هل يعقد لهؤلاء المتعاقدين الجدد دورات تربوية تدريبية قبل الحاقهم بالعمل وكما هو مطبق عند التعاقد للعمل كعضو هيئة تدريس بالجامعات؟ من الواضح ان الاجابة ستكون بالنفي وانه لم يتلقوا اي دورات اعداد نفسي وتربوي للعمل كمدرسين؟ لم يكد يمر شهر واحد علي بداية العام الدراسي الا وادهشتنا اوضاع التعليم في مدارسنا، ولكنها هذه المرة لم تكن عجائب وطرائف ثقيلة الظل كما تعودنا وانما كانت كارثية لانها تطورت من الضرب والانتحار الي الموت، كما حدث في حالة وفاة الطفل اسلام عمرو علي يد معلمه في الفصل. وكانت تلك الحادثة هي الذروة التي يجب ان نتوقف امامها بالرصد والتحليل وإثارة الأسئلة حول اوضاع التعليم منها، لماذا تحولت العملية التعليمية في مدارسنا الحكومية الي ساحة قتال من قبل مدرسين يفتقدون الخبرة والإعداد التربوي فهم جميعا معلمون في منتصف العشرينيات من العمر وحديثو التخرج وحديثو ايضا العمل بالمدارس بالاضافة رغم انهم خريجو كليات التربية ويبدو ان سنوات التعليم الجامعي والمواد الدراسية التربوية التي درسوها لم تكن كافية او حتي لم تساهم في توفير الحد الادني من التفكير والعقلانية ومن ثم تغيير نمط السلوك لهؤلاء الطلاب الذين اصبحوا مدرسين، لذلك لابد قبل ان نشير باصابع الاتهام الي مؤسسات التربية والتعليم وكل مؤسسات التعليم الجامعي وعلي رأسها كليات التربية ونتساءل عن مئات الملايين من الدولارات التي خصصت لتطوير كليات التربية في الفترة الماضية وعن تطبيق برامج الجودة بهذه الكليات واين ذهبت؟ كذلك يجب الا نغفل حقيقة ان هؤلاء غير معينين بشكل دائم في المدارس وانما هم طبقا لانظمة التطوير الاداري الحالي يعملون بعقود مؤقته لسد العجز الموجود بالمدارس وهي للاسف ظاهرة موجودة بل وتتفاقم عاما وراء عام رغم وجود الالاف من خريجي كليات التربية كل عام حتي انني قرأت تصريحا مؤخرا لاحد وكلاء وزارة التربية والتعليم بمحافظة في الوجه البحري يقول ان عدد المتقدمين لشغل وظيفة مدرس يزيد عن المطلوب للعمل بنسبة وصلت الي ثلاثة اضعاف وان اكثر من 90% منهم هم من خريجي كليات التربية!! كادر المعلمين مسئول ايضا هنا يثور السؤال هل يعقد لهؤلاء المتعاقدين الجدد دورات تربوية تدريبية قبل الحاقهم بالعمل وكما هو مطبق عند التعاقد للعمل كعضو هيئة تدريس بالجامعات؟ من الواضح ان الاجابة ستكون بالنفي وانه لم يتلقوا اي دورات اعداد نفسي وتربوي للعمل كمدرسين حتي لو كانوا خريجي كليات تربية الامر الذي يجعلنا بالضرورة نطرح ضرورة تطوير نظام الامتحانات في كادر المعلمين والتي جرت لاول مرة في اواخر شهر اغسطس الماضي، لانه اتضح ان كل الحديث عن اهمية الكوادر في تطوير اداء المعلم المصري، هي مجرد كلمات للاستهلاك المحلي وان التطوير يتم بطريقة تكريس ثقافة الامر الواقع بل ساهم كذلك في تعميق واهمية نظام الامتحان النظري- الورقي في نظامنا التعليمي، بل العجيب اكثر ان وزارة التربية والتعليم رفضت اي حديث لتطوير نظام تقييم المعلم في الكادر فقد كان البعض من الاساتذة التربويين قد طالبوا بضرورة وجود امتحانات عملية لتقييم اداء