هذا المغزي تأكد في الاختيار المتعمد للبطل كواحد من مرضي التوحّد ،وعلي وجه التحديد مرض "أسبرجر"،الذي تكمن صعوبته في أنه مرض"لا مرئي" بل هو ،كما يقول العلماء والأطباء،الحد الوظيفي "الأعلي" من التشكيلة الواسعة لمرض التوحد الذي يعاني المصابون به مما يسمي ب"الاعاقة الثلاثية"،أي صعوبة التفاعل الاجتماعي والافتقار ثانياً الي مايعرف بمهارة التواصل والاتصال الاجتماعي ،سواء أكان شفهياً أو غير شفهي،وعجزه عن فهم معني الايماءات الشائعة أو تعابير الوجه ونغمات الصوت.أما الاعاقة الثالثة فتتمثل في خياله المحدود وصعوبة تنمية الخيال لديه،وهي المواصفات التي كان لها تأثيرها الكبير وانعكاسها الأكبر علي العلاقة بين البطل المسلم "ريزفان خان" شاه روخ خان بما يمثله من حضارة ويعتنقه من دين وثقافة و"الآخر" بثقافته ودينه وحضارته؛فقد أكد الفيلم ،بذكاء شديد،علي أن ثمة صعوبة في التواصل بين الجانبين ،وافتقار واضح لمهارات الاتصال ،وفهم معني الايماءات ،وهو ما تأكد ،بقوة،في المشهد الأخير للفيلم عندما ترجل الرئيس الأمريكي "أوباما" ،وغادر موكبه بحجة الامتثال لرغبة البطل ،بينما كان واضحاً أنه أراد استثمار الضجة التي حققها "خان"،والتعاطف الذي أبداه الرأي العام الأمريكي معه،ليزيد أي الرئيس الأمريكي من شعبيته، بدليل أنه لم يلتفت اليه،وأصر علي تجاهله عندما سأله عن رقم هاتفه،في تكريس واضح لصعوبة التواصل والاتصال بينهما. اشارة لها أهميتها في سياق فيلم قال البعض انه كان ينبغي أن ينتج بتمويل ودعم من المجلس الأعلي للشئون الاسلامية أو حتي جامعة الدول العربية،لكونه يذخر بالاشارات والايماءات المهمة التي تصب في خدمة الاسلام وتصحيح صورة المسلمين؛فأم البطل تعنفه،وهو طفل،لأنه انجرف وراء أحداث الشغب التي احتدمت بين الهندوس والمسلمين عام 1983 ،وكاد يتورط في المعركة نتيجة تعصبه الأعمي،فما كان منها سوي أن بثت في روحه معني التسامح،ولقنته درساً في أن التفريق بين البشر لابد أن يكون علي أساس الخير والشر،وليس بالنظر الي دين أو عقيدة،وهو الدرس الذي كان سبباً في أن يقرر "خان" الزواج من "مانديرا" كاجول المطلقة الهندوسية التي استقرت في أمريكا،علي الرغم من تحذيرات وتهديدات شقيقها الأناني المتزوج من امرأة أمريكية محجبة والمقيم في أمريكا أيضاً،فقد استوعب درس أمه ،وأدرك أهمية التسامح،وان فشلت محاولاته المستمرة في اقناع الآخرين من حوله بتكريس مبدأ "التسامح" كأساس للتفاهم والتواصل،فقد بدا وكأنه "الرسول" الذي يحمل رسالة ،ويبشر بأفكار انسانية مثالية،لكن الظروف لم تخدمه ،وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 لترسخ الشعور لدي الرأي العام الأمريكي،وربما العالم بأسره،بأن الارهاب مقترن بالاسلام،وبعدها أساء الكثيرون تفسير وفهم كلمة "الجهاد"،كما في مشهد صاحب "السوبر ماركت" الذي أرغي وأزبد وهو يهدد :"كل هذا بسبب المسلمين الذين يجاهدون ونحن نتحمل ثمن جهادهم" ! اعتمد سيناريو شيباني باتهيجا علي "الفلاش باك" عندما بدأ الأحداث عام 2007 والبطل يأخذ طريقه في مطار سان فرانسيسكو وسط اجراءات أمنية مشددة وصلت الي حد تجريد الركاب من أحذيتهم،نتيجة التأثيرات السلبية الخطيرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر،وهي الاجراءات التي تجعل البطل محل شبهات أمنية ،قبل أن ينقلب الشك في كونه ارهابياً الي مخبول عندما يعلن أنه في طريقه الي لقاء رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية ليبلغه رسالة مؤداها :"اسمي خان ولست ارهابياً"، ولأن كاتب السيناريو،ومن بعده المخرج كاران جوهار،أدركا حجم الاضطراب الذي تسببا فيه ،عادا من خلال "الفلاش باك" لتبرير ما قاله البطل في المطار،فالاصرار علي لقاء الرئيس الأمريكي يخفي وراءه مأساة بمعني الكلمة،لأن الرجل تزوج من "مانديرا" المتخصصة في تصفيف شعر النساء،وضرب عرض الحائط بكونه مسلماً وهي هندوسية،لكن المرأة لفرط حبها له وافقت علي أن تنزع عن ابنها "سمير" لقب والده الذي أهانها وأهملها وهجرها ،ومنحته اسم "خان"،ولم تدر أن مافعلته سيتسبب يوماً في قتل ابنها،من قبل عدد من أصدقائه المتطرفين ممن رأوا في لقبه ارتباطاً