قرار جمهوري.. تعيين 4 أعضاء جدد بمجلس أمناء التحالف الوطني    تراجع طفيف لأسعار الدواجن اليوم الخميس في الأسواق (موقع رسمي)    توجيهات عاجلة من محافظ الجيزة بشأن المعديات والعائمات خلال عيد الأضحى 2024    استمرار تلقي طلبات التصالح في الفيوم    تجربة مبادرة "صحة المرأة" ضمن جلسات مؤتمر "صحة أفريقيا".. ماذا حققت؟    استشهاد 3 فلسطينيين خلال محاولتهم مداهمة قاعدة عسكرية إسرائيلية    المستشار الألماني يؤيد ترحيل المجرمين الخطرين إلى أفغانستان وسوريا    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    بحماية الاحتلال.. مستوطنون إسرائيليون يواصلون مهاجمة المسجد الأقصى    إسبانيا تنضم لجنوب إفريقيا في دعوها بالعدل الدولية ضد إسرائيل    "اقتراب عودته بعد غياب 136 يوما".. ماذا حدث في آخر مباراة لمحمد الشناوي مع منتخب مصر؟    إصابة 3 أشخاص في انقلاب ملاكي بقنا    «تعليم المنوفية»: لا وجود لأي شكاوي من امتحانات الثانوية الفنية    انزلقت قدماه وسقط بين الرصيف والقطار.. مصرع مواطن بسوهاج    قافلة طبية مجانية بمركز طامية بالفيوم.. لمدة يومين    البيئة ونقابة الصحفيين يوقعان بروتوكولا لرفع الوعي البيئي بالقضايا البيئية المختلفة    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    رفضت العودة له.. تفاصيل التحقيق مع المتهم بإلقاء مادة ك أو ية على طليقته    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    عيار 24 الآن.. أسعار الذهب اليوم الخميس 6-6-2024 في محافظة قنا    قبل التغيير الوزاري، سويلم يقدم كشف حساب لوزارة الري على هامش المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    تعليق مثير من شوبير عن محمد أبو تريكة وشيكابالا.. ماذا قال؟    تحرير 1265 مخالفة عدم تركيب الملصق الإلكتروني ورفع 40 سيارة ودراجة نارية متروكة    ليلة بكت فيها سميحة أيوب.. الأوبرا تكرم سيدة المسرح العربي (بالصور)    عميد تجارة عين شمس: التعاون الثقافي والعلمي مع الجامعات الفرنسية مهم للجانبين    استقرار أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 6 يونيو 2024    الصحة العالمية تعلن أول وفاة مرتبطة بسلالة إنفلونزا الطيور (إتش5 إن2) بالمكسيك    اليوم ختام امتحانات الدبلومات الفنية فى شمال سيناء    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وسيارة ملاكي بشبرا بنها الحر    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شوارع القاهرة والجيزة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ مشروعات الطرق والمحاور بالقاهرة الجديدة    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة والفترة الماضية شهدت انخفاضا فى الأسعار    خالد النبوي يبدأ تصوير مسلسل حالة إنكار.. تعرف على تفاصيله كاملة    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    مستشفى شهداء الأقصى: 141 قتيلا وصلوا للمستشفى فى آخر 48 ساعة    بدء التصويت فى انتخابات البرلمان الأوروبى العاشرة فى هولندا    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    محمد عبدالجليل يعلق على مباراة مصر وبوركينا فاسو    531 ألف جنيه، إجمالي إيرادات فيلم تاني تاني    نجم الإسماعيلي: تلقيت عروضًا من الأهلي والزمالك.. وهذا قراري    رجل الأعمال باسل سماقية يحتفل بخطبة ابنته (صور)    لماذا اخفى الله قبور الأنبياء إلا قبر سيدنا محمد؟ أمين الفتوى يجيب    واجبات الحج الأربعة.. معلومات وأحكام شرعية مهمة يوضحها علي جمعة    الأزهر للفتوى: الاجتهاد في السعي على طلب الرزق في الحر الشديد له ثواب عظيم    رئيس جامعة سوهاج يتسلم جائزة مؤسسة الأمير محمد بن فهد لأفضل إنتاج علمي    بوسي تستعرض جمالها في أحدث ظهور لها والجمهور يعلق (صور)    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    إبراهيم عيسى: تكرار الأخطاء جريمة بحق التاريخ.. لم نتعلم من الأحداث    مصادر: خطة لرفع أسعار الأدوية بنسبة 30%    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «شماريخ» تحت شعار «تحيا المقاومة لتحيا فلسطين» (تفاصيل)    هشام نصر يكشف مفاجأة: الزمالك لم يتم التعاقد مع محترف فريق الطائرة حتى الآن    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    تنسيق الثانوية العامة محافظة الشرقية 2024-2025 بعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية (التوقعات)    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها عند الذبح    البابا تواضروس: أخبرت نائب محمد مرسي عن أهمية ثقة المواطن في المسئول فصمت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بشير" الإسرائيلي يفضح مذابح صابرا وشاتيلا .. و"آن ماري" الفلسطينية تسيء لقضيتها بجهلها!
