لا يتصور أحد أن يخرج الأسطول الروسي من سيفاستوبل بسهولة ليحل محله حلف الناتو استخدمت موسكو مع أوكرانيا سياسية النفس الطويل والمساومة والضغوط علي مدي عامين منذ أن بدأ قادة الثورة البرتقالية في كييف يستخدمون أساليب الابتزاز والمضايقة والتحرشات مع روسيا، ابتداء من إعلان كييف نيتها للانضمام لحلف الناتو، ووصولا إلي قرار الرئيس الأوكراني زعيم البرتقاليين يوشينكو طرد الأسطول الحربي الروسي من قاعدة سيفاستوبل التي تستأجرها روسيا من أوكرانيا علي البحر الأسود، وانتظرت موسكو من كييف أن تنضبط في تعاملاتها مع روسيا ولا تنجرف وراء التدبيرات الغربية لمحاصرة روسيا، ولكن الأمور زادت، ولكن أيضا في نفس الوقت كانت الخلافات تتفاقم بين قادة البرتقاليين وتزداد حدة بمرور الوقت، حتي وصلت إلي حد الصدام الواضح، فأصبح طرفا الصراع في كييف هما الرئيس يوشينكو ورئيسة الوزراء تيموشينكا. موسكو التي راقبت الأوضاع عن بعد رأت أن الوقت مناسب للتدخل والضغط، فقد نبه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف نظيره الأوكراني فيكتور يوشينكو في لقائهما في منتدي سانت بطرسبورغ الاقتصادي يوم السبت الماضي إلي احتمال مضاعفة سعر الغاز الروسي المصدر لأوكرانيا في عام 2009. وعرض ميدفيديف علي كييف، دفع 400 دولار عن كل ألف متر مكعب بدلا من السعر الحالي البالغ 180 دولارا، ومما لا شك فيه أن هذا السعر الذي عرضه ميدفيديف علي يوشينكو أكبر بكثير من الأسعار المتعارف عليها في رابطة الدول المستقلة حاليا، إذ حتي جمهوريات البلطيق التي هي أشد خلافا من أوكرانيا مع موسكو تشتري الغاز بسعر 360 دولارا. هذا التهديد الروسي الصريح يشكل ردا علي ممارسات فيكتور يوشينكو، وموقفه من الأسطول الحربي الروسي في ميناء سيفاستوبل وكذلك دعوته لتأسيس "كارتيل" لنقل الغاز من وسط آسيا وبحر قزوين إلي أوروبا متجاوزا لروسيا. وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي لم يتدخل أبدا في المفاوضات التجارية المتعلقة بالغاز، أن "سعر الغاز بالنسبة لأوكرانيا سيزداد اعتبارا من 1 يناير عام 2009 بما يقارب الضعف". إلا أن فيكتور يوشينكو دحض تصريح الوزير الروسي. وأكثر من ذلك قال يوشينكو للصحافيين إنه لم يجر خلال اللقاء مع الرئيس الروسي التطرق إلي أسعار الغاز أبدا، لأنه "لا تجري في الوقت الحاضر مفاوضات بهذا الشأن". ومع ذلك لا تنفي "غازبروم" خبر مضاعفة السعر. وأكد الناطق باسم الشركة أن "كافة المواطنين في أوكرانيا يفهمون أن روسيا ستبيع الغاز عاجلا أو آجلا، بأسعار عالية جدا، ولن تكون هناك أي تسهيلات بسبب الماضي المشترك. وكلما أسرعنا في دفع السعر الحقيقي للغاز، تكون علاقات بلدينا سليمة أكثر". هذا الأسلوب من جانب موسكو قد يصفه الغرب بأنه ابتزاز واستخدام للطاقة في السياسة، لكنهم يتجاهلون أن دولا أخري كثيرة في العالم تطالب روسيا بأن تبيع الغاز لجميع الدول بسعر واحد ولا تميز بين أحد، وبالتالي فإن أحدا لا يستطيع أن يلوم روسيا إذا باعت لجيرانها الغاز بالسعر العالمي، خاصة وأن جيرانها هؤلاء أثبتوا أنهم أقل بكثير في الوفاء لها من الآخرين. موقف روسيا هذا سيشكل ضربة قاصمة للبرتقاليين في أوكرانيا، حيث بدت رئيسة الحكومة تيموشينكا التي كانت ألد البرتقاليين عداء لموسكو، بدت وكأنها تتقرب من موسكو أكثر بعد انقسامها علي الرئيس يوشينكو، ويتوقع البعض أن تذهب تيموشينكا لتعقد تحالفا مع رئيس حزب المناطق فيكتور يانكوفيتش الموالي لموسكو، وهكذا تسير الأمور لصالح موسكو، ولا يبقي من شعارات الثورة البرتقالية التي دعمتها واشنطن بقوة طيلة الأعوام الثلاثة الماضية سوي آمال يصعب، بل ربما يستحيل تحقيقها، حيث إنه لا يتصور أحد أن يخرج الأسطول الروسي من سيفاستوبل بسهولة ليحل محله حلف الناتو، ومن المؤكد أن الشعب الأوكراني نفسه لن يقبل ذلك.