوية والي اللقاء يا سيدي الاستاذ العزيز. وانت وأوطاننا علي خير حال "القاهرة 12/10/1978" هذه الرسالة وغيرها تعبر عن موقف سياسي اتخذه محفوظ منذ سنوات طويلة، قال عنه: اعرف ان مصلحتنا تقتضي السلام، وادرك ان حرب الاستنزاف كلام فارغ، لان المواجهة العسكرية الطويلة لن تجدي، ويمكن ان تستمر لاجيال طويلة، وتستنزف طاقاتنا وامكانياتنا وتؤخرنا حضاريا لقرن من الزمان علي الاقل. اذن لماذا لا نجرب السلام؟ فمن الجائز ان يثبت اليهود انهم جيران صالحون، اما اذا ثبت اليهود العكس، واصبحت الحرب حتمية، ندخلها ونحن مستعدون لها اتم الاستعداد. هذا الموقف الداعي للتفاوض مع العدو الاسرائيلي وضع محفوظ فترة طويلة في وضع حرج ووجه اليه نقدا حادا من عدد كبير من المثقفين المصريين والعرب. واعتقد انه من المواقف السلبية التي اخذت عليه رغم تبريره له انه ينادي بالسلام من اجل البسطاء الذين طحنتهم الحروب.