مما لاشك فيه أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أظهر صلابة سياسية عندما أصر علي موقفه واتخذ قرار إرسال نحو 30 ألف جندي أمريكي لأفغانستان رغم معارضة حزبه، لكنه سيضطر إلي إبداء مزيد من الصرامة والحزم للتيقن من تنفيذ سياسته علي الوجه الأمثل، ورغم توضيحي سابقا أسباب معارضتي للتصعيد في هذه الحرب لكن طالما أن القرار قد اتخذ فلا أرغب أن تفشل بلدي أو أن تغرق إدارة أوباما في مستنقع أفغانستان، ولهذا أطرح بعض الأفكار لتلافي احتمالات أن تفشل هذه الاستراتيجية. دعونا نبدأ بأن نستدعي إلي ذاكرتنا تأملا أدلي به الرئيس الأسبق جون كيندي في حوار أجراه مع الإعلامي فالتر كرونكايت في 2 سبتمبر 1963: كرونكايت: "السيد الرئيس، الحرب الساخنة الوحيدة الدائرة في اللحظة الراهنة هي بكل تأكيد تلك التي يدور رحاها في فيتنام، وهناك صعوبات تواجهنا هناك". كيندي: "لا أعتقد أن الحرب هناك سوف تؤتي ثمارها إلا إذا بذلت الحكومة الفيتنامية مجهودات أكبر للحصول علي مساندة شعبية، ففي نهاية الأمر هذه الحرب تخصهم، وهم المطالبون إما بالانتصار فيها أو الخسارة، نستطيع أن نساعدهم، وأن نمدهم بالمعدات، وأن نوفد رجالنا إلي هناك كاستشاريين، ولكن يظل الشعب الفيتنامي، هو المطالب بإحراز النصر في مواجهة الشيوعيين. نحن مستعدون للاستمرار في مساعدتهم، ولكنني لا أعتقد أن الفوز بهذه الحرب يمكن أن يتحقق دون دعم الشعب الفيتنامي للجهود المبذولة، وفي رأيي أن الشهرين الماضيين شهدا ابتعادا للحكومة الفيتنامية عن نبض شعبها". كرونكايت: "هل تعتقد أن هذه الحكومة مازالت قادرة علي استعادة ثقة الشعب؟". كيندي: "بالتأكيد شريطة إحداث تغييرات في السياسة، وربما في الشخصيات التي تقودها، وفي حالة عدم إجرائها لهذه التغييرات فإن فرص الفوز بهذه الحرب لن تكون جيدة". إن ما استوعبه كينيدي، وغاب عن تفكير الرئيس التالي له ليندون جونسون، ونسيه باراك أوباما هو أنه في النهاية لا يتعلق الأمر بمقدار ما نرسله نحن الأمريكيين من قوات أو بما نحدده من مواعيد للانسحاب، ولكنه يتوقف برمته علي شركائنا الأفغان، لقد اندلعت أفغانستان إلي دوامة لا نهاية لها والسبب يعود إلي حد كبير إلي حكومة حامد كرزاي التي أصبحت خارج نطاق الخدمة ويسيطر عليها الفساد حتي أنها ركزت أكثر علي الخروج بمكاسب لمصالح خاصة بدلا من أن تجني الثمار، نظير حكمها الرشيد، ولهذا السبب فإن كثيرين من الأفغان ممن هللوا مع وصول كرزاي إلي سدة الحكم سنة 2001 تغيرت مواقفهم الآن وأوضحوا يرحبون بالأمن والعدالة التي تفرضها طالبان، ومؤخرا كتب بصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" موظف سابق بقوات الإغاثة في قندهار ويدعي باشتون اتيف قائلا: "في 2001 كان غالبية الشعب الأفغاني ينظر للولايات المتحدة علي أنها ليست فقط صديقا محتملا ولكن بوصفها نموذجا يحتذي به علي الديمقراطية