وسط حالة من التوتر، أحيت جورجيا وروسيا أمس الأول الذكري الأولي للحرب التي دارت بينهما من أجل السيطرة علي أوسيتيا الجنوبية، الجمهورية الجورجية الانفصالية، علي خلفية تصعيد في التوتر في القوقاز يثير مخاوف الأسرة الدولية التي طالبت في هذه المناسبة بمساعدة عودة النازحين جراء الحرب إلي ديارهم، حيث أكدت منظمة العفو الدولية في تقرير لها أن آثار النزاع بين روسيا وجورجيا لاتزال واضحة، خصوصا في منطقة أوسيتيا الجنوبية، وطالبت بتدابير تسمح بعودة 30 ألف نازح. ووضعت القوات الروسية المنتشرة في أوسيتيا الجنوبية في حالة اليقظة الشديدة، في وقت دعا فيه الاتحاد الأوروبي كلا من روسيا وجورجيا إلي تهدئة حدة التوتر. وبمناسبة هذه الذكري، وقف الجورجيون والاوسيتيون دقيقة صمتا تكريما لضحاياهم كما ألقي كل من الرئيسين الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي والاوسيتي الجنوبي ادوارد كوكويتي كلمة. وجرت مراسم الذكري علي خلفية تصعيد في التصريحات بين روسيا وجورجيا اللتين تبادلتا في الايام الاخيرة الاتهامات بالقيام ب"استفزازات" وبالتحضير لنزاع جديد. ووضعت القوات الروسية المنتشرة في أوسيتيا الجنوبية في حال "التيقظ الشديد". واعرب الاتحاد الاوروبي عن قلقه حيال التوتر بين جورجيا وأوسيتيا الجنوبية وكثفت بعثة الاتحاد الاوروبي التي تشكل الوجود الدولي الوحيد في المنطقة دورياتها عشية موعد الذكري. واجري الرئيس الأمريكي باراك اوباما اتصالا بالرئيس الروسي ديمتري مدفيديف فيما اتصل نائبه جو بايدن بساكاشفيلي لحثهما علي لزوم الهدوء. وكانت جورجيا شنت هجوما ليل السابع الي الثامن من اغسطس 2008 لاستعادة السيطرة علي أوسيتيا الجنوبية. وردت روسيا بشن عملية عسكرية واسعة النطاق علي جورجيا. ونتيجة الحرب العنيفة والخاطفة التي استمرت خمسة ايام، اعترفت موسكو بأوسيتيا الجنوبية وابخازيا، الجمهورية الجورجية الانفصالية الاخري. وانتهي النزاع الذي اوقع مئات القتلي بوقف اطلاق نار تم التفاوض عليه مع الاتحاد الاوروبي. ومكنت هذه الحرب الخاطفة روسيا من اعادة تأكيد موقعها كقوة كبري في المنطقة حيث تسعي الولاياتالمتحدة لزيادة نفوذها. من جهتها، فقدت تبليسي خمس اراضيها وتبددت فرصها في الانضمام الي صفوف منظمة حلف شمال الاطلسي الذي كان يسعي اليه ساكاشفيلي المؤيد للغرب. وتواصل موسكو وتبليسي تبادل الاتهامات بالتسبب بنشوب النزاع. ومن المتوقع ان يصدر الاتحاد الاوروبي بحلول نهاية سبتمبر تقريرا حول اسباب النزاع. من جانبها، أعلنت النيابة الروسية في هذه الذكري نتائج تحقيقاتها في الحرب والتي أكدت أن جورجيا شنت الحرب علي منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية الموالية للروس "للقضاء علي الشعب الاوسيتي". وقال محققو النيابة في بيان ان "الادلة التي جمعت وحجم العداون الجورجي والاستعدادات العسكرية والسياسية والترويجية تسمح لنا بالقول ان هدف غزو أوسيتيا الجنوبية كان القضاء علي الشعب الاوسيتي". وتتهم النيابة مجددا "اعلي السلطات السياسية والعسكرية" في جورجيا ب"التخطيط" لهذه الجرائم. واضافت الوثيقة ان "التحقيق يكشف عددا كبيرا من انتهاكات حقوق الانسان والمواطن التي ارتكبها الجانب الجورجي بحق المدنيين في أوسيتيا الجنوبية والجنود الروس لحفظ السلام". من جهتها نفت تبليسي مجددا في تقرير ان تكون من بادر الي الحرب متهمة روسيا بمهاجمة جورجيا. وكتبت السلطات الجورجية في التقرير "في السابع من اغسطس 2008 شنت القوات المسلحة الروسية (...) هجوما كبيرا ومنسقا ومتعمدا علي جورجيا". واضاف التقرير ان "الحكومة الجورجية خلصت الي انه لم يبق امامها من خيار سوي اطلاق عملية عسكرية للتصدي لما تحول الي غزو كانت اهدافه تتجاوز خلافا حول منطقتين جورجيتين" انفصاليتين. ويري المحللون أنه عندما اضاءت القذائف والصواريخ سماء جورجيا في السابع من اغسطس 2008 لم يكن احد ليتصور فداحة الازمة التي ستنجم حول مصير منطقة أوسيتيا الجنوبية الصغيرة. ومن خلاف اقليمي كامن منذ سنوات تحول النزاع الي حرب ذات تداعيات جيوسياسية كبيرة ما ان اجتاحت القوات الروسية قسما من جورجيا ردا علي محاولة تبليسي استعادة أوسيتيا الجنوبية -المنطقة الجورجية الانفصالية-. ولم تتوقف القوات الروسية الا بعد ان وصلت علي بعد 30 كلم من العاصمة تبليسي. ولم يجد الجيش الروسي اي صعوبة في سحق القوات الجورجية في حرب خاطفة لم تتجاوز مدتها خمسة ايام تاركا المجتمع الدولي في حالة ذهول وجورجيا في حالة من الرعب. اما سكان أوسيتيا فقد استقبلوا الروس استقبال الفاتحين. واحتفظ الروس بعد انسحابهم طبقا لاتفاق لوقف اطلاق النار ابرم بوساطة اوروبية، بالسيطرة ليس علي أوسيتيا الجنوبية فحسب بل ابخازيا ايضا، تلك المنطقة الجورجية الانفصالية الموالية لروسيا، اضافة الي اقسام من الاراضي الجورجية المجاورة. وحتي اليوم ما زالت روسيا تتحدي الغرب بمنع المراقبين الاوروبيين من دخول المناطق المتنازع عليها، ومعارضة مواصلة مهمة مراقبي منظمة الامن والتعاون في اوروبا في المنطقة. وسارعت موسكو الي الاعتراف باستقلال المنطقتين المتنازع عليهما، اللتين لم يعترف بهما اضافة الي روسيا، سوي نيكاراجوا. وما زالت موسكو وتبليسي بعد سنة تتبادلان التهم باثارة النزاع ومضاعفة "الاستفزازات". ومن المتوقع ان يصدر الاتحاد الاوروبي قبل نهاية سبتمبر المقبل تقريرا حول اسباب النزاع. وهددت موسكو مجددا باللجوء الي القوة ضد جورجيا بينما تتهم تبليسي موسكو من جهتها بتشجيع "سيناريو خطير". لكن الحرب رغم الطابع الخاطف الذي تميزت به اتاحت لروسيا استعادة دور القوة الاساسية في منطقة تريد الولاياتالمتحدة توسيع نفوذها فيها. وسرعان ما تبدد الاستياء الكبير الذي ابدته واشنطن في اول الامر واستؤنف في يونيو التعاون بين روسيا والحلف الاطلسي الذي كان علق عقب الحرب. واعلن الرئيس الأمريكي باراك اوباما ان هدفه يتمثل في "تحريك" العلاقات الروسية الأمريكية. واذا كانت جورجيا تفادت الاسوأ في هذه الازمة وتجنبت الفوضي السياسية التي كان البعض يتوقعه لها، فان سمعتها تلطخت بسبب تورطها بما اعتبره كثيرون مغامرة عسكرية غير محمودة العواقب. واعتبر جيورجي خوتسيشفيلي مدير المركز الدولي للنزاعات والمفاوضات في تبليسي ان "الحرب كانت لها تداعيات كارثية علي جورجيا". واوضح ان "فرص استعادة وحدة اراضيها تراجعت ربما الي الابد، وبات انضمام جورجيا الي الحلف الاطلسي والاتحاد الاوروبي اقل احتمالا حيث لا يمكن للحلف الاطلسي ان يقبل دولة تضم علي اراضيها قواعد اجنبية". ويرجح الخبراء ان يعلق توسيع الحلف الاطلسي باتجاه اوكرانيا وغيرها من الدول في الوقت الراهن. وجرت سلسلة من المفاوضات في جنيف بين الروس والانفصاليين والجورجيين دون نتيجة تذكر.