أنهم ليبراليون في الأصل وقد مسخوا إلي "يمينيين". وهذه هي الأسطورة التي يسهم في نسجها والترويج لها "المحافظون الجدد" مع التراجع الذي حدث لإدارة بوش، تحولت حركة "المحافظين الجدد" إلي أكثر حركة فكرية يخشاها الجمهور وينفر منها في التاريخ الأمريكي. فقد بدأ ينظر إليهم خصومهم الليبراليون بل وبعض المحافظين التقليديين علي أنهم مهرطقون علي قدر كبير من الشر والخطر. وهكذا تفشت نقمة عامة علي "المحافظين الجدد"، وتنامي سوء الفهم العام لهم علي نحو بلغ حد الأساطير الخمس التي نلخصها فيما يلي، مع العلم أن "المحافظين الجدد" أنفسهم قد أسهموا في نسج بعضها. أولاها: أنهم ليبراليون في الأصل وقد مسخوا إلي "يمينيين". وهذه هي الأسطورة التي يسهم في نسجها والترويج لها "المحافظون الجدد"، إلا إن عليك ألا تصدق أياً مما يقال عنها، لأنه لم يحدث لهؤلاء أن كانوا ليبراليين حقيقيين يوماً. وإن كان ثمة شيء واحد حمله معهم الآباء المؤسسون للحركة من حروب عقد الثلاثينيات الطائفية الأيديولوجية الشهيرة التي جرت معاركها في مدينة نيويورك، فهي النزعة الرسالية. فقد تمكن وقتها "إرفينج كريستول" وغيره من زملائه المؤسسين للحركة لاحقاً ممن يمثلون التيار اليساري "التروتسكي"، من تحقيق نصر فكري علي خصومهم الستالينيين الأجلاف. وكان التيار المنتصر هو الأكثر إيماناً بيوتوبيا الفردوس العمالي الاشتراكي الذي عجزت التجربة السوفيتية عن تحقيقه. وبذلك فهم أبعد من أن يكونوا عن الليبرالية. ثانيتها: أنهم خدم إسرائيل وأعوانها. وهذه أكذوبة أخري من الأكاذيب التي تحوم حول "المحافظين الجدد". فإذا ما كانت الولاياتالمتحدة قد بلورت سياسات خارجية تقوم علي تقديم أمريكا بصفتها عدوا للشمولية وممارسات الإبادة الجماعية، وصرحاً للديمقراطية في المقابل، فما ذلك إلا لقناعتها بأن في الإمكان وقف جرائم الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود، فيما لو وقفت الديمقراطيات الغربية في وجه هتلر قبيل ارتكابه لتلك الجرائم المروعة. وعلي رغم ميل قادة من "المحافظين الجدد" من أمثال "دوجلاس فيث" و"ريتشارد بيرل" وغيرهما من رموز الإدارة الحالية السابقين الذين سعوا لإمالة هذه السياسات لصالح إسرائيل بالكامل، إلا أن نتائج القرارات والممارسات المنسوبة إلي هذه السياسات، أفضت إلي ما لا تستسيغه إسرائيل بل ويتعارض مع أمنها ومصالحها. ومن ذلك خذ أن غزو العراق قد انتهي إلي تعزيز شوكة إيران، العدو التقليدي والأكبر لتل أبيب في المنطقة! ثالثتها: أن المحافظين الجدد قد تغولوا علي سلطات الرئيس بوش وذهبوا بعقله. والصحيح في تبديد هذه الأسطورة أن بوش هو الذي استغل "المحافظين الجدد" لتمرير أجندته وأهدافه، ثم ألقي بالكثيرين منهم لاحقاً إلي قارعة الطريق الرئاسي. وإذا كان منشأ هذه الأسطورة يعود إلي السلطات الواسعة التي تمتع بها كل من نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه السابق دونالد رامسفيلد، