هل يا تري مازال هذا الطفل وأسرته يكررون هذه المقولة، يا تري كيف ينظر هذا الطفل كل صباح وهو يمارس مهنته إلي أقرانه في مثل عمره وهم يرتادون المدرسة التي كان يقف فيها يوما أبوه منتصب القامة؟ في ليلة وقفة عيد الأضحي كل عام وانتم طيبون.. أذاع التليفزيون المصري فقرة في برنامج مصر النهاردة.. تعرضت الفقرة بالصوت والصورة لعمالة الأطفال الصغار في شوارع المدن الجديدة بالقاهرة الكبري.. في 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة.. مما جعلها فقرة علنية وليست سرية نظرا لان كبار القوم يسكنون هذه المناطق.. مما جعل الظاهرة تقع تحت أعينهم وتلفت النظر إليها ومن ثم تذاع مصورة أكثر من مرة. ورغم نبرة الحزن الشديد والغضب علي ملامح مذيع الفقرة الزميل تامر امين من هذا المشهد "اللا إنساني"، كما وصفه.. إلا أنني وددت أن يطيل زمن هذه الفقرة تحديدا خاصة مع الطفل الذي لا يتجاوز عمره 15 عاما الذي وقف يتحدث عن أحواله وأحوال أسرته وابيه المدرس "المريض"، وعن معاناته في مهنته ومرضه ولهذا السبب لم يجد هذا الطفل مفرا إلا أن يعمل بإحدي شركات النظافة الخاصة ليساعد في إعالة أسرته!! نعم أبوه مدرس وتحديدا مدرس بالتعليم الفني.. أي أن هذا الطفل ليس مشردا أو ابن سفاح أو غيره من الأسباب.. ولكن أباه يعمل في مهنة من أشرف المهن الإنسانية معلم، أي كاد المعلم أن يكون رسولا.. وهذا الرسول في أيامنا هذه لا يجد قوت يومه وقوت أسرته ليعيلها. فما بالك وقد انهكه المرض بفيروس c والذي ينهك أجساد ملايين المصريين.. هذا المعلم.. ينتمي بشكل أو بآخر إلي المؤسسة التعليمية يقف كل صباح أمام تلاميذه ليقول لهم شيئا، لينقل لهم خبراته وعلمه وباقي الكتب.. يعلمهم ما يحب. ولكن هل هذا المعلم وجد من ينتبه لأحواله ويتحدث معه عن مرتبه بالتأكيد هذا المعلم الشريف وهو من الفئات الأكثر ظلما في أوضاع معلمي مصر وهم فئة معلمي التعليم الفني، لا يعطون دروسا خصوصية وبالتالي مصادر رزقهم محدودة وبالتأكيد أكثر انها أقل حتي من الحد الأدني للأجور الذي لم تحسم أمره بعد الحكومة.. وأسأل د.عثمان محمد عثمان هل يستطيع وهو الوزير أن يستورد مدرسين من أي بلد في العالم بهذه المرتبات المتدنية التي منع الحياء طفل شركات النظافة من أن يذكرها.. هل المعلم في بنجلاديش التي يضرب بها الوزير المثل سيتقاضي مرتبه مثل مرتب معلم التعليم الفني في مصر الذي يخدم ويربي 70% من طلاب مصر المقيدين بهذا النوع من التعليم؟ معلمو التعليم الفني بالكادر وبعده مازالت مرتباتهم بالكاد تغطي أقل القليل من احتياجهم وبالتأكيد أيضا بدون أن نجري دراسة جدوي أو دراسة ميدانية.. يعمل هؤلاء المعلمون في وظائف ومهن أخري بعد انتهاء اليوم الدراسي.. نجار كهربائي فني لحام عامل زراعة.. حتي يستطيعوا أن يكفوا احتياجات أسرهم بالحد الأدني أيضا.. ولكن اذا مرض هذا المدرس.. المعلم كما في الحالة الصارخة التي ظهرت أمامنا علي التليفزيون فالحل بالتأكيد أن يخرج أولاده من جميع أنواع المدارس.. ليعملوا في مهن بسيطة لا تحتاج إلي مهارات خاصة أو حتي شهادة وهي مهنة النظافة وكنس الشوارع وجمع القمامة. وفي لحظة اغمضت عيني لأجد نفسي في مكان هذا الطفل الذي تلقي تعليمه الأول تحت شعار كاد المعلم أن يكون رسولا.. فهل يا تري مازال هذا الطفل وأسرته يكررون هذه المقولة، يا تري كيف ينظر هذا الطفل كل صباح وهو يمارس مهنته إلي أقرانه في مثل عمره وهم يرتادون المدرسة التي كان يقف فيها يوما أبوه منتصب القامة.. يعلم زملاءه وأقرانه من الأطفال، حيث يصطف الجميع في طابور الصباح.. يا تري إلي ماذا يتطلع هذا الطفل الذي رغم كل شيء وجدته مبتسما أمام الكاميرا؟ هل يتطلع هذا الطفل وأسرته إلي وزارة التربية والتعليم التي ينتمي إليها الأب الذي انهكه المرض وقلة الحيلة وقلة ذات اليد في أن يجد العلاج المناسب أم إلي المؤسسات النقابية التي ينتمي لها الأب ولم توفر له العلاج المناسب أو علي الأقل لم تساعده في مرضه علي إعالة عائلته وتوفير احتياجاتها بدلا من أن يعمل أبناؤه في الشوارع. بالتأكيد هذا الطفل لم يحلم يوما بدخول الجامعة فهو وان كان أبوه معلما ولاسيما بالتعليم الفني فهو لم يستطع أن يوفر له أبدا مبالغ الدروس الخصوصية في التعليم العام وبالتأكيد كان أقصي آماله ان يجد مكانا في أحد مدارس التعليم الفني وقد تدعو عائلته بأكملها ليل نهار أن يستجيب القدر ويلحق بمدارس مبارك كول ليجد وظيفة ومهنة وشهادة.. بالتأكيد أيضا فإن طموح هذا الطفل في ضوء ما يراه ويعيشه يوميا، أقل من ذلك بكثير وكم أتمني أن تسارع الجهات المسئولة وليست فقط الوزيرة مشيرة خطاب إلي انتشال هذه الأسرة مما تعانيه.. لأن هذه الحالة تحديدا وهي الأب معلم، كاد أن يكون رسولا هي رسالة للجميع.. حكومة ومجتمع وأهالي فقلك مسئوليتنا جميعا عما آلت إليه أحوال هذه الأسرة الكريمة ومسئوليتنا جميعا عما آلت إليه أحوال المعلم المصري ولاسيما في التعليم الفني.. القضية الغائبة في كل حديث عن التعليم المصري وتطويره والتي رغم تغير وتعاقب الوزراء والحكومات علي مر السنوات، لم يجد هذا البند الهام الذي يضم أكثر من 70% من طلاب معلم ومعلمين الاهتمام الكافي الذي يليق به.. ولم تخرج الكلمات حتي استمرار الجهود لتطوير التعليم الفني والاهتمام به ودعمه.. إلي آخره من الكلمات التي نجدها مطبوعة في كل برنامج كل الحكومات بل والأحزاب ايضا باعتبارنا في أيام انتخابية. ولكن اكثر المفاجآت في هذا الملف وفي حالاته الإنسانية الصارخة هي أن مؤسسة التعليم الأزهري بكل المكانة العامة التي يحتلها ونكنها له قد قررت هي الأخري أن تدخل عرين التعليم الفني بأن تفتح منافذ ومؤسسات للمدارس الفنية المتوسطة الأزهرية.. وهذه قضية غاية في الغرابة وتثير التساؤل عن مستقبل التعليم الفني بأكمله في مصر من أول المعلم الذي كاد أن يكون رسولا إلي طلابه المنسيين وكل عام وأنتم طيبين