في اول سابقة من نوعها في مصر وفي تاريخ وزارات الداخلية.. تقدم الوزارة هدية لكل اصحاب السيارات، بدلا من مطاردتهم بالمخالفات والغرامات واحكام السجن! وجاء اعلان وزارة الداخلية عن تقديم شنطة الاسعاف والمثلث العاكس مجانا لكل من لديه سيارة بدون تفرقة.. سواء كان من اصحاب ال"سيات" أو "ال128" او حتي "المرسيدس" و"الهامر" وجاء ذلك مفاجأة لا يتوقعها احد، ومثيرة ايضا لتساؤلات بلا حدود! اول هذه التساؤلات يدور حول من يتحمل التكلفة.. ولماذا.. وهل الامر يستحق بالفعل كل هذا العناء.. وما السر وراء هذا الكرم الحاتمي المفاجئ؟! بالنسبة لشنطة الاسعاف.. يبدو ان النص عليها في قانون المرور الجديد، تحول الي مأزق للوزارة، وكأن لزاما عليها ان تنفذ ذلك حتي بدون اقتناع، ورغم معارضة كل اهل العلم والخبرة. كل الاطباء واصحاب الرأي.. اكدوا ان محتويات الحقيبة الطبية لن تصمد امام حرارة الجو، وستفسد بسرعة.. والاهم: ان ضررها سيكون اكثر من اي نفع محتمل لان حوادث المرور غالبا مرتبطة باعراض لا ينفع معها الهواة.. او اي ادوات طبية، بل انه في حالات الكسور، من الخطأ علي المستوي العالمي، ان يحرك احد المصاب حتي لا يصيبه بمضاعفات قد تصل الي العاهات المستديمة او الشلل.. وبالتالي لا يقوم بذلك الا رجل الاسعاف المدرب. واذا حسبناها.. سنجد ان تكلفة الحقيبة وبكل التواضع وانتظار الرأفة من الشركة المنتجة، لن تقل مثلا عن 20 جنيها.. وبالتالي فان اهداءها لاربعة ملايين صاحب سيارة سيتكلف ما لا يقل عن 80 مليون جنيه. واذا تحدثنا عن العاكس.. سنجده بالفعل مفيدا لسلامة السائق عند تعطل السيارة في الليل.. وبالتالي لابد من الزام كل سائق بشرائه ومحاسبتنا عند مخالفة القانون. وهنا نتساءل : ما الداعي لتحمل الدولة او اي جهة اخري بما لا يقل عن 80 مليون جنيه اضافية علي الاقل قيمة العاكس المجاني.. وما هو المبرر ان تقدم وزارة الداخلية هدية لاصحاب السيارات الفارهة او حتي اي سيارة متواضعة؟! واذا كان اكثر من 160 مليون جنيه مبلغا حاضرا لدي وزارة الداخلية او غيرها من الممولين.. فلماذا لا يوجه لدعم مرفق الاسعاف لضمان وجود سيارة اسعاف مجهزة كل عدة كيلو مترات علي الطرق السريعة، وبما يضمن ايضا وصول السيارة بسرعة عند استدعائها ليقوم المسعف بواجبه الحقيقي بعيدا عن اوهام القدرات السحرية للشنطة اياها.. وذلك بدلا من ان نترك المصاب او المريض لمصيره حتي يلفظ انفاسه او تتأخر حالته حتي تصل سيارة الاسعاف! نتمني من وزارة الداخلية المثقلة بالاعباء والمسئوليات ان تعيد قانون المرور الي مجلس الشعب لاعفائها من بند شنطة الاسعاف الذي لا مبرر له، والذي سيحمل المواطنين - بعد فترة- عبئا جديدا، لتجديد محتويات الشنطة العجيبة؛ لان هدية الداخلية بالطبع، لن تتكرر! كما نرجو الوزارة اذا كان لديها فائض من مال او قدرة علي توفير دعم جديد لميزانيتها، ان توجهه الي تحسين احوال حراس الامن والعدالة، بدءا من عسكري المرور "الغلبان" او حتي للعلاج من توابع العمل طوال اليوم تحت الشمس ووسط التراب وعادم السيارات القاتل. كما يحتاج ايضا الي نظرة العناية وتحسين الاحوال، صغار الضباط الذين يعتمدون علي آبائهم غالبا في توفير جزء كبير من نفقاتهم الشخصية، وتحمل مسئولية بيوتهم عندما يتخرجون! عندما نرفض هدية وزارة الداخلية مع كل الشكر والتقدير لكل قياداتها، فاننا نريد ان نعفيها من مهمة غريبة ليست من اختصاصها، ولا نريد ان تتورط في اهداء ودعم الاثرياء مما يستحقه الكادحون. خاصة ان الامر في النهاية لا يستحق كل هذه الضجة او تمديد المهلة لشهور وشهور خاصة ان هناك قضايا اهم.. منها مثلا المشاركة في وقف نزيف الاسفلت الذي يحصد الارواح ويهدد السياحة والاستثمار.. وايضا ضبط مافيا الهجرة غير الشرعية التي تدمر شبابنا وتحولت الي لغز بلا حل! ببساطة: انسوا حكاية الشنطة التي تهدد غالبا صحة وسلامة اي مصاب.. وحاسبوا اصحاب السيارات علي المثلث.. واعانكم الله علي مسئولياتكم الاهم والاخطر في بلد يصحو كل يوم علي مشكلة او مأساة ويهدده الخطر ممن يتربصون به. وهذه المسئوليات يتهرب الكثيرون بالجهات الاخري، من القيام بدورهم فيها ويتركونها لكم، ليكون عليكم وحدكم، عبء المواجهة.. والمحاسبة ايضا!