نشر في نهضة مصر يوم 22 - 05 - 2008

أراد مهرجان "كان" أن يعوضنا عن حالة الإحباط والاكتئاب والملل التي انتابتنا بعد فيلم الافتتاح "العمي" الهزيل، بالخير الوفير، فإذا به يتحفنا عقب عرضه مباشرة بمجموعة من أقوي الأفلام التي شاهدناها في المهرجان الذي نتابع أعماله منذ عام 1982، ومن ضمنها مجموعة من الأفلام السياسية البارزة نرشحها للحصول علي جوائز من بينها فيلم "فالس مع بشير" الذي يمثل إسرائيل في المسابقة الرسمية، ونرشحه للحصول علي سعفة "كان" الذهبية"، فقد هزنا وحرك مشاعرنا الي حد البكاء مثل اليتامي في نهاية الفيلم، وفيلم "جوع" السياسي المذهل للبريطاني ستيف ماكوين الذي افتتحت به تظاهرة "نظرة خاصة" أعمالها، ونرشحه للحصول علي جائزتها وجائزة "الكاميرا الذهبية"، وفيلم "عمورة" الايطالي لماتيو جارون الذي نرشحه من الآن للحصول علي الجائزة ألكبري، ويحكي عن "الكامورا" أي المافيا النابوليتانية نسبة الي مدينة نابولي كما هزتنا مجموعة أخري من الأفلام الاجتماعية التي عكست بقوة مشاكل ومتناقضات مجتمعاتنا، وكشفت عن عصرنا بأهواله وحروبه وكوارثه، وتوهجت مثل كوكبة من الشموس الصغيرة مثل فيلم "ليونيرا" الاثير لبابلو ترابيرو من الارجنتين، وفيلم "3 قرود" الفني الفذ لنوري بياج سيلان من تركيا وفيلم "صمت لورنا" الإنساني العميق للأخوين داردين من بلجيكا.
