في وقت سابق من الشهر الماضي أعلن نادي لوس أنجليس جالاكسي الأمريكي موافقته علي إعارة لاعب خط وسطه ديفيد بيكهام إلي نادي أي سي ميلان الايطالي لمدة شهرين ونصف الشهر ابتداء من مطلع يناير المقبل، بعد أن كان قد فقد الأمل في الوصول إلي مرحلة التصفيات في الدوري الأمريكي. وانتقال بيكهام إلي ميلان، بكل ما لها من معني، هي محاولة اكتشاف إذا كان اللاعب سيكون صالحاً للمشاركة في منتخب انجلترا في المباريات المقبلة لتأهيلات نهائيات كأس العالم 2010، خصوصًا أن المدير الفني لمنتخب انجلترا فابيو كابيلو هو الذي أقنع المسئولين في ميلان بأن يستعينوا بخدمات بيكهام بعد أن شاهدهم في وقت سابق من هذا الشهر يفوزون بصعوبة علي نابولي الذي أكمل المباراة بعشرة لاعبين، لأنهم كانوا يفتقدون إلي لاعب يفتح اللعب علي الجانبين. ولا يمكن لميلان أن يخسر أي شيء، لأنه حصل علي لاعب محنك في مهنته، والذي سيبذل قصاري جهده لإحياء طموحاته بالمشاركة في نهائيات بطولة كأس العالم للمرة الرابعة علي التوالي. ولوس انجليس جالاكسي لا يمكن أن يخسر لأن بيكهام سيستطيع أن يصقل مواهبه ويبقي مهيأ للموسم المقبل بعد الحفاظ علي لياقته البدنية في واحد من أصعب بطولات الدوري في العالم. وكذا فإن المدير الفني لمنتخب انجلترا لا يمكن أن يخسر شيئاً لأنه استطاع أن يبعد بيكهام عن المتعة المريحة للدوري الأمريكي وعن ناديه ويقربه أيضًا عن البيئة التنافسية الكبيرة التي قد تكون الحكم النهائي علي منزلته الرفيعة في كرة القدم. وفي الواقع، فإن الجزء الكروي الخاسر من هذه المعادلة هو ديفيد بيكهام نفسه. إذ كانت لديه فرص كبيرة للمشاركة في أعلي المستويات في الدرجة الأولي في اندية الدوري الايطالي والمشاركة في بطولة دوري الأبطال للأندية الأوروبية. ولاستعادة نشاطه واثبات بأنه لا يزال لاعبًا منتظمًا وأساسيا في فريق فابيو كابيلو، فإن علي بيكهام أن يضع نفسه في مقام نجوم الكرة العالميين من أمثال كاكا ورونالدينيو. لكن هناك ايضاً فرصة لتعرض بيكهام لقسوة الواقع، وهي حقيقة أنه لم يعد يملك سمات التأثير علي الكرة العالمية، وبالتالي الاعتزال من اللعب لمنتخب بلاده في فترة قصيرة. وهذه هي مغامرة التي يستعين بيكهام باتخاذها باللعب لميلان. ومما لا شك فيه أن رسالة كابيلو ساعدته كثيرًا عندما أعلن أنه سوف لن يختاره للمباراة الدولية الودية ضد اسبانيا في شباط المقبل إذا كان لاعب الوسط لا يلعب أي مباريات منذ انتهاء الموسم الكروي الأمريكي. وكان المدير الفني لمنتخب انجلترا قد أعطي اشارة وهاجة لميلان حول اللاعب الذي اجبر نفسه علي العودة النادرة إلي القوة المطلقة التي كانت في ريال مدريد وبالتالي الاحتفاظ بمركزه في منتخب انجلترا إن كان ذلك علي أساس محدود للغاية في الآونة الأخيرة. ومشاركات بيكهام لاعباً بديلاً ولفترات قصيرة مع منتخب بلاده جعلته يتقدم شيئاً فشيئاً من الرقم القياسي لمشاركة بوبي مور مع منتخب انجلترا وهو 108 مباريات. وسيساوي بيكهام هذا الرقم إذا شارك مع منتخب بلاده في المباراة الدولية الودية أمام المانيا يوم 19 الجاري. هذا مع الإشارة إلي أن في مبارياته الأربع الأخيرة لعب بيكهام ما مجموعه 32 دقيقة فقط بما في ذلك الوقت بدل الضائع. وأدي هذا إلي تفجر