ابي الاسبوع الماضي ان يمضي دون ان يترك بصمته علي ملف الازمات المستعصية في منطقة الشرق الاوسط فقد ألقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس -ابو مازن - ببالون عدم الترشيح للانتخابات الرئاسية المقررة في 24 يناير المقبل مشعلا بورصة التكهنات حول الشخص الذي سيخلفه فيما لو لم يتراجع عن قراره.. كما وصلت العلاقات بين شريكي الحكم في السودان لادني مستوي لها منذ توقيع اتفاقية نيفاشا عام 2005 في كينيا.. وتزامن ذلك مع تراجع الرئيس عمر البشير عن السفر الي اسطنبول لحضور اجتماع منظمة المؤتمر الاسلامي نزولا علي الضغوط التي مارسها الاتحاد الاوروبي ضد انقرة لعدم استقبال البشير الملاحق من المحكمة الجنائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في اقليم دارفور. ولم يكن الوضع بأحسن حالا في حرب صعدة الدائرة منذ اشهر بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين حيث تزايدت المخاوف من تحولها الي حرب اقليمية بعدما ألقت السعودية بثقلها الي جانب الجيش اليمني ردا علي انتهاك الحوثيين لحدودها وقتل وأسر عدداً من الجنود السعوديين علي الحدود حتي لو نفته الرياض. ملفات عديدة ساخنة تعج بها المنطقة وتكاد تجعلها كرة من اللهب التي لا تحتاج الي اكثر من "عود ثقاب" وننتقل من الاجمالي الي التفصيل. المشهد الاول مساء الخميس الماضي اطل الرئيس ابو مازن عبر التليفزيون الفلسطيني في مشهد يذكر بسيناريو التنحي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر معلنا عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية الفلسطينية التي دعا الي تنظيمها في 24 يناير المقبل مبررا هذا القرار باحباطه ويأسه من ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما وعدم ضغطها بما يكفي علي الحكومة الاسرائيلية لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل المتوقفة منذ نهاية العام الماضي.. وقد جاء هذا التطور الدراماتيكي ليكشف عن عمق المأزق الذي يواجهه الفلسطينيون حيث فشل ابو مازن علي مدي ولايته الاولي التي جري تمديدها لمدة عام اخر في انجاز اي من وعوده للشعب الفلسطيني علي اساس برنامج المفاوضات التي يؤمن بها ويراها كفيلة لميلاد الدولة الفلسطينية المستقلة في مقابل برنامج العمل المسلح الذي تتبناه حركة حماس.. واغلب الظن ان ابو مازن الذي انتقل من فشل الي فشل خلال ولايته الاولي حيث لم ينجح في الحفاظ علي وحدة الصف الفلسطيني ووقع في محظور الاقتتال مع حماس وما تبعه من تقسيم الاراضي الفلسطينية الي دويلتين تحت الاحتلال في غزة ورام الله ادرك في لحظة صدق مع النفس انه - 74 عاما- لم يعد قادرا علي العطاء.. وانه آن الاوان ليمنح الفرصة لجيل جديد ربما ينجح فيما فشل فيه هو.. وربما يكون خليفة ابو مازن الاكثر قدرة علي قيادة سفينة النضال الفلسطينية هو مروان البرغوثي امين سر حركة فتح ومفجر الانتفاضة الاولي والذي سبق ان تنازل عن الترشح امام ابو مازن في الدورة الانتخابية التي اعقبت رحيل الزعيم ياسر عرفات. وما زال الشارع الفلسطيني غارقا حتي اذنيه فيما اذا كان ابو مازن يستعد لطي صفحته السياسية وفي التنبؤ او حتي التوقع بخليفته المحتمل وهو هل مروان البرغوثي ام احمد قريع رفيق النضال ام حتي محمود دحلان المعروف بعلاقاته الوثيقة مع اسرائيل وعدائه الشديد لحماس. المشهد الثاني تحولت الاتهامات المتبادلة الي لغة مشتركة بين شريكي الحكم في السودان (حزب المؤتمر الوطني بزعامة عمر البشير والحركة الشعبية بزعامة سيلفا كير) فتارة تتهم الحركة شريكها في الحكم بعرقلة صدور قانون الانتخابات وتارة اخري تعلق مشاركتها في البرلمان السوداني.. وتارة ثالثة تؤكد علي لسان احد قادتها ان الحديث عن السودان الموحد بات حديثا في الوقت بدل الضائع بما يعني ان مخططها لتقسيم السودان يسير نحو غايته بمباركة قوي دولية وغربية لا يسرها ان تري السودان موحدا ، وتتعجل تفتيته وتقسيمه والبداية من الجنوب حيث لم يتبق سوي صك عملة جديدة لاستكمال مظاهر السيادة علي حد قول قيادي بارز في الحركة الشعبية. وفيما تواصل الحركة الشعبية تشددها وإملاء شروطها واصل المجتمع الدولي الضغط علي الرئيس البشير وهو ما تجسد في تراجع الاخير عن السفر الي اسطنبول كما كان مفترضا الاثنين الماضي بعدما مارس الاتحاد الاوروبي ضغوطا هائلة ضد انقرة التي لا يزال حلم الانضمام الي القاطرة الاوروبية يداعبها وهو ما جعلها تتراجع عن استقبال البشير مما دفعه في النهاية الي الاعلان عن عدم السفر. كما مارست منظمات حقوق الانسان مثل "هيومان رايتس ووتش" ضغوطا ضد انقرة واعتبرت