وكنا قبل أن نعرض لمجموعة الأفلام المذكورة، شاهدنا فيلم "ملح هذا البحر" للفلسطينية آن ماري جاسر، الذي وعلي الرغم من مشاركة الممثل الأمريكي الكبير داني جلوفر مع مجموعة كبيرة من شركات الإنتاج والمؤسسات الثقافية العالمية في دعمه وإنتاجه، والاحتفالية التي رتبت في "كان" لاستقباله من العرب المتواجدين من نقاد وسينمائيين وصحفيين للاحتفاء به قبل عرضه، وبانتظار أن تنطلق مباشرة تلك الاحتفالية بعد عرض الفيلم مباشرة من منطلق أنه الفيلم الوحيد مع فيلم "بدي شوف" اللبناني الذي تم اختياره للعرض في قائمة "الاختيار الرسمي"، وهو يمثل بالتالي السينما العربية "الرسمية" خارج دائرة الأفلام العربية التي تعرض في "سوق الفيلم" في المهرجان.. جاء "ملح هذا البحر"، الذي لم يعجبنا علي الإطلاق، ساذجا ومباشرا ومحبطا ورديئا للغاية، وخال من أي فن للأسف.. غير فن التصوير السينمائي في الفاضي وسنشرح هنا أسباب فشل الفيلم في أن يستحوذ علي إعجابنا، وأغلب الظن أنه لم يكن يستحق أن يعرض في المهرجان، ولاشك ان الاحداث السياسية التي تمر بها المنطقة وحصار غزة واحتلال فلسطين، فرضت بقوة اختياره للعرض في تظاهرة "نظرة خاصة " علي هامش المسابقة الرسمية، وربما يرجع السبب إلي غياب أي أفلام عربية جيدة تستحق العرض في المهرجان الكبير.. و"ملح هذا البحر" وياله من عنوان شاعري جذاب علي الفاضي أيضا يسرد علينا حكاية الفتاة الامريكية الفلسطينية "ثريا" (28 سنة) التي ولدت وعاشت وتربت في حي بروكلين في نيويورك، حيث هاجرت عائلتها إلي الحي عام 1948 واستقرت هناك.. ونراها في أول الفيلم وهي تهبط في اسرائيل، ويقوم ضابط الجمارك بتفتيش حقائبها، ومن خلال استجوابها نتعرف علي تاريخها ونعرف ان والدها كان حلاقا وقد هاجرت اسرتها الي امريكا لكنها تنجح في نهاية الاستجواب في الحصول علي تأشيرة دخول وتقول لضابط الجمارك انها تعرفت علي فتاة اسرائيلية تدعي "كورين" تقيم في رام الله وستقيم معها، وتركب السيارة الي رام الله، وتتفرج من نافذة السيارة عند وصولها الي المدينة علي العلم الفلسطيني يرفرف فوق عامود الكهرباء وتسعد برؤية شباب فلسطين في رام الله بينما راح من جانبه يرحب بها وهاهي اخيرا تعود الي وطنها الأصلي، وفي اليوم التالي تذهب الي أحد البنوك
وتطالب بالاموال التي اودعها جدها في البنك من زمان مبلغ يصل الي 15 الف دولار وكسور وهي لاتعرف بعد ان الاموال الفلسطينية التي كانت مودعة هناك قد تم تجميدها، ولا يمكن بالطبع أن يصرف لها هذا المبلغ ابدا، ثم تتعرف علي شاب فلسطيني يدعي "عماد" يعمل في مطعم وتعرف منه انه حصل علي منحة للدراسة في كندا غير انه لا يستطيع الحصول علي فيزا للخروج من إسرائيل بل ولا يستطيع ان يغادر مدينة رام الله الي اية مدينة اخري في فلسطين ونتعرف تدريجيا علي رغبة ثريا في البقاء في وطنها بأي ثمن والعيش في فلسطين وتحكي لنا في الفيلم عن الذكريات التي كان يحكيها لها جدها والشوارع التي كان يتنزه فيها في مدينة يافا وتحفظ ثريا أسماء هذه الشوارع عن ظهر قلب بل وتعرف أيضا المقاهي التي كان يتردد عليها الجد ومن ضمنها مقهي غنت فيه أم كلثوم وآخر شدا فيه فريد الأطرش،
ومن خلال تجوال ثريا في الفيلم مع عماد نتعرف علي المنظر الطبيعي في فلسطين حيث يمكن من فوق احد التلال وفي جو صحو ان تري البحر في يافا هناك، وكان البحر الذي عبره الفلسطينيون الي المنفي آخر ما شاهدوا عند خروجهم من البلاد، ولذلك تكره ثريا البحر إذ يجعلها تستشعر بالحزن والمرارة لفقدان الوطن، وضياع البلاد في فلسطين وربما الي نهاية الزمن، وعليها الآن أن تفرض "عودتها" الي وطنها ورغبتها في الإقامة "المستحيلة" هناك بالقوة، ومهما كانت التضحيات..
وتفاجأ ثريا التي التحقت للعمل بنفس المطعم الذي يعمل فيه عماد بأنه من المستحيل وهي بلا أقارب أو أهل في فلسطين أن تحصل علي إقامة، ثم تطرد هي وصديقها الفلسطيني من المطعم وتتعرف من خلال توقيفهما بواسطة دورية ليلية إسرائيلية في رام الله علي الاهانات التي يواجها الشعب الفلسطيني داخل إسرائيل في كل لحظة، اذ يضطر عماد أن يخلع ملابسه ويتعري تماما امام صديقته أثناء تفتيشه، ونري في الفيلم جدار العار ونتعرف علي صديق عماد الذي يريد ان يصبح مخرجا لينجز أفلاما لا تحكي عن الحرب والدمار والبؤس في فلسطين المحتلة بل لكي ينجز أفلاما تحكي عن قصة حب رومانتيكية، ياللسذاجة. وتتطور الأحداث في الفيلم بشكل ميكانيكي، ولا يوجد في الفيلم الممل الذي قتلنا تفسيرا وشرحا مباشرا بالكلام والحكي أي سينما بالمرة أو اي جديد، وكل ما شاهدناه حتي الآن يبدو لنا مفتعلا، وخال من أي ابتكار او تجديد او فن، وواضح ان سيناريو الفيلم كله يعتمد علي "الكلام" والشرح والتقرير، وهو الامر الذي تكرهه السينما وتعافه، لأنها فن المخاطبة بالصمت والصورة فقط عن جدارة، غير أن الأغرب من ذلك ان تجعل أن ماري جاسر بطلة الفيلم ترتكب حماقة أو جريمة ضد القانون، اذ تقوم وهي ترتدي زي محجبة وبصحبة صديقها عماد وصاحبه بالسطو علي البنك لاستراد المبلغ الذي اودعه هناك جدها، ويسلمها موظف البنك تحت التهديد مبلغ 15 الف دولار وكسور، ثم انها تنطلق مع الاثنين بعد أن تنكروا ثلاثتهم في زي اسرائيليين الي يافا حيث هو ذاك البحر الذي تكرهه، وتعود لزيارة دارهم القديمة هناك وتسكن فيها فتاة اسرائيلية تقوم لاستقبالهم بود وترحاب وتدعوهم الي الدخول وتقول في الفيلم ان الجميع يريد السلام ماعدا القادة والحكام، ويحتشد الفيلم بكل تلك المواقف الاصطناعية المركبة تركيبا ولا يمكن للمرء هضمها، ولايمكن ان يكون الفيلم المكان المناسب لطرحها، بل كتب الجغرافيا والتاريخ والأطروحات الجامعية الأكاديمية الجامدة المملة ولذلك نجد أن الشخصيات في الفيلم مصنوعة، وهي موجودة أصلا لكي تنطلق في الكلام والشرح والتفسير، في حين أن السينما الفلسطينية تقدمت وتطورت كثيرا فنيا ودراميا، في أعمال سينمائية فلسطينية كثيرة لمخرجين فلسطينيين من أمثال ميشيل خليفي "عرس الجليل" ورشيد مشهراوي "حظر تجول" واليا سايمان "يد الهية" لكن يبدو ان مخرجتنا الفلسطينية لم تشاهد هذه الأفلام التي حققت طفرة للفيلم الفلسطيني ولم تشاهدها!
أرادت أن ماري أن تحكي قصة تاريخ وفلسطين وتشرح مأساة الشعب الفلسطيني وتجشمت من اجل ذلك الأهوال أثناء تصوير الفيلم في عدة مدن ومناطق فلسطينية داخل إسرائيل- وتجد كل ذلك مشروحا بإسهاب في ملف الفيلم الصحفي مع خرائط لفلسطين لشرح حقائق القضية، وحوار طويل مصنوع مع مخرجتنا تقول فيه ببجاحة انها شاعرة وتأثرت كثيرا بأشعار محمود درويش، ويبدو انها أخذت عنوان الفيلم من قصيدة له، كما تذكر انها تشتغل في السينما منذ عام 1994، غير ان فيلمها او أي فيلم لا يرحمه الكلام المكتوب عنه في أي ملف، حتي لو كان في مجلدات، ولا يدافع عن الفيلم الا الفيلم نفسه، وفنه، غير ان "ملح هذا البحر" للأسف لا يعلن عن ميلاد مخرجة او حتي نصف مخرجة، وبدا لنا عملا رديئا وهزيلا وفاقدا لاية مشاعر او أحاسيس حقيقية ومصداقية، بل مجرد تصوير فوتوغرافي فارغ ومسطح وتلفزيوني لكلام وحشو مكتوب، وتتعجب أن يطلق عليه اسم فيلم، وتتعجب أكثر ويا للأسف أن تختاره ادارة المهرجان لكي يعرض ويمثل سينماتنا العربية الجديدة في مهرجان سينمائي دولي مثل مهرجان "كان"، لكي نخرج منه ونحن حزاني، ونحاول ان نداري كسوفنا وخجلنا من "ملح هذا البحر" الأحمق المصنوع علي مايبدو لأناس لايعرفون البتة ما يحدث في فلسطين، او لم يشاهدوا اية افلام فلسطينية من قبل بالمرة
الرقص مع بشير في بيروت
علي الوجه المقابل يقدم فيلم "فالس مع بشير"
الإسرائيلي لمخرجه آري فولمان إنجازا وإضافة لفن السينما من خلال المزج بين التسجيلي والرسوم المتحركة، مثلما شاهدنا من قبل في فيلم "بيرسوبوليس" أو "مدينة الفرس" للمخرجة الفرنسية مرجان سترابي، والذي اعتبرناه "تحفة " مهرجان "كان" الحادي والستين، ويستحق الفوز بسعفته الذهبية عن جدارة. ويناقش فيلم "فالس مع بشير" حكاية جندي اسرائيلي هو مخرج الفيلم ذاته مع الألم والندم والإحساس بالذنب، فقد كان شاهدا علي مذبحة صابرا وشاتيلا حين شارك في عملية غزو اسرائيل للبنان في الثمانينيات، والفيلم كله عبارة عن "كابوس" مرعب يسكنك ومنذ أول لحظة. حين يلتقي مخرج الفيلم في أول مشهد بصديق له في بار، فيحكي له صديقه عن كابوس مرعب ينتابه في منامه كل يوم، وهو يشاهد في الكابوس 26 كلبا متوحشا، تركض في احياء المدينة وتنشر الرعب والفوضي في طريقهم، ثم تتوقف خارج داره وتنبح، وهو يتطلع إليها مرعوبا من نافذته في الليل، واعتبر هذا المشهد من أرعب المشاهد التي صدمتني بقوتها في كل أفلام "كان" 61 ولحد الآن.. ويواصل الصديق تذكره كيف كان يغتال هذه الكلاب عند دخولها احياء لبنان فقد كانت الكلاب عندئذ تنبح، وكانت مهمته ان يقتلها ويخلص عليها حتي تخرس والي الابد برصاص بندقيته كقناص، غير ان هذه الكلاب وعددها 26 كلبا، صارت اشباحا لكلاب ضارية بأنياب متوحشة مسعورة، تطارده كل ليلة في منامه، وفي اليوم التالي علي ذاك اللقاء، يبدأ باري مخرجنا وبطل الفيلم، في استعادة ذاكرة تلك الحرب المرعبة العبثية التي شارك فيها مع قوات الجيش الاسرائيلي في لبنان، وتبدأ صورها تتشكل في وعيه وضميره، وتخرج من كهوف الذاكرة مثل أهل الكهف بعد سبات عميق، وتصحو فجأة.. فاذا به يري صورة له وهو يسبح في البحر في لبنان مع بعض زملائه من الجنود، ويخرجون منه الي تلك المدينة الشامخة العملاقة بيروت، ويستشعر باري رغبته في ان يستعيد صور تلك الذاكرة واحدة بعد الاخري، ويبدأ الفيلم او كابوس "آري فولمان" الذي هز مشاعر كل الناس الذين شاهدوا الفيلم في المهرجان، في التشكل امامنا في ذلك الفيلم الرائع الذي بدا لنا علي الرغم من انه فيلم تسجيلي بالرسوم المتحركة، اكثر اقناعا وتأثيرا ومصداقية من أي فيلم واقعي بممثلين حقيقيين.. وستنسي بسرعة وانت تتابع صوره ومواقفه واحداثه مشدودا إلي مقعدك في ذهول من جمال الفيلم وحالة القلق والخوف والترقب التي تنتابك وانت تشاهده، انه فيلم"رسوم متحركة" ANIMATION لأنه سيسكنك ويتلبسك اكثر من الافلام الواقعية بكثير، فها هو آري يحكي حكايته عندما سافر الي هولندا ليسأل زملاءه من الجنود ان يحكوا له عن تلك الوقائع المرعبة التي عاشوها وخبروها اثناء الغزو الآثم، ويشيب لهولها الاصلع من الرعب، واحساسهم بالخوف والذنب، ومحاولتهم نسيان صور ذاكرة تلك الحرب المرعبة وما وقع فيها لهم باية طريقة.. وكان المخرج قد لف ودار بالفعل ليستجوب زملاءه من الجنود وكانوا آنذاك في ريعان الشباب وقمة الحلم والبراءة، لكي يستمع الي حكاياتهم وهو غير مصدق انه كان موجودا وحاضرا معهم كما استجوب احد قادة الجيش وبعد ان اخرج فيلما تسجيليا قام فيه بجمع شهاداتهم، حول الفيلم فيما بعد الي الرسوم المتحركة، وجعل طاقم الفيلم الفني يرسم الفيلم التسجيلي وشخصياته برسوماته ويظهر علي العكس من
فيلم"بيرسوبوليس بالألوان، وهكذا جعلهم تحت إدارته وإشرافه يصنعون فيلما باهرا ومؤثرا حركنا الي حد البكاء، حيث يأخذ الفيلم شكل "الكريشندو" أي يصعد بنا سلم الفيلم ويطور من أحداثه درجة بعد درجة، ولقطة بعد لقطة، ويضبط إيقاعه بحرفنة وحرفية عالية وغير عادية، لكي يصل تدريجيا وفي خط متصاعد الي الذروة في الفيلم، ويصدمنا بذلك المشهد التسجيلي الواقعي وهو المشهد الوحيد في الفيلم دون رسوم او تحريك مشهد مذبحة صبرا وشاتيلا، فيقصفنا بتلك الجثث المكومة للفلسطينيين في المعسكر من الأطفال والشيوخ والنساء، بعد دخول قوات الكتائب
المسيحية للانتقام من الفلسطينيين بعد اغتيال قائدهم بشير الجميل، وقيامهم بذبح سكان المخيم تحت سمع وبصر الجيش الإسرائيلي الذي كان يطلق في أجواء المدينة قنابل للإنارة، حتي يسهل لقوات الكتائب مهمتهم في الانتقام من الفلسطينيين في ليل بيروت البهيم.. ومن ضمن تلك الجثث المكومة في آخر مشهد في الفيلم، تصدمنا جثة هذه الفتاة الصغيرة التي ترفع وهي ميتة يدها الي السماء أن يا رب ارحم، وتلك المرأة الفلسطينية التي تبكي وتصرخ أن صوروا صورا، ودعوا العرب يتفرجوا، فين العرب فين يا ويلي!، ثم تروح تلطم وتضرب علي صدرها، ويحركنا هذا المشهد المؤثر الي حد البكاء..
فيلم "فالس مع بشير" أقوي الأفلام السياسية في المهرجان ولحد الآن، بدا لنا مثل حلم سريالي مخيف، بصوره ورسوماته التي تذكرك بأفلام السينما التعبيرية مثل فيلم "عيادة الدكتور كاليجاري" علي مستوي التشكيل في الصورة بالأضواء والظلال والألوان، وهو ما يكسب هذا الفيلم شخصيته ويمنحه توهجه الفني المبهر الخاص، ويجعل منه ربما أحد أقوي الأفلام المناهضة للحرب في كل تاريخ السينما العالمية، ولذلك كله نرشحه للفوز بجائزة السعفة الذهبية عن جدارة، بل ويجعلنا نقول أن رحلتنا الي المهرجان حتي او كان "فالس مع بشير" هو الفيلم الوحيد الذي عرض في المهرجان، كانت تستحق كل هذا العناء، وتلك المشاق التي تجشمناها..
"فالس مع بشير"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.