حزبا الليكود انتصرا في الانتخابات الاخيرة. الليكود أ برئاسة بنيامين نتنياهو الليكود ب المسمي 'كاديما' برئاسة تسيبي ليفني. الاول ليكود ايديولوجي والثاني ليكود براجماتي. ولانهما كليهما نشآ من ذات العرق، ولان الليكود ب ظهر علي المنصة كمنشق علي الليكود أ فليس امام قيادته غير التمييز القاطع لنفسها عن الليكود أ. هكذا يقول المنطق التسويقي الاساس، وتسيبي ليفني تطبقه بنجاح لا بأس به. تمييز كاديما عن الليكود حيوي لاستمرار كاديما المستقل، بل واكثر من ذلك لكونه بديلا مستقبليا لقيادة الدولة. الاستراتيجية التجارية (عفوا علي التعبير) لليفني صحيحة إذن: التأكيد قدر الامكان علي الفوارق بينها وبين نتنياهو وتشديد وتعميق الفوارق بين الحزب الذي تقف علي رأسه وبين الحزب الذي يقف هو علي رأسه. بالنسبة لكاديما الانضمام الي حكومة نتنياهو هو خطوة تنافسية مغلوطة، تهدد مجرد وجوده. فبمرور ليس اكثر من عدة اسابيع من الجلوس تحت مظلة الليكود سيظهر كاديما ككتلة داخل الليكود الموسع وسيبتلع في الحركة التي اعيد توحيد اوصالها. تميزه سيختفي، والاشخاص الذين تذوقوا طعمه أي صوتوا له سيهجرونه في صالح أذواق اخري واحزاب اخري. سيكون هناك من سيعود الي الليكود أ، إذ لماذا يكتفون بالنسخة والتقليد فيما يمكنهم بذات السعر ان يحصلوا علي الاصل؟ وسيكون هناك من سييأسون من السياسة بشكل عام، وسيكون من يبحثون مرة اخري عن حزب الوسط الاسرائيلي الضائع. المكان الثابت لكاديما في المجال السياسي ليس مضمونا علي الاطلاق وبالاساس. السوابق في غير صالحه: ادخال حزب وسط جديد الي السوق الحزبية المكتظ لاسرائيل ارتدي حتي الان طابع الاقتحام العابر لمرة واحدة. احزاب الوسط التي نشأت في الثلاثين سنة الماضية اختفت عن الساحة بعد حملة انتخابية واحدة فقط. انزلت عن الرفوف بعد حملة المبيعات الاولي. لماذا حصل هذا؟ الجواب موجود في نمط السلوك الثابت لتلك الاحزاب بعد أن اكتست لحما انتخابيا: كلها انضمت الي الحكومات وكلها شطبت في داخلها. لمنشئي الاحزاب الوسط في الماضي كان ينقص طول نفس ضروري لاستقرار وترسيخ العلامة التجارية الجديدة، وفضلوا الانحشار تحت ظل العلامات التجارية القائمة. فقد ظنوا انه من خلال الشراكة في الائتلافات الحكومية والحصول علي الوزارات فانهم سيضمنون استمرارية احزابهم. حصل العكس: الطابع المميز للاحزاب تشوش والناخبون سارعوا الي معاقبتها علي عدم قدرتها علي الصبر والمواظبة في المعارضة. مؤخرا فقط ذاق هذا المصير المرير شينوي بقيادة تومي لبيد الراحل وحزب المتقاعدين بقيادة رافي ايتان أطال الله عمره. يخيل ان تسيبي ليفني استوعبت درس هذه السوابق. وهي تفهم بان انضمامها الي حكومة نتنياهو سيصفي فرص كاديما في ان تكون في المستقبل (القريب كما تأمل) ليس كشركة فرعية في مجموعة شركات 'الليكود محدود الضمان'، بل منافسا كاملا لها. كاديما ليس حزب أجواء. هذا حزب يعبر جيدا عن الاماني، الطموحات والمواقف للطبقة الوسطي الاسرائيلية، البرجوازية الاسرائيلية ذات الميول اليمينية الوسطي. هذه برجوازية متخمة نسبيا، ولكنها حساسة تجاه ازمة الضعفاء. هذه برجوازية طموحة ومبادرة، ملت التطرف، الرأسمالية منفلتة العقال ونزعة التزلف للجمهور. حقيقة ان هذه الطبقة صوتت لكاديما رغم مرض شارون، رغم تحقيقات اولمرت ورغم حربين غير ناجحتين حقا ادارتهما حكومة كاديما، يدل علي حيوية وضرورة اداة تعبير سياسية من نوع كاديما. بنيامين نتنياهو هو الاخر يفهم علي نحو ممتاز قواعد اللعب السياسية التسويقية. فهو خبير دولي في التسويق. وهو يتحدث بشاعرية عن حكومة الوحدة ولكن نيته الحقيقية هي ان يقيم من جديد المجمع المسمي 'الليكود الكبير' الذي فككه ارئيل شارون الي قسمين منفصلين ومتنافسين. نتنياهو مستعد لان يدفع الكثير مقابل دمج الليكود ب في داخل الليكود أ، شريطة الا يكون هذا دمجا بين متساوين بل سيطرة متفقاً عليها، متفقاً عليها من كاديما وقادته. هل تحليل السلوك الحزبي من زاوية نظر استراتيجية تنافسية تسويقية يتجاهل احتياجات الدولة في هذه اللحظة المصيرية؟ تماما لا. احتياجات الدولة وجدت تعبيرها لتوها في تصويت مواطنيها، والذي يسمح باقامة حكومة ضيقة برئاسة نتنياهو. من لديه اغلبية في الكنيست، لديه اغلبية في الشعب. في الديمقراطية لا توجد اغلبية اخري.