عدم احترام الحكومة للقانون يلقي بظلال من الشك علي موقفها ويؤكد أن هناك أمورا غير سوية وراء هذا الاتفاق في الوقت الذي يعاني فيه المصريون في المحافظات من نقص الغاز و تشتعل أسعار البنزين، وتغلق مصانع بحجة ارتفاع استهلاكها للطاقة؛ وفي الوقت الذي تحرم فيه إسرائيل أبناء " غزة الصامدة" من الكهرباء والغاز وتفرض عليها الظلام ، وتواصل حصار شعبها وتجويعه،تواصل الحكومة تبديد ثروة هذا الجيل وحق الأجيال القادمة من غاز مصر وتزود به إسرائيل، متحدية مشاعر الشعب ومعاناته ، ومتحدية في صلف وكبرياء حكم القضاء المصري بوقف تصدير الغاز المصري إلي الكيان الصهيوني، الذي لا يتواني كل يوم عن قتل الفلسطينيين وتشريدهم ، وتؤكد الحكومة بتصرفها أنها تبيع ما لا تملكه لمن لا يستحقه. ولا أعرف لماذا هذا الاصرار الحكومي علي تصدير الغاز إلي إسرائيل ، رغم صدور حكمين قضائيين بوقف التصدير وإصرار الحكومة علي رفع استشكال لوقف تنفيذ الحكم، مما يلقي بالكثير من الشكوك حول صفقة الغاز وأنها ضد مصالح الشعب المصري ، وأنها تمت بضغوط أمريكية وافقت عليها مصر لأسباب ليست لها علاقة بمصالح المصريين أو بالأمن القومي المصري. * كان الأجدي بالحكومة المصرية بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري الثلاثاء6 يناير الماضي" باستمرار تنفيذ الحكم الصادر منها في 18 نوفمبر 2008بوقف قرار الحكومة المصرية بتصدير الغاز إلي إسرائيل، مع إلزام الحكومة بتنفيذ الحكم بمسودته"أن تلتزم بالحكم ، حتي تؤكد أنها تعمل بالفعل لصالح المصريين ، وأنها تحترم الشرعية والقوانين، وتبطل ادعاءات البعض ممن تطاولوا علي مصر خلال أزمة " غزة" واتهموها بالتقصير في واجبها القومي تجاه القضية الفلسطينية، كنت أعتقد أن الحكومة المصرية ستري في حكم القضاء الإداري فرصة ذهبية لاتخاذ موقف أكثر فاعلية ضد العدوان الهمجي الإسرائيلي علي قطاع غزة، و توظيف الحكم لصالح الدبلوماسية، والضغط علي القيادة الأسرائلية ، وهنا سيكون ضغطا مبررا بحجة قانونية وإرادة شعبية مؤيدة لوقف التصدير. ولو فعلت الحكومة هذا لأمكنها تحقيق أكثر من هدف أولها تؤكد أنها بالفعل حكومة كل المصريين وأنها تحترم إرادة شعبها ، وتظهربمظهر المستجيب للضغط الشعبي الذي يطالبها بمواقف أكثر حسما ضد إسرائيل بسبب عدوانها الهمجي علي غزة، و أنها حريصة علي المصالح القومية، وتفويت الفرصة علي كل الفضائيات التي تنتقد أداء الدور المصري في الأزمة، واحترام القوي الشعبية التي تكاتفت واتبعت أسلوبا حضاريا في رفضها لتصدير الغاز إلي إسرائيل، عندما سلكت طريق القانون. ولكنني أشك في أن تفعل حكومتنا ذلك ، فهي لا يهمها رأي الشعب ، ولا القوي الشعبية الأخري مادامت تحظي بأغلبية صامتة في مجلس الشعب، حيث تمرر كل ما تريده ، وما لايريده المواطن المصري. *والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تجند الحكومة المستشارين القانونيين للدفاع عن قرارها في تصدير الغاز لإسرائيل، يدعي المسؤل والناطق الرسمي باسم الحكومة في مجلس الشعب إن الحكومة ليست معنية بهذه الإتفاقية، وأنها تمت بين شركات مصرية وإسرائلية خاصة، نافيا مسئولية الحكومة عن التصدير، وأن الذي يقوم بالعملية شركات خاصة، وهنا أتسائل: طالما الأمر لايعني الحكومة ، فلماذا تتعنت في تنفيذ حكم قانوني وتلجأ إلي التسويف ؟ وهذا في حد ذاته منتهي التخبط واللامبالاة بمصالح الشعب وعدم احترام للقانون، في الوقت الذي ندعي فيه سيادة القانون.! * ولم يقتصر الأمر علي المتحدث الرسمي باسم الحكومة والمدافع عنها في مجلس الشعب، بل شارك معه في الدفاع عن موقف الحكومة رئيس المجلس، الذي أفشل مشروع القانون المقدم من نائب رئيس كتلة الإخوان المسلمين حسين إبراهيم، حول حظر التعاقد علي تصدير أي من المواد والمنتجات الطبيعية إلا بعد موافقة مجلس الشعب. وقال رئيس مجلس الشعب إن مشروع القانون غير دستوري. رغم أن عدم دستورية مناقشة صفقة بيع الغاز المصري إلي إسرائيل مردود عليها _ كما يقول الدكتور يحيي الجمل أستاذ القانون الدستوري _ بأن الحكومة المصرية خالفت بنود الدستور عندما تصرفت في ثروة البلاد بعيدا عن رقابة البرلمان، معتبرا أن تصريحات مسؤولين حكوميين حول "سرية" الاتفاقية الموقعة بين القاهرة وتل أبيب بشأن الغاز، مخالفة دستورية كبيرة "لأن ثروة البلاد لا تعرف السرية" مضيفا أن "الحكومة تدير ثروة البلاد ولكن لا تملكها". * استماتة الحكومة بهذا الشكل وعدم احترامها للقانون يلقي بظلال من الشك علي موقفها ويؤكد أن هناك أمورا غير سوية وراء هذا الاتفاق، والدليل علي ذلك يتضح من المقارنة البسيطة في تعامل الحكومتين الروسية مع عقد تصدير الغاز إلي أوكرانيا ، وتعامل الحكومة المصرية مع عقد تصدير الغاز إلي إسرائيل ، فهناك اختلافاً كبيراً، سواء في طبيعة العقد أو تطورات التعديل، وهو أمر يدفع للتساؤل عن الدافع وراء التباين في التعاطي مع قضية تجارية بالدرجة الأولي ولها أبعاد سياسية في الحالة المصرية. بكلمات أخري، لماذا لم يبدَ الموقف المصري للرأي العام علي نفس القدر من الحسم الروسي في قضية تصدير الغاز؟ ويؤكد ذلك أيضا الفرق بين الموقف المصري ، والموقف الجزائري ، عندما قدمت الجزائر طلباً للتحكيم الدولي في عقد الغاز بينها وبين أسبانيا، بينما لم تفعل مصر، ويوضح وزير الطاقة الجزائري الفرق بين الحالتين، بقوله إن عقود الغاز المصري عقود سمسرة وليست عقودا تجارية. وهو نفس الفارق بين تعامل روسيا ومصر مع الغاز فعقد روسيا عقد تجاري يخضع لقواعد المكسب والخسارة، أما العقد المصري فعقد مشبوه، والدليل علي ذلك بمتابعة العالم لكل أحداث العقد الروسي في حين أن كل ما يتعلق بالصفقة المصرية، فهو سري ومعتم عليه. حيث تتعامل حكومتنا مع الأمر كأنه أمر سيادي لا يجب مناقشته ، مما يؤكد أنها تخضع لضغوط لإعطاء إسرائيل الغاز المصري، مع أن اتفاقية كامب ديفيد لا توجب علي مصر تصدير غاز لإسرائيل بأسعار زهيدة، ولكنها تجعل إسرائيل كأي دولة ترغب مصر في إعطائها الغاز حسب الأسعار الدولية. و الفرق في قيمة العقدين حيث تأخذ إسرائيل الغاز مقابل 1.25 دولار في حين تبيعه روسيا بحوالي 8 دولارات، وهو ما يضيع علي مصر الملايين من هذه الصفقة المشبوهة. * كان المفروض أن تستغل حكومتنا " الرشيدة!" صدور الحكم القضائي، للضغط علي إسرائيل لتعديل قيمة العقد وأن تستفيد من الضغط الشعبي المطالب بإلغاء الصفقة، ولكنها لم تتعامل مع العقد بشفافية ووضوح من البداية .