أخيرا حسمت الحكومة موقعة مدينتي في اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد يوم الأحد الماضي 26 سبتمبر، بحل قد يرضي جميع الأطراف . فقد وافق المجلس علي تنفيذ توصيات اللجنة المحايدة التي أمر الرئيس مبارك بتشكيلها ، والتي أوصت بقيام هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بإنهاء العقد المبرم بينها وبين الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني ، والتي يرأسها هشام طلعت مصطفي ،والمؤرخ في أول أغسطس عام 2005 ، طبقا لحكم المحكمة الإدارية العليا ، ثم قيام الهيئة بالتصرف في الأرض بالأمر المباشر للشركة ذاتها أي لمجموعة طلعت مصطفي ، استنادا إلي المادة 31 مكرر المضافة بالقانون رقم 184 لعام 2006 والخاصة بتعديل أحكام قانون المناقصات والمزايدات ، والتي تجيز التعاقد بالامر المباشر طبقا لحالة الضرورة إذا كانت هناك مقتضيات اقتصادية واجتماعية تستلزم ذلك ، أي مصلحة عامة ، ويتم إبرام العقد الجديد _ وفقا لقرار مجلس الوزراء _ بين هيئة المجتمعات العمرانية والشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني ( ذات الشركة القائمة بمشروع مدينتي ) وبذات الأحكام والنصوص الواردة في العقد السابق وبما لا يتعارض مع أحكام محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة ، وبحيث لايقل ثمن الأرض عن تسعة مليارات وتسعمائة وتسعة وسبعين مليوناً ومائتي ألف جنيه مصري، ويتم إعادة صياغة العقد الجديد مع مجموعة طلعت مصطفي المنفذة لمشروع مدينتي علي هذا الأساس . وكانت اللجنة المحايدة، التي شكلتها الحكومة لتسوية موقف مجموعة طلعت مصطفي بعد الحكم ببطلان بيع أرض مدينتي، قد قررت رد أرض المشروع إلي الحكومة، مع إمكانية قيام هيئة المجتمعات العمرانية بإعادة بيع الأرض لنفس الشركة، بنظام الامر المباشر بشرط ضمان الحصول علي القيمة العادلة للأرض، و هناك تقديرات متبانية للخبراء لقيمة أرض مدينتي تبدأ من 8 مليارات جنيه وتصل إلي 17 مليار جنيه.وقد رفعت اللجنة توصياتها الي الحكومة والتي اتخذت القرار المشار إليه ولم تلتفت إلي طعن حمدي الفخراني مقيم الدعوي علي تشكيل اللجنة وتوصياتها. ومن من الصعب أن تتحمل المجموعة تكلفة قرار مجلس الوزراء، وبالتأكيد ستحمله للمواطن الراغب في شراء وحدة بمشروعها، ولكنها إن وجدت تراجعا كبيرا في الطلب نتيجة لقرارها المتوقع، فقد تكون مضطرة للتراجع عنه، وتخفيض الأسعار مرة أخري، حتي لا تفقد حصتها في سوق العقارات المحلية. وقد تتجه مجموعة طلعت مصطفي إلي تحميل جزء من التكلفة التي ستتحمها بعد قرار الحكومة إلي المواطنين الذين يرغبون في شراء وحدات في مدينتي للحفاظ علي هامش ربحها . ومن المتوقع أيضا أن تتجه الشركة إلي تعويض التكلفة الجديدة المترتبة علي التسوية عن طريق أي بنود أخري لن نستطيع الاعتراض عليها مثل مصاريف إدارية، أو ما شابه. أي أن الحكومة وشركة طلعت مصطفي تختلفان وفي النهاية المستهلك هو الذي يدفع الثمن. ويأتي قرار الحكومة بتقييم سعر الأرض بحوالي عشرة مليارات جنيه قرارا عادلا ، لأن هناك أكثر من طريقة للتقييم وفقا للمعايير الدولية، منها طريقة البيوع المماثلة التي تحدد السعر بناء علي أسعار الأراضي المبيعة المجاورة لهذه الأرض، أو طريقة التقييم غير المباشرة التي تحدد سعر الأرض بناء علي افتراض بناء مشروع عقاري لهذه الأرض وتوقع الأرباح المتحققة منه. وقد يقدرالسعر العادل للمتر في أرض مدينتي ب1000 جنيه. ويستند بعض المقيمين لأرض مدينتي لأسعار بيع أراضٍ مجاورة للمشروع في أوقات لاحقة لعقد هذه الصفقة وهي مقارنة غير عادلة، نظرا لأن أسعار الأراضي شهدت تصاعدا ملموسا مند عام 2006 بينما وقعت هذه الصفقة عام 2005، علاوة علي أن الشركة تسلمت الأرض من الحكومة بدون بنية أساسية وهو العنصر الذي يجب وضعه في الاعتبار عند مقارنة السعر الذي اشترت به الشركة أرض مدينتي والأسعار التي تبيع بها الأراضي هناك. كما أن مدينتي لا تقع في مكان متميز في القاهرةالجديدة، حيث إن قيمتها أقل من قيمة أرض داخل القاهرةالجديدة نفسها، بل إن هذه الأرض وقت تحصيصها كانت صحراء جرداء لازرع فيها ولا ماء . والمعروف أن شركة طلعت مصطفي لم تكن قد سددت سعر أرض المشروع، بمساحة 8 آلاف فدان، بمبالغ نقدية مباشرة لهيئة المجتمعات العمرانية، وإنما تعاقدت الشركة مع الحكومة علي إعطائها 7% من وحدات المشروع مقابل سعر الأرض ، وليس 13% كما كان متفقاً عليه . وبينما اعتبر حكم محكمة القضاء الإداري، المؤيد بحكم المحكمة الإدارية العليا والذي انتهي ببطلان بيع الأرض للمجموعة، أن الأرض بيعت للشركة بمقابل بخس، فإن تحقيقات النائب العام انتهت إلي أن الوحدات التي ستحصل عليها وزارة الإسكان قيمتها 13 مليار جنيه، بما يعني أن وزارة الإسكان باعت المتر بسعر 391 جنيها وهو ما يعد قيمة مضاعفة لسعر المتر في صفقات أخري في هذا التوقيت تم البيع فيها بالمزاد العلني كان 200 جنيه وأحيانا 237 جنيها طبقا لما أعلنه النائب العام. ومن هنا فإنني أري أن قرار مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير قرار عادل ،ومن المفترض أن يرضي به جميع الأطراف، بل وصدر بأقل الخسائر للجميع. فهو من ناحية أعاد إلي خزانة الدولة مليارات الجنيهات كثمن إضافي للأرض وأتمني أن تخصص تلك الأموال إلي دعم مشروعات الشباب السكنية ، ويصل دعم كل وحدة الي خمسي ن ألف جنيه ،بل وتخفض أسعار الأراضي التي تخصص لمحدودي الدخل ،بدلا أن تبتلع الميزانية تلك المليارات ويكون الكاسب في النهاية وزير المالية د. يوسف بطرس غالي . كما أن قرار الحكومة أنقذ الاإستثمارات بصفة عامة والاستثمار العقاري بصفة خاصة من هزة عنيفة ، بل وفوت الفرصة علي مستثمرين متربصين كانوا مستعدين للجوء الي التحكيم الدولي علي طريقة "سياج " ويحصلون علي تفويضات باهظة ، ستدفع بالطبع من جيوب الشعب في النهاية . كما أن مجموعة طلعت مصطفي لن تضار كثيرا ،لإن قرار مجلس الوزراء لم يتضمن سحب الأرض او مشروع مدينتي من المجموعة ،والتي ربحت مبالغ طائلة من المشروع ،ومن الممكن أن تعوض ماستدفعه من أموال إضافية ، من جيوب الحاجزين الكبار الذين تملكوا فيلات خرافية ولن يضاروا إن دفعوا مبلغ إضافية علي ثمنها الأصلي بدلا من أن كانوا سيدخلون في متاهات مع هيئة المجتمعات العمرانية ، وذلك إن كان قد أل لها أرض مدينتي . كما أن صاحب المشروع المهندس هشام طلعت مصطفي _ المحبوس حاليا - ليس في وضع طبيعي أو حالة نفسية تمكنه من الدخول في صدام مع الدولة ،بل هو يتمني في قرارة نفسه ، أن يكون قرار الحكومة ترضية لها وهدية للشعب المصري رغم المليارات التي ستدفعها شركته. ولكن إن كان قرار الحكومة العادل أو شبه العادل قد الحفاظ علي المراكز القانونية والأوضاع المكتسبة للجميع وساهم في تدعيم الاستقرار في السوق من أجل الحفاظ علي الاستثمارات ، إلا إن عدم الاستقرار القانوني قد يأتي من حمدي الفحراني مفجر قضية مدينتي ،والذي لم يرض بقرار اللجنة وشكك في حيادتها ،ولن يعجبه قرار الحكومة باستقرار الأوضاع وإعادة تقييم الارض بسعر شبه عادل ، لإنه يسعي إلي جعل كل المشروعات المماثلة لمدينتي تقوم بدفع الثمن العادل للأرض التي حصلت عليها ، لإن المسألة بالنسبة له تحد ،فهو لم يحصل علي تعويض مثلا بسبب كسبه لقضية مدينتي ، بل يطلب الثأر لكرامته باعتباره مواطنا مصريا فشل في الحصول علي قطعة أرض ألف متر كي يبني عليها منزلا عام 2005 ، ورفضت الحكومة ممثلة في وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية تخصيص أرض له ، في الوقت الذي خصصت الحكومة قبلها باسبوع لمجموعة طلعت مصطفي33مليون متر مربع بسعر 66جنيها للمتر ، ولكن يكفي الفخراني " فخرا " أنه فتح الباب للحفاظ علي أراضي الدولة ، وإعادة تقييم الأراضي التي أهدتها الحكومة بالأمر المباشر إلي أصدقائها من رجال الأعمال ، وأدخل إلي خزانة الدولة مليارات الجنيهات ، بل استطاع أن يفعل مالم يقدر علي فعله الجهاز المركزي للمحاسبات ،ورئيسه المستشار جودت الملط . وهذا ما سنوضحه في مقال قادم .