ثورة السخط من أولئك الذين يؤمنون بذكري عظماء مثل بوبي مور والسير بوبي تشارلتون، والذي بدأ بيكهام بتلطيخ أرقامهم بالتقاط مشاركات رخيصة لنقشها بشكل بارز. وهذه النقطة مهمة وصحيحة جداً. ولكن هناك من لا يتفق معها. ذكري تشارلتون ومور هي في الحفاظ علي أي شيء الآن وأغلي من أي شيء تحت تصرف بيكهام، أنه الانتصار في بطولة كأس العالم لعام 1966 والمهتمون بكرة القدم العالمية جميعهم سيتذكرون مور وتشارلتون بحصولهما علي كأس "جول ريميه" وليس علي أساس كم عدد المباريات التي شاركا فيها مع منتخب بلادهما. والحقيقة أن هذه الخطوة المؤقتة للعب في ايطاليا هي محاولة واضحة لتمديد محاولة مشاركته في أكثر المباريات مع منتخب بلاده، وهذه ستزعجهم أكثر، ولكن لماذا يضيع بيكهام هذه الفرصة؟ بعد مراقبة طريقة إدارة كابيلو لمنتخب انجلترا في تصفيات التأهيل لنهائيات كأس العالم، فإن المرء سيكون علي يقين مطلق بأنه لا يختار بيكهام لطيبة قلبه، أو سحب آخر ما تبقي من أداء اللاعب من التسويق. ومن الصعوبة جداً أن يرفض بيكهام عروض كابيلو لمشاركته بديلاً ولو لفترات قصيرة جداً، فهو مدير فني، غير عاطفي وبارد وحذر وبلا رحمة. وإذا كان أحدهم يريد أن يتأكد من ذلك، فليسأل مايكل أوين! إنه اختار بيكهام لمنتخب انجلترا لأنه شعر بأن لديه ما يقدمه، كما يفترض أن اللاعب لا يزال الأفضل في تمرير الكرات من الركلات الثابتة، وهو يحتاج إلي معرفة المزيد، وعرض ميلان يمكن أن يقدم الأجوبة خصوصاً أن منتخب انجلترا سوف لن يلعب أي مباراة تنافسية دولية لمدة ستة أشهر وبيكهام يتأمل الآن نهاية الموسم الكروي الأمريكي. وإذا كانت لبيكهام نيات جادة للمواصلة مع منتخب انجلترا، وهو كذلك، لذا فإنه بحاجة إلي اللعب بشكل منتظم مع ميلان واستبيان بأنه ما زال قادراً علي عرض مهاراته علي رغم لعبه في دوري الولاياتالمتحدة الذي يعتبر من المستويات الأدني. وهذا هو عنصر المفاجأة، حين عرض عليه اللعب مؤقتاً مع ميلان، لكل من بيكهام وكابيلو وانجلترا. وقد يرد هذا علي منتقديه الذين شاهدوا طموحاته تتبعثر علي جانبي الطريق في اليابان والبرتغال والمانيا عندما لم يترك أي أثر ايجابي علي البطولات الكبري. وفي الواقع كان قد تم تجاهله بطريقة غريبة من قبل المديرين الفنيين السابقين زفن غوران اريكسون وستيف مكلارين وتظاهرا بأن عروضه لم تكن جيدة بما فيه الكفاية. ولكن بيكهام كان سفيراً رائعاً لانجلترا في جميع أنحاء العالم. وكان مقبولاً من قبل المشجعين الأجانب الذين كانوا يركزون كثيراً علي تحركاته، وكان لديه الوقت دائماً للمجاملة مع المشجعين الذين كانوا يحتشدون في مخيم التدريب لمجرد الحصول علي لمحة من قائد منتخب انجلترا السابق. ويستحق بيكهام الثناء أيضاً لما قام به. لقد اندمج مع أعضاء الفريق وكان سعيداً بأن يشارك ولو بجزء يسير مع منتخب بلاده بعد أن تنازل عن شارة الكابتن في بادن في عام 2006. وعندها وفي المؤتمر الذي عقده في المانيا بعد خروج انجلترا من نهائيات كأس العالم، لم يكن أحد يفكر أبداً ولثانية واحدة بأن بيكهام سيعود بعد أربع سنوات. إلا أنه لا يزال في فكر كابيلو، ولكن عمله في ايطاليا سيكون اختباراً حقيقياً ما إذا كان سيبقي في أفكار المدير الفني لمنتخب انجلترا من عدمه.