منذ فوز باراك اوباما في انتخابات الرئاسة الامريكية انطلق سيل التحليلات والتعليقات والتوقعات بتدفق لا مثيل له بما ان ما جري في الولاياتالمتحدة لا سابق له ايضا.. ما بين الاحباط الكامل والامل الخيالي تباينت التقييمات بصدد اعتلاء اول امريكي ملون البشرة في قول واسود البشرة في قول اخر سدة الرئاسة. والامر الذي اتفقت عليه اراء كثيرة هو ان تغيرا هائلا قد حدث في الوجدان الامريكي والعقل الذي ظل يعتبر التفرقة العنصرية خاصة بسبب اللون امرا عاديا وترسخ هذا الشعور في الضمير الامريكي فلم يعد يستنكر الاضطهاد علي قاعدة اللون او العرق او الدين.. وانعكس هذا السلوك علي جميع دول العالم عبر سياسات واعلام طاغ ومغرض وثقافة حملت اطفال الدنيا علي التصفيق فرحين مهللين عندما يصوب راعي البقر الامريكي نيران مسدسه بمهارة فائقة وسرعة مذهلة الي الهنود الحمر فيسقطهم كالفئران يتمرغون في دمائهم! النموذج الامريكي يحمل في ملامحه الخير والشر مثل كل شعوب العالم وقد دام الصراع مع اكتشاف القارة منذ بضع مئات من السنين واختلطت الاجناس والاعراق والالوان والديانات تنصهر في بوتقة الوطن.. صار الوطن الامريكي مبعث فخار وحقق المجتمع في هذه البقعة من العالم انجازات علمية مبهرة تحققت بتضافر الجهود في كل مناحي الحياة.. فالعالم الفذ يحتاج الي عامل النظافة والطبيبة المتميزة يستحيل أن تستغني عن الممرضة الي اخر العلاقات المتشابكة التي عندما تقوم علي اساس المواطنة تحقق المعجزات.. لكن معجزات امريكا كانت دائما تصطدم بنزعة بعض ابنائها، من النهمين الي الثروة والسلطة والاخطر من الهيمنة علي بقية الشعوب ونهب ثرواتهم ولهذا شوهت ما كان يتسم به "الحلم الامريكي" من مزايا وعناصر جذب.. وكلنا نعرف ان الادارات الامريكية المتعاقبة في العقود الاخيرة قد عاثت قتلا وتدميرا دونما اي رادع واستخدمت لذلك "ذرائع" خادعة ومكشوفة، لكن القوة والغطرسة والجشع، اصابت هذه الادارات بعمي البصيرة ولاسيما بعدما تصوروا انهم احكموا سيطرتهم علي الاغلبية الساحقة من الشعب الامريكي الذي "صدق" اكاذيبهم واغراهم ذلك بمزيد من تحدي كل القوانين والاعراف والمباديء وكانت وسيلتهم الرئيسية "تسويق" هذه السموم الرئيس الغارب جورج بوش، الذي اتمني ان يلقي جزاء جرائمه الكثيرة والفظيعة التي لا يتسع المقام هنا للخوض فيها لانها تحتاج الي مئات الكتب، لدرجة انه- اي بوش- خرج وسط ركام الاقتصاد الرأسمالي المتوحش "ليحذر"؟! من التخلي عن هذا النظام ويجدد ثقته فيه واعتقد ان موقف بوش وادارته من الازمة الاقتصادية الامريكية التي ضربت بقية الدول حتي اقرب حلفائه منها- قد اكد مدي ازدراء هذا الرجل لكل من هو خارج المحافظين الجدد. او الاحتكارات الرأسمالية الكبري التي حققت ثروات باهظة حتي من عملية "الافلاس" في البنوك وغيرها. وفي هذه الظروف بالذات رشح باراك اوباما نفسه ليس لاي منصب رفيع بل لارفع منصب في البلاد اي قرر اوباما ان يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة.. ربما اتهمه البعض بالجنون وربما سخر البعض الاخر وربما ضرب بعضنا كفا بكف من "تهور" هذا الرجل.. لكن اوباما الذي آمن بالحلم الامريكي الذي كان خاض التجربة وانتصر وهو ما يعني ان العالم كله في نقطة تاريخية فارقة ومن الاكيد ان من "احبطهم" فوز اوباما حتي لا نقول من اصابهم فوزه بالجنون، لن يلقوا اسلحتهم ويستسلموا بل ستكون المعارك ضارية وسيستخدمون فيها كافة الاسلحة التي يتقنون استعمالها خاصة القذر منها.. وعلي الذين شاركوا اوباما الامل بإحياء الحلم وطي صفحات الغزو والاحتلال والقصف المدمر والتهديد والوعيد الذي كان لغة بوش ومحافظيه الوحيدة، ان يعوا شراسة المرحلة وان المعركة لم تنته بفوز اوباما بل اقول انها بدأت.. فما حدث في الولاياتالمتحدة يعني ان الانسانية بدأت تتصالح مع نفسها.. الانسانية ستكون فعلا انسانية تحترم من يجد ويعمل ويخلص بغض النظر عن اية اعتبارات لا دخل له فيها.. وايا كانت التطورات بعد يوم الرابع من نوفمبر فإن صفحة جديدة قد فتحت في سجل حقوق الانسان الذي لم يخجل بوش من الابتزاز باسمه وحوله صور جوانتانامو وابو غريب واشلاء جثث اطفال ونساء العراق وافغانستان وفلسطين وكما تقول الحكمة الصينية ان طريق الالف ميل يبدأ بخطوة واحدة فما بالك لو كانت الخطوة بحجم وصول رئيس اسود الي البيت الابيض الذي سيكون ابيض بحق ربما لأول مرة بدخول باراك اوباما فيه ومن حقي ايضا ان احلم.