المعلم داخل الفصل، لقياس مدي صلاحيته في ملكة التواصل مع التلاميذ داخل الفصل وقياس مهاراته الشخصية والنفسية في التعامل مع الطلاب وكلها مهارات لا يتم قياسها باختبارات نظرية وورقية فقط كما تم عندما اصرت وزارة التربية والتعليم علي موقفها وطبقت الامتحانات النظرية في الجزء التربوي، والان ما هو موقف قيادات وزارة التربية والتعليم بعد الحوادث الاخيرة، وهل ستعيد النظر في نظام كادر المعلمين الحالي؟ اعتقد ان الامر يحتاج الي مراجعة ضرورية قبل ان يستفحل الامر ويجب ان نستمع لكل الاراء لان التطوير ليس قضية شخصية وانما هو قضية تهم الجميع. يتبقي عنصر مهم فضحته الاحداث الاخيرة ألا وهي حالة الكره العميق للمدرسة والتعليم وان نظامنا التعليمي بشكله واوضاعه الراهنة التي يكرس فيها انماط التعليم بالقهر والاستبداد كان من نتيجته الوصول بالعلاقة بين الطالب والمعلم الي التصادم واستعمال جميع اشكال الضرب والركل والشلاليت. حالة كره مستحكمة فمناهجنا حتي لو طورت كما يدرسها الطلاب في بلدان العالم المتقدم بدون تطوير لنظام التدريس ونظام التقييم والامتحانات تصبح قضية بلا معني وللتدليل علي هذا الكلام ان كل الحوادث الاخيرة وقعت في مدارس تطبق النظام الجديد للتطوير الشامل الذي يتضمن 50% من درجات الطالب لادائه في الفصل بمعني انها بيد المعلم، ولاننا نستورد نظما بدون تدريب حقيقي لها تحولت للاسف الي اداة لفرض السلطة ولان المعلم المصري يعلم اهمية هذه الدرجات في ملفه الوظيفي وفي ملف الطالب بالتالي فهو حريص عليها ووجودها علي الورق، ولذا اضطر هؤلاء المدرسون الي اللجوء الي اساليب التعذيب السابقة لاجبار الطلاب علي اداء واجباتهم بدلا من ان يعاقبوا الاولاد بطرق اخري هم بالضرورة يمتلكون ادواتها فقد كان بامكان هؤلاء المدرسين وقبلهم ادارات المدارس و"الجيش العرمرم" من العاملين بوزارة التربية والتعليم من المتابعة الجيدة لكيفية تطبيق النظام الجديد وان هذا النظام يكفل في داخله وسائل عدة لعقاب المقصرين وعلي رأسها "سلاح الدرجات" ولكن للاسف هذه الكوادر لم تقتنع حتي الان بما يحدث من مقولات لتطوير التعليم واصبحت كل المفاهيم الكبيرة التي تتردد عن تطوير التعليم هي مجرد مصطلحات غامضة تدور علي شفاه المسئولين بدون ان تصل الي الواقع الميداني فكانت النتيجة هي الضرب والإهانة التي افضت الي الموت.. يضاف الي ذلك اي بجانب عوامل القهر والاستبداد غياب الانشطة والحوار داخل المدرسة واصبحت المدرسة بالنسبة للطالب مكاناً للايواء وهو مجبر علي الذهاب اليه ولا يجد فيه اي متعة حقيقية يمارسها، وبالتالي تحول هذا القهر الي سلوك سلبي لدي البعض بتمردهم علي ما تطلبه المدرسة او المعلم ولم يجد كلا الطرفين وكلاهما مقهور اداريا واجتماعيا ونفسيا واقتصاديا الا الضرب والاهانة ليعبر كل منهما عن كرههما للعملية التعليمية وما يجري فيها فحدث ما حدث. ان الحدث جلل وينبغي ان نتوقف عنده كثيرا ليس بقصد التشويه لاوضاع مليون معلم و17 مليون تلميذ يدرسون في مدارسنا ولكن لان الوضع جد خطير ينبيء بزلزال كبير قادم داخل مؤسساتنا التعليمية.