صدر العدد الخامس من دورية "رؤي عربية Arab Insight"، والتي يصدرها معهد الأمن العالمي بواشنطن، وهو الهيئة البحثية غير الحكومية التي يصدر عنها تقرير واشنطن من العاصمة الأمريكية. وتُعد دورية "رؤي عربية"، التي تصدر باللغة الإنجليزية، الأولي من نوعها التي يكتبها باحثون ومتخصصون من مختلف الدول العربية، وتُوزع علي مختلف دوائر صنع القرار الأمريكي المهمة والنافذة مثل كبريات وسائل الإعلام الأمريكية، ومراكز الأبحاث المتخصصة، وأعضاء ومساعدي لجنتي العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والعلاقات الدولية بمجلس النواب، وإدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، والبيت الأبيض. وسيتم توزيعها علي أساتذة وطلاب دراسات الشرق الأوسط، والدراسات الإسلامية بمختلف الجامعات الأمريكية. وتهدف دورية "رؤي عربية" إلي أن تكون منبراً جديداً ومحايداً للتحليلات العربية المستقلة داخل العاصمة الأمريكية. فعلي الرغم من تعدد وتنوع مراكز الأبحاث والرأي المتخصصة بالولاياتالمتحدة ، وتزايد عدد النشطاء الأمريكيين من أصول عربية، وممثلين للحكومات العربية، يغيب الصوت العربي العاكس لنبض وفكر الشعوب العربية داخل العاصمة الأمريكية، فهو ما زال شيئاً مفقوداً. رسائل عربية للرئيس الجديد حاولت "رؤي عربية" عبر أعدادها السابقة الوقوف علي مظاهر ومصادر الخلل في العلاقات العربية- الأمريكية من خلال طرح عدد من التساؤلات المهمة ذات الصلة، ومن خلال مداخل عدة. وهذا العدد من "رؤي عربية" يحاول انتهاز اللحظة الأمريكية الراهنة للانتقال من إدارة الرئيس جورج بوش الابن الجمهورية، والتي ارتبط اسمها بسياسات الحرب ضد الإرهاب، وحربي أفغانستان والعراق واللتان أثارتا _ ولاتزال- جدلا شديدا داخل العالم العربي والإسلامي وداخل الولاياتالمتحدة أيضا، إلي إدارة أمريكية جديدة، للحصول علي إجابات عربية علي سؤال: ماذا يريد العرب من الإدارة الأمريكية القادمة. وقد طلبت "رؤي عربية" من كتاب هذا العدد رصد سلبيات/ إيجابيات الإدارة الأمريكية الراهنة، ثم وضع تصوراتهم - من وجهة نظرهم- لما يجب أن تقوم به الإدارة القادمة للتعامل مع أخطاء الإدارة الراهنة من ناحية، وعلي نحو يساهم في تحسين العلاقات العربية- الأمريكية من ناحية أخري. لقد كشفت مقالات العدد عن وجود توافق عام بين الكتاب علي أن الإدارة الأمريكية الراهنة قد وقعت في الكثير من السلبيات، سواء فيما يتعلق بملف العراق، أو السودان ودارفور، أو مسألة نشر الديمقراطية، أو قضية الدبلوماسية العامة، أو إدارة العلاقة مع سوريا ...الخ، علي نحو ساهم في تحول جميع تلك القضايا إلي محاور أو مصادر أساسية لتدهور صورة الولاياتالمتحدة في المنطقة العربية، وتغذية الإدراكات العربية السلبية للولايات المتحدة ولأهداف السياسة الأمريكية حيال تلك القضايا، علي نحو حال دون تعاون العالم العربي- شعوبا وحكومات- مع إدارة بوش لإنجاح هذه السياسة. وعلي الرغم من التفاوت النسبي في مضمون السياسات التي اقترحها كتاب العدد علي الإدارة الأمريكيةالجديدة للتعامل مع مختلف قضايا الشرق الأوسط، إلا أن ما جمع بينهم هو ضرورة إدخال تغييرات جوهرية علي هذه سياسات إدارة بوش. وعلي العكس من الكثير من التحليلات التي ذهبت إلي أنه في حالة نجاح ماكين فإن إدارته سوف تشكل امتدادا لإدارة بوش القائمة ومن ثم لن تكون هناك تغييرات جوهرية علي السياسات الأمريكية في المنطقة، فقد ذهب بعض كتاب هذا العدد إلي أنه حتي في حالة نجاح ماكين فإن تغييرات مهمة سوف تطرأ علي السياسة الأمريكية في المنطقة، بل وتحدثوا عن "حتمية" هذا التغيير. ويستند هؤلاء إلي أن حزمة الملفات السياسة والأمنية المهمة التي واجهت إدارة بوش منذ عام 2001 (المشكلة الأفغانية، ملف العراق، أزمة البرنامج النووي الإيراني، الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، العلاقة مع روسيا، الإرهاب الدولي، أزمات الطاقة والاحتباس الحراري ..