أجازت الرقابة علي المصنفات الفنية،وحسناً فعلت،عرض فيلم "أحاسيس" إخراج هاني جرجس فوزي لكنها ارتكبت خطأ لا يغتفر عندما اشترطت عرضه تحت لافتة "للكبار فقط"،فقدمت له خدمة جليلة لم يكن يحلم بها أي واحد من صناعه(!) فالفيلم لا يعدو كونه عملاً متواضع القيمة والشكل ، وهو ماكان يتطلب من الرقابة قدراً من الذكاء في إجازته ، وهو ما فعلته بالضبط ، عندما فوتت علي أصحابه فرصة استثمار الرفض في الدعاية له ، والقول بأنه واحد من "الأفلام الشهيدة" التي جنت عليها الرقابة،لكنها أي الرقابة أخطأت في المقابل،عندما اشترطت وضع لافتة "للكبار فقط" فمنحت "أحاسيس" أهمية لا تتماشي ، أبداً، مع كونه مجرد فيلم للأطفال .. ليس أكثر ! هو كذلك بالضبط ، فالأمر المؤكد أن واحداً ممن ستتاح لهم فرصة مشاهدة الفيلم لن يعجز عن إدراك القدر غير القليل من الهزل والسخف والتهريج الذي ساد أحداث فيلم "أحاسيس"،بالدرجة التي يصبح فيها ظهور إحدي بطلات الفيلم مرتدية "المايوه" مدعاة للضحك والسخرية،وليس الاستثارة أو "التهييج"،كما ظن أصحاب الفيلم ، وربما الرقابة التي اشترطت وجود اللافتة قبل العرض .أما خيبة الأمل فستكون في انتظار عشاق "الحدوتة" ممن ستصدمهم الأحداث المرتبكة ، وتزعجهم الشخصيات الباردة التي لا تحرك ذرة من المشاعر . "أحاسيس" يفترض فيه ، حسب رؤية كاتبه د.أشرف حسن،أنه يرصد قضية اجتماعية غاية في الخطورة والأهمية تتعلق بالمشاكل الناتجة عن غياب الثقافة الجنسية،وتعامل المجتمع العربي ، والشرقي،مع المرأة بوصفها كيانًا فاقدًا للإحساس لا ينبغي أن يكون طرفاً إيجابياً لحظة الممارسة الجنسية،وإلا جر علي نفسه المشاكل،فالتجاوب يعني ، في نظر الزوج ، أن هذه الزوجة "فاجرة" لديها خبرة سابقة قبل الزواج(!) والاستسلام يحمله للظن أنها "باردة جنسياً".أما الطامة الكبري فتحدث ، ولا جدال، لو أن الزوجة تجرأت وطالبت بحقها الطبيعي أثناء الممارسة الجنسية أو أرادت من الزوج إصلاح "وضعه" في الفراش (!) لكن جدية القضية لم تمنع أصحاب الفيلم ، وهنا المأساة في رأينا ، من النظر إليها باعتبارها وسيلة لاستعراض نماذج منحرفة من النساء ، ولا يمكن التعامل معهن بوصفهن ضحايا،طمعاً في مخاطبة أحط الغرائز البشرية لدي الجمهور،مما كان سبباً في توسيع رقعة الملل الذي أصابنا طوال مشاهدة أحداث الفيلم . منحرفات ، كما رأيناهن ، ولسن ضحايا،حسبما أراد الفيلم أن يوحي لنا،فالزوجة"سلمي" علا غانم التي تؤثر "العادة السرية"،واستعراض أنوثتها أمام المرآة ، والتي تفضل أن يطفيء الماء،بارداً أو ساخناً،رغبتها الجنسية المشتعلة،بحجة أنها مازالت تعيش ، وبعد 7 سنوات من الزواج،علي ذكري الحبيب باسم سمرة ، وعاجزة عن التجاوب مع الزوج إدوارد هي امرأة منحرفة وليست ضحية تستحق الرثاء،والحال نفسه مع "داليا" مروي التي لا تجد متعتها في فراش الزوج حازم البنا ، وتلهث وراء الشاب "الفحل" نبيل عيسي وتبرر لنفسها الخيانة بأنها أفضل من الطلاق ، وجلب العار والفضيحة لابنتها إذا اكتشفت أنها ساقطة (!) و"نور" المطربة اللبنانية ماريا مثلها مثل ألاف الراقصات اللاتي تقذف بهن السينما المصرية في وجوهنا ، جنت عليها ظروفها الاجتماعية ، ولم يكن هناك بديل أمامها سوي أن تتحول إلي راقصة في الملاهي الليلية ، لكنها شريفة وعفيفة ترفع شعار "اللي يلعب بي أدوسه واللي يقدرني أبوسه" ، وتختار من تمنحه جسدها لكنها أبداً لم تجد من تهبه قلبها إلا "إيهاب" باسم سمرة الذي وجدها فرصة للهروب من مرضه وحبيبته التي عادت فجأة للظهور في حياته فتزوج الراقصة (!) أما "الهام" راندا البحيري فتعاني نوعاً من "الفلتان الأخلاقي" من جانب زوجها "مجدي" أحمد عزمي الذي اعتاد معاشرة العاهرات،ويطالبها بأن تلبي رغباته الشاذة التي كان يجدها معهن،بينما تتضاءل طموحات السكرتيرة "هند" ايناس النجار وتكتفي بالنوم مع رئيسها إدوارد في فراش الزوجية ظناً منها أنها تغرر به فيتزوجها (!) العجيب أن الشخصية الوحيدة الواضحة والتي يمكنك أن تتجاوب معها،لأنها نجحت في إقناعك بأنها متسقة مع نفسها،هي تلك التي قدمتها الممثلة دنيا عبد العزيز،فهي الراقصة التي لا تؤمن بشيء اسمه الحب ، وتدرك أن المصلحة المتبادلة هي فقط التي تربط بينها وبين الرجال الذين ترافقهم .لكن في كل الأحوال يثير الفيلم دهشتك لكونه يتبني موقفاً رجعياً ومتخلفاً ومناهضاً للمرأة بشكل غير مسبوق،فلا توجد امرأة سوية،ولا مظلومة أو مضطهدة، والجرأة المفترضة تحولت إلي وقاحة في المشهد الذي يشاهدن فيه الأفلام الجنسية في إحدي جلساتهن، وعي الوقاحة التي تصبح بجاحة و"قلة أدب" في المشهد الذي تعلم فيه الزوجة الخائنة مروي أن صديقتها تعاني من الرغبات الشاذة لزوجها فتتمني لو أنها نامت معه،وهو ما يؤكد أن "الخيانة في دمها" وليست منحرفة فحسب. وعلي هذا النسق الفج والمبتذل يسير إيقاع "أحاسيس"،الذي يفتقد الإحساس؛فمابين مشهد وآخر رقصة مبتذلة وأغنية قبيحة كلماتها تتجاوز الدرك الأسفل الذي اعتدناه من قبل، ووسط هذا الهبوط يطل إسلام خليل "المؤلف الملاكي" لشعبان عبد الرحيم فيغني "البت دي طلقة" و"مات مات السما بتمطر بنات"،وهو ما يؤكد أن المخرج حشد كل "أسلحة الابتذال الشامل" ليصل إلي "شباك التذاكر"،وحتي اللغة السينمائية وظفها للغرض ذاته،فاسترجاع الماضي أو "الفلاش باك" يعني التوقف عند "مايوهات" علا غانم ، وتقطيعات المونتاج عشوائية،وباستثناء حالة الفراغ التي بدت في حجرة علا وإدوارد ، والتي تعكس حالة الخواء العاطفي التي يعيشانها،جاء الديكور الذي صممه رمسيس سليم فخماً بدرجة مستفزة،خصوصاً أن الخلفية الاجتماعية الغائبة لا تبرر هذه الانتعاشة الاقتصادية التي تعيشها الشخصيات ، باستثناء الراقصات بالطبع،فالكل يعيش "حياة سبع نجوم"،لكنك لا تعرف لواحد منهم "شغلانة" تبرر هذه الرفاهية ، ومع اللعثمة الفنية التي وصلت إلي ذروتها في توزيع الأدوار علي الممثلين ، فالزوجة الخائنة تلجأ إلي الممثل نبيل عيسي هزيل البنية بوصفه "الفحل الجنسي" في الوقت الذي أسند دور الزوج إلي حازم البنا مفتول العضلات ، وطوال الوقت يفشل المخرج في إقناعك بأن إدوارد هو الشخص المناسب الذي يثير شهوة امرأة ، خصوصاً إذا كانت بمواصفات علا غانم أو إيناس النجار،وهو الانطباع الذي يتكرر في حال أحمد عزمي ، الذي ينبغي عليك التصديق أنه "فلاتي" و"بتاع نسوان" و"مقطع السمكة وديلها" . أما باسم سمرة فقد وصفته "دنيا" في الفيلم بأنه "كئيب" ، وكان كذلك بالفعل،بعدما أفلتت منه كل الخيوط الدرامية والأدائية نتيجة الفشل الذريع لكاتب السيناريو في إضفاء مصداقية علي الشخصيات،والتجائه إلي "الميلودراما الزاعقة" كما في مشهد اكتشاف خيانة مروي،التي أكدت أن "الخيانة وجهة نظر" : ( أنا ست من لحم ودم وليا احتياجاتي لكن مش مستعدة أخرب بيتي) ، وتصل المهزلة إلي ذروتهافي المشهد الذي ارتدت فيه الحجاب وافترشت سجادة الصلاة وسط "إفية" إضاءة مصطنع،ففي هذه اللحظة ضحك الجمهور،ومعه حق . أما الطبيبة النفسانية فتحولت ، علي يد السيناريو،إلي "أفلاطون" أو ارسطو تدعي الحكمة ، وتعالج مرضاها بأفكار غريبة (الرضا هو الأصل ومفتاح الرضا التسامح .. وربنا حلل لنا حاجات إحنا بنحرمها ) فضلاً عن النهاية المأساوية التي مات فيها البطل الكئيب بمرض السرطان فانقلب المشهد إلي نواح ولطم وزوج يتأكد من خيانة زوجته بمجرد النية فيطلقها،وأغنية تشير إلي الشيء الذي "مات جوايا" والعمر الذي تحول إلي وهم وذكريات قبل أن يبدأ ، فالتلوث السمعي والفوضي يسيطران علي المشهد ، والفيلم بأكمله،وإن تميز السيناريو في اختياره "تكنيك" جديد اعتمد علي طرح الأسئلة بواسطة شخص ما ثم تأتي الإجابة علي لسان آخر . ومع اللعثمة الفنية التي أشرنا إليها ينجح المخرج في توظيف كوبري 15 مايو من زاوية بصرية ( كاميرا د.هشام سري) لم يسبق للسينما المصرية الوصول إليها،إضافة إلي المغزي الدرامي الذي حققته اللقطة ( القضبان الحديدية للكوبري والسجن الذي تحياه علا غانم) لكن الأداء التمثيلي يبلغ ذروته من الرداءة والتراجع حتي لا يكاد يتميز ممثل واحد في الفيلم ، وبدا وكأن المخرج قد واجه أزمة في انتزاع موافقة الممثلين علي القبول به أو بسيناريو الفيلم،فما كان منه سوي أن سارع بالتوقيع مع أول من أبدي ترحيبه المبدئي بالمشاركة،ومن ثم كانت النتيجة وبالاً علي الفيلم والممثلين وعلينا كمتفرجين ، فالملل سيد الموقف والافتعال في الأداء ملمح صارخ،والروح غائبة عن الجميع ، وكأن "الكل يمثل علينا. ووسط كل هذا يقودك الفيلم إلي مفارقة غاية في الإثارة،ففي الوقت الذي استعان فيه المخرج بما تيسر من أغاني وكلمات هابطة يفاجئنا بموسيقي عذبة صاغها خالد البكري ، وبرع خلالها في توظيف آلة البيانو التي تمثل قمة التعبير والوصول إلي المشاعر المرهفة والعميقة، وكلمات شديدة الرقي والإحساس وضعها جمال بخيت ، بالإضافة إلي الصوتين الواعدين سماح عبد الله وعلي الألفي اللذان ينتظرهما مستقبل مبشر بمعني الكلمة، وهو تناقض يدعو للدهشة بالفعل ؛فكيف يتأتي لمخرج أن يدرك أن هناك الراقي والجيد من الفنون ثم ينحاز إلي الهابط والمبتذل من "الأحاسيس" الفجة والرخيصة؟