فلنتخيل المشهد التالي: الإعلان رقم (1) أحد الإعلانات في القنوات الفضائية أو عبر قنوات الإذاعة FM تعلن عن مسابقة الفوز بسيارة ميتسوبيشي لانسر هاتش باك موديل 2010 لكل متسابق تزيد معدلات شرائه خمسة آلاف جنيه في الشهر من منتجات أحدث سوق تجاري بالقاهرة "جامعة ماركت".. العنوان "جامعة ماركت" وسط القاهرة للاستعلام الاتصال ب00000".. الإعلان رقم (2) "فيفي.. إنتي رايحة فين.. أنا عارفه انتي رايحة المطعم إياه اللي أكله حلو ورخيص.. بس حاقولك حاجة انتي ماسمعتيش عن "جامعة كومبو" ده أحدث مكان بيقدم الهامبورجر الأمريكاني علي أصوله.. حجم كبير ومعاه بطاطس وكولا وكاتشب أصلي وهوت صوص لو حبيتي.. وكل ده ب9.999ج وكمان لو حبيتي ديلفري وببلاش... للاتصال 00000 "جامعة كومبو".. الإعلان رقم (3) "لا تقولي هت ولا كينجز ولا دومينوز ولا توماس.. "بيتزا جامعة" هي الفوكاس" طعم البيتزا الأصلي للاستعلام الاتصال ب00000 "جامعة بيتزا فوكاس".. الإعلان رقم (4) "يعلن مركز "جامعة دوكو" عن أحدث مركز لبيع أفضل منتجات شركة "5 Stars" العالمية لصناعة البويات.. بويات فايف ستارز ضد التشقق والرطوبة... صالحة مدي الحياة للاستعلام الاتصال ب00000 ".. الإعلان رقم (5) "مفاجأة سارة وفرصة لن تعوض وتخفيضات لم يسبق لها مثيل.. الآن ولأصحاب المهن الحرة ولأصحاب المعاشات وموظفي القطاع العام والخاص.. البيع بالتقسيط لكل المصريين... الآن أحدث جيل من جيل التوك توك.. هي صناعة هندية متطورة بأقل الأسعار.. الآن المعرض الرئيسي.. "جامعة توك توك" للاستعلام الاتصال ب00000 ".. هذه بعض الأنشطة التي من الممكن أن تستضيفها جامعة من أعرق جامعات مصر.. فليسمح لي القارئ بقراءة هذا الخبر وهذا نصه "بعد الإعلان الرسمي عن بيع 3 مبان للجامعة الأمريكية في مزاد علني استعد عدد كبير من الشركات للتقدم إلي المزاد الذي لم يحدد موعده بعد.. في الوقت الذي أكد فيه سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضري والمهندس حسين الجبالي وكيل أول وزارة الإسكان أنه من حق الجامعة البيع وأن القانون يلزم المشتري بالحفاظ علي المبني كما هو من الخارج والداخل حتي ولو تم تغيير نشاطه الأساسي".. ويضيف الخبر الذي نشرته الزميلة المصري اليوم في 4 فبراير 2010 "وأشار الجبالي إلي أن القانون يلزم صاحب المبني بعدم التعلية أو خفض الأدوار فضلاً عن أنه لا يتم تقييد المالك بالنسبة لتغير النشاط ".. وسأقف هنا عن "لا يتم تقييد المالك الجديد بالنسبة لتغيير النشاط" وأيضاً في الفقرة السابقة "حتي ولم لو تغيير النشاط".. إذن نحن أمام جريمة كبري في حق هذه الجامعة التي يريد مالكوها بيعها والذي بالضرورة من سيشتريها في هذه البقعة السحرية من قاهرة المعز أن يستفيد منها وذلك بتغيير نشاط الجامعة الذي هو معروف بالضرورة.. نشاط الفكر والعلم.. إلي شركات ستعلن عن منتجاتها كما أشرنا.. ألا يوجد قانون في مصر يحمي تراثها المعماري والثقافي والتنويري من أيدي عابثين حتي ولو كانوا ملاكا بالفعل لهذه المباني.. ما شاهدناه مؤخراً من معارك وسجالات تحت قبة البرلمان لإقرار قانون الآثار الجديد يؤكد أن هناك بالفعل قوي تنويرية ينزعها وزير الثقافة للحفاظ علي تراث مصر الأثري والمعماري... ولكن في المقابل هناك قوي أخري تتربص بهذا التراث وتريد أن تحول كل شيء إلي حفنة من الدولارات القذرة.. كيف يمكن تغيير نشاط جامعة بحجم الجامعة الأمريكية وتاريخها وإنجازاتها وأجيال عظيمة تخرجت من قاعات محاضراتها وندوات ولقاءات فكرية عظيمة لمفكرين وعلماء أجلاء ألقوا محاضراتهم داخل قاعاتها عبر عشرات السنين.. كيف يمكن أن نستيقظ فجأة ونجد مباني جامعة بحجم الجامعة الأمريكية يقطنها موظفون لأحد المطاعم أو مراكز التسوق أو وكالات سيارات.. حتي ولو لم يغيروا معالم المباني.. إن قيمة المباني ليس فقط في الحفاظ علي طرازها المعماري بل أيضاً الحفاظ علي منجزاتها وما قدمته للمجتمع.. فهل يمكن أن نصحو فجأة ونجد قصر عابدين عبارة عن ناد رياضي أو أحدث جراج لسيارات العاصمة.. هل يمكن أن يكون المتحف المصري بميدان التحرير، ملحقاً لفندق النيل هيلتون يحتوي علي مطعم يقدم الأكلات الصينية، بعد أن يتم افتتاح المتحف المصري الكبير وتنقل محتوياته إلي هناك.. إن الرسالة التي يجب أن توجه لكل من يعبث بمنجزات هذا الوطن هي الحكمة التي تقول "يستطيع المال أن يشتري الدواء ولكنه لا يمنح الصحة.. "وليس في استطاعة أحد أن يسعدك إذا لم تكن ترغب في ذلك ".. فهل ترغبون.. أشك"..