الخ) لازالت قائمة، ولازال الإنجاز الذي حققته إدارة بوش بشأنها محدودا، الأمر الذي يعني في التحليل الأخير عدم فعالية السياسات التي اتبعتها إدارة بوش إزاء هذه الملفات. ولا يعول هؤلاء كثيرا علي خطابات وتصريحات كلا المرشحين، ماكين أو أوباما، ويذهبون في ذلك إلي أن هذه الخطابات أو تلك التصريحات لن تشكل محددات حقيقية للسياسة الخارجية لأي منهما في حالة نجاحه، بينما ستشكل الملفات السابقة المحددات الموضوعية الحقيقية لهذه السياسة. ويستشهد هؤلاء بخبرة بعض الإدارات الأمريكية السابقة في هذا المجال. تأكيد عربي علي ضرورة التغيير ويمكن القول إن هناك توقعات عربية إلي حد ما بإمكانية إدخال تغييرات إيجابية مهمة علي السياسة الأمريكية تجاه قضايا المنطقة. وفي هذا الإطار، فقد انتهي صلاح نصراوي، استنادا إلي الحصيلة السلبية للسياسة الأمريكية خلال سنوات خمس، باقتراح وضع العراق تحت الوصاية الدولية المؤقتة بإشراف الأممالمتحدة، علي أن يتم خلالها إطلاق عملية سياسية جديدة تعيد هندسة البناء العراقي وفق أسس جديدة، وتنتهي بإنهاء الاحتلال بكل صوره. ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للنصائح المقدمة بخصوص القضية الفلسطينية، فقد اقترح د. سمير غطاس خيارين كبيرين علي الإدارة القادمة، الأول هو ما أطلق عليه "التحول من نظرية الضغط الأمريكي علي إسرائيل إلي نظرية الضمانة- التسوية"، بمعني تحول الولاياتالمتحدة من الضغط علي إسرائيل لقبول المفاوضات والتسوية إلي تقديم حزمة من الحوافز والضمانات الأمنية لإسرائيل وربط هذه الحزمة بعملية تسوية تقوم علي إنشاء دولة فلسطينية مستقلة محدودة السلاح يضمن أمنها وأمن إسرائيل معا طرف ثالث مثل الأممالمتحدة أو حلف الناتو، وأن تنضم الدولتين (إسرائيل وفلسطين) إلي نظام أمن إقليمي أو جماعي. الخيار الثاني هو خيار "التدويل"، تقوم خلاله السلطة الوطنية الفلسطنية، في إطار توافق عربي- أمريكي، بحل نفسها طواعية والمطالبة بوضع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 تحت سلطة نظام الوصاية الدولية لمدة زمنية محدودة وغير قابلة للتمديد، وتشكيل مجلس وصاية دولي، تشرف من خلاله القوات الدولية علي الانسحاب الإسرائيلي التدريجي حسب برنامج مقرر، ودعم عملية بناء وتطوير المؤسسات والاقتصاد الفلسطيني بما ينتهي في النهاية إلي إعلان مؤكد عن إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة القادرة علي الحياة بجانب دولة إسرائيل. وفيما يتعلق بالعلاقة مع السودان ومشكلة دارفور، وضع د. خالد التيجاني النور عددا من النصائح للإدارة الجديدة تدور حول ضرورة إعادة ترتيب الأولويات والوسائل بصورة أكثر بارجماتية، ويستشهد المقال هنا بما حدث مع إدارة بوش الأولي، إذ يري أنه لو لم تقم تلك الإدارة بإعادة النظر في سياسة الاحتواء والعزل التي طبقتها إدارة كلينتون، وتحولها إلي سياسة تقوم علي التواصل الإيجابي مع نظام البشير لما كان من الممكن التوصل إلي وضع نهاية للحرب الأهلية في الجنوب. وينصح التيجاني الإدارة القادمة أيضا بضرورة الانطلاق من أن البشير يرغب بالفعل في تطبيع علاقاته مع الولاياتالمتحدة، ويدرك أيضا فداحة تكلفة استمرار الصدام معها، وأن ما اعتبرته إدارة بوش مماطلة ومناورة من جانب نظام البشير إنما يعود في الحقيقة إلي شعوره بالإحباط بسبب عدم حصوله علي أية حوافز حقيقية من إدارة بوش رغم تعاونه الاستخباراتي والأمني معها في إطار الحرب ضد الإرهاب. ويؤكد التيجاني أنه رغم الخلفية الإسلامية لنظام البشير، يجب أن تدرك الإدارة الجديدة الطابع البارجماتي لهذا النظام واستعداده لمراجعة الكثير من أطروحاته، ولعل عملية تسوية أزمة الجنوب تقدم برهانا مهما علي ذلك، والتي تعد في جوهرها تعبيرا عن قبول نظام البشير بإعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الدين والدولة في السودان، من خلال القبول بإطار للتسوية يسمح لجنوب السودان بالخروج من دائرة التشريعات الإسلامية. وبهذا المعني، ينصح التيجاني بان أي تعامل للإدارة الجديدة مع نظام البشير من منظور الحرب ضد الإرهاب، أو من منظور مواجهة الأنظمة ذات التوجهات الدينية لن يكون دقيقا ولن يكون مفيدا. وأخيرا ينصح التيجاني بعدم هدم الأطر التي تم التوصل إليها في مجال تسوية المشكلات السودانية، خاصة مشكلة الجنوب. ونترك للقارئ التعرف علي باقي النصائح والرؤي العربية للإدارة الأمريكية القادمة بخصوص باقي قضايا الشرق الأوسط ذات الأهمية من وجهة النظر العربية. عن "تقريرواشنطن"