ان استقبالها للبشير المتهم بارتكاب جرائم ابادة في دارفور يشكل اساءة لصورتها في المحافل الدولية ولا يخدم هدفها نحو الانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي.. المهم ان تشكيك رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في ارتكاب جرائم في دارفور ودفاعه عن البشير لم يدفعه الي مخالفة مصالح بلاده وانتهي الامر بالاعتذار المهذب عن استقبال الرئيس السوداني. المشهد الثالث عبارة عن تصريح غريب ولكنه ملفت صدر عن الرئيس السوري بشار الاسد دعا خلاله انقرة الي تحسين علاقتها مع اسرائيل كي تتمكن من استئناف دورها في رعاية المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل ابيب بشأن استعادة هضبة الجولان. يذكر ان الفترة الاخيرة شهدت تقاربا وتعاونا ملحوظا بين دمشقوانقرة.. بالتزامن مع تراجع العلاقات بين الحليفين الاسرائيلي والتركي علي خلفية تنديد اردوغان بالعدوان الاسرائيلي علي غزة وانسحابه من منتدي دافوس - اثر مشادة ساخنة مع الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز وما تلي ذلك من استبعاد تركيا لاسرائيل من المشاركين في مناورات "نسر الاناضول" وهو ما اثار غضب الاسرائيليين وجعلهم يحذرون من تداعيات حليف استراتيجي في وزن تركيا. المشهد الرابع منذ اندلاع الحرب الخامسة في صعدة بين القوات اليمنية والمتمردين الحوثيين والروايات تتوالي من دعم السعودية لليمن للقضاء علي الحوثيين الشيعة الذين باتوا يشكلون شوكة في خاصرتي اليمن والسعودية معا من منطلق انهم شيعة يحظون بدعم ايران العدو التقليدي للوهابية التي تحكم السعودية .. لكن الخميس الماضي شهدت اول مشاركة علنية سعودية في الحرب الطاحنة التي كشفت عن عجز الجيش اليمني بعدما انتهك مسلحون حوثيون للحدود.. واعتدوا علي الامن السعودي وبعض المنشآت المدنية وهو ما اجبر الرياض علي الرد الفوري وطردهم من جبل الدخان. وبشكل عام ينظر الي هذا التطور الدرامي علي انه قد يشكل بداية النهاية للحرب في صورة.. او ربما يؤدي الي "اقلمتها" وجر اطراف اخري اليها في مقدمتها ايران والتي يري بعض المحللين ان اصابع طهران وراء ما يجري في صعدة ردا علي المواقف السياسية للمملكة التي لا ترضي ايران سواء فيما يتعلق بسياسات طهران ازاء العراق او لبنان. بل ان البعض وصف ما يحدث بانه حرب ايرانية ضد السعودية من الباب الخلفي. المهم ان الروايات لا تزال متضاربة بشأن ما يجري علي الحدود السعودية - اليمنية وهو ما يثير هواجس القادة السعوديين من منطلق ان المملكة لا يسعدها ان تري دويلة شيعية علي حدودها.. تماما كما اسرائيل بالنسبة لحزب الله.. ولا سيما انها يمكن ان تتحول الي مأوي لخلايا القاعدة التي تخوض الرياض ضدها حربا منذ سنوات بعيدة. ولا يستبعد ان تلجأ السعودية الي بناء سور عازل علي الحدود مع اليمن لمنع تسلل المسلحين والحوثيين. المشهد الخامس اخيرا انتصر العراقيون علي مرارات الماضي واجازوا قانون الانتخابات في الجمعية الوطنية العراقية وهو نسخة معدلة من قانون 2005 وجاء تمريره بعد توافق الكتل السياسية العراقية علي مستقبل مدينة كركوك الغنية بالنفط التي لا تزال مثار نزاع بين العرب والاكراد والتركمان. وقد جاء تمرير قانون الانتخابات المقررة في يناير المقبل بعد ولادة متعثرة اشرف عليها بنفسه السفير الامريكي لدي بغداد والامم المتحدة وهو ما يفتح الباب امام اجراء الانتخابات ورسم خارطة سياسية عراقية تمهد العراق لادارة شئونه بعد الانسحاب المزمع للقوات الامريكية في 2011 مثلما تنص الاتفاقية الامنية العراقية. المشهد السادس كان واضحا منذ اللحظة الاولي لمذبحة قاعدة فورت هود بتكساس وهي الاكبر للجيش الامريكي علي مستوي العالم ان الضغوط النفسية والعصبية هي البطل في هذه الحادثة بغض النظر عن جذور مرتكبها "الرائد نضال حسن" التي تعود الي فلسطين..وقد سبق ان حدثت وقائع شبيهة في القواعد الامريكية بالكويت لكن دعاة الدق علي طبول العنصرية سارعوا بالربط بين الضابط وجذوره الجغرافية "فلسطين" والدينية "الاسلام" بل ان هناك من ترك العنان لخياله ليقول انه كان يرتاد بعض المقاهي التي كان يجلس عليها منفذو هجمات 11 سبتمبر 2001.. ومن حسن الحظ ان المحققين الامريكيين قطعوا الطريق علي هواة الصيد في مياه "الكراهية والعنصرية.. حيث اكدوا ان بطل المذبحة لم يثبت انه ينتمي لاي من المنظمات الارهابية.. لكن هل يظل المحققون الامريكيون علي حيادهم ومواقفهم ام يأتي يوم ليتم تكييف القضية وتلبيسها للاسلام علي غرار الفوبيا التي اجتاحت العالم ولا تزال في اعقاب اعتداءات 11 سبتمبر وتفجيرات لندن.