وثيقاً بالاسلام والمسلمين،وتعمدوا قبل قتله أن يسألوه عما اذا كان ابناً لأسامة بن لادن (!) لكن الأم ألقت باللائمة علي نفسها،لأنها وافقت علي أن تنسب لابنها اسماً مسلماً،وتحول حبها لزوجها "خان" الي كراهية شديدة، ورفضت أن تغفر له الا اذا نجح في لقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ليبريء نفسه من تهمة الارهاب الديني المسلح،وبالفعل يوافق "خان" لفرط حبه لها وللصبي "سمير"،ويبدأ رحلة مثيرة ليصل الي الرئيس الأمريكي عساه يقدم له دليل البراءة . اثارة الرحلة في كونها قدمت رسائل كثيرة تنصف الاسلام وترد اعتبار المسلمين وتصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة والمرتبكة والمُربكة،وهي رسائل قوامها التسامح والرحمة والسلام والمحبة والشجاعة والجرأة،فالبطل يصر علي أن يفترش سجادة الصلاة ويمارس طقوسه ،علي الرغم من تحذيرات رفاقه المسلمين خشية اثارة رعب المواطنين الأمريكيين،والغربيين، ويقدم أروع الأمثلة في التضحية وايثار الآخرين عن نفسه عندما يتخذ قراراً بالعودة الي مدينة "ويليمينا" المنكوبة في جورجيا، ليسهم في انقاذ أهلها،وعلي رأسهم "ماما جيني وابنها ،وهو المشهد الذي يحمل مغزي آخر أكثر أهمية يتمثل في انقاذه ،كمسلم، للكنيسة التي كادت تنهار بفعل الاعصار ،وكان لمبادرته الفضل الأكبر في حث الآخرين ،من أبناء الشعب الأمريكي، علي الاقتداء به،والاسراع لتقديم يد العون والمساعدة ،فأعطي النموذج والقدوة وصحح الصورة الخاطئة والاعتقاد الشائع ببساطة وصدق وبلا خطابة أو شبهة ادعاء تماماً ،وعلي النقيض من هذا قدم الفيلم مشهداً له مغزاه حول الحفل الذي أقامته الكنيسة لدعم أطفال أفريقيا بحضور الرئيس "بوش" ورفع شعار "حضور الحفل مقصور علي المسيحيين فقط " (!) في الوقت الذي يسارع فيه البطل المسلم بالمشاركة في حفل دعم ومساعدة أسر رجال المطافيء ممن راحوا ضحايا ضرب برجي مركز التجارة العالمي،والتبرع بالمال ،ولما رأي في العيون مظاهر الدهشة برر تصرفه بأنها "أموال الزكاة" التي يفرضها الدين الاسلامي للمحتاجين ،لكن شيء من هذا لم يمح الانطباع السائد بأن "المسلم ارهابي"،وهو ما أوحي اليه المخرج بذكاء في نظرات الخوف التي ارتسمت علي ملامح المشاركين في الحفل بسبب وجود البطل وهو يرتدي الطاقية والجلباب الأبيض ،وهو الخوف الذي انقلب الي رعب وذعر بمجرد أن بدأ يقرأ "الفاتحة" ! في هذا السياق اتسم السيناريو والحوار بالعذوبة الشديدة وهو يعلن وفاة الأم بتضخم في عضلات القلب،وبرر البطل ماحدث ، وهو الذي تعلق بها كثيراً وأحبها،بأن "القلب تضخم بما يحتويه من خير للناس"،وطوال الأحداث تعددت أشكال العذوبة وتنوعت بين الفكرة والصورة،فالعلاقة بين "خان" و"مانديرا" تنامت بشكل سلس وأخاذ،وبالتالي جاء قرار الزواج منطقياً لا يعرف الافتعال أو التعسف ،فقد نجح في استدراجها بشخصيته المثيرة،وعقله المستنير،واحتوائه لطفلها،وفي واحد من أجمل مشاهد الفيلم من الناحية البصرية يقدم البطل دليلاً لحبيبته علي أنه سيتيح لها فرصة رؤية مالم تره في حياتها،ويصطحبها الي المكان الذي تري منه "كاليفورنيا" وهي غارقة في بحر من الغيوم والضباب ،ولحظتها لا يصبح المشهد ،الذي لعب فيه "الجرافيك" دوراً كبيراً مدعاة لاعجاب "مانديرا" فقط بل جمهور الفيلم بكل تأكيد،فالسحر لا يغيب عن الفيلم ،وجنباً الي جنب مع الرسالة التي تؤرق مؤلفه ومخرجه يبدو الاهتمام ملحوظاً بالمشاهد المفعمة بالمشاعر والمواقف المتدفقة بالأحاسيس بما يجعل التغلب علي الدموع حتي لا تطفر من عيني مشاهد الفيلم مهمة صعبة للغاية . أما القول بأن المسلمين أيضاً دفعوا ثمن أحداث الحادي عشر من سبتمبر فهي جزئية تعكس بلاغة ووعي من كاتب ومخرج "اسمي خان" ،فقد أكد الفيلم علي أنهم أيضاً ضحايا تدمير البرجين،وأن جزءاً كبيراً من حرياتهم الشخصية انتزعت منهم جراء تلك الأحداث الغاشمة ،والغشيمة،بدليل المشهد الذي اضطرت فيه "حصينة" زوجة شقيق البطل الي خلع حجابها ،ولجوء البعض الآخر الي تغيير أسمائهم أو قص لحاهم ليتجنبوا الملاحقات المهينة أوالتحرشات والاعتداءات العرقية التي وصلت الي ذروتها في المجتمع الأمريكي،ورد عليها البطل بحكمة