الناجحة". "ولكن ما حصلنا عليه في النهاية كان انكباب زعمائنا علي التربح والانتفاع بشكل همجي وسافر من المساعدات الخارجية بالتوازي مع اعتداء صارخ علي اللوائح والقوانين". وبالتالي فإن هدفنا الأساسي هو بناء بالتعاون مع كرزاي حكومة أفغانية لديها "رصيد كاف من الاحترام" يمكنها من كسب إخلاص الشعب الأفغاني حتي يشعر الجانب الأكبر منهم بملكيتهم للدولة وبالتالي يكونون مستعدين للقتال دفاعا عنها، لأنه وقتها فقط سيكون لدي هذا الشعب جيش مستقل ودولة تعتمد علي نفسها حتي يتسني لنا الانسحاب من هناك بحلول الموعد الذي حدده الرئيس في يوليو 2011، دون أن نخلف وراءنا حمامات من الدماء. إنني أطالب بالتركيز علي هذه الكلمات "قدر كاف من الاحترام"، "الملكية"، و"الدوام" فبدون حكومة محترمة فلن يتسلم الأفغان زمام القيادة ولن يشعروا بملكيتهم للدولة، وإذا لم يشعروا بملكيتهم للدولة فلن يحاربوا من أجلها، وإذا لم يحاربوا من أجلها بأنفسهم، فمهما أحرزنا من تقدم لن يكون علي الدوام، وسوف ينهار بمجرد رحيلنا ولكن ما يقلقني هو تصريح للمتحدث باسم الرئيس روبرت جيبس الذي أكد بلا مبالاة أنه "لن يكون هناك بناء للأمة في أفغانستان"، وبدوره صرح الرئيس لأحد الكتاب الثلاثاء الماضي بأنه يرغب في تجنب ما أسماه ب "تمدد المهمة" التي تتعلق ببناء الأمة في أفغانستان. اعذروني: ولكن ما يحدث الآن لا يمكن أن نطلق عليه سوي بناء الأمة، فأنت لن تقدم علي تدريب الجيش الأفغاني وقوات الشرطة لتحل محل قواتنا العاملة هناك إذا لم يكن لديك دولة يشعر شعبها أنها تستحق عناء القتال من أجلها، ولكن هذا سوف يتطلب عملية تحول يقودها كرزاي تبدأ بإقصاء غالبية مساعديه الفاسدين ووضع مسئولين يحظون بثقة الأفغان. أيضا تعتمد الاستراتيجية الجديدة كما أشار الرئيس علي إنهاء باكستان لخلافاتها مع الهند، والتي باتت تشكل هاجسا دفعها إلي مساندة طالبان للسيطرة علي أفغانستان كجزء من عمقها الاستراتيجي في مواجهة الهند وهكذا أصبحت باكستان تحارب طالبان التي تهاجمها ولكنها في المقابل تغذي طالبان التي تسعي للسيطرة علي أفغانستان ولهذا نحن في حاجة أن تتوقف هذه الباكستان الهشة عن البحث عن عمق استراتيجي لها في مواجهة الهند وأن تبدأ في بناء عمق استراتيجي لها في الداخل من خلال إنعاش اقتصادها وإصلاح النظام التعليمي ومنع الجهاديين من تحويل المدارس إلي ساحات للترويج لأفكارهم المتطرفة. وفي النهاية سيكون علي أوباما التأكد كل يوم أن كرزاي لا يتهرب من عملية الإصلاح، أو أن باكستان لا تتغاضي عن إغلاق ملاذات طالبان، أو أن حلفاءنا مترددون في مساعدتنا، باختصار شديد سوف يكون لدينا فرصة للنجاح إذا أصبح كرزاي رجلا جديدا وأصبحت باكستان دولة أخري غير تلك التي نعرفها، وإذا نجحنا نحن بالفعل فيما قال عنه الرئيس إننا لن نفعله مطلقا: وهو بناء أمة في أفغانستان، ومن أجل أمريكا أتمني أن تتحقق كل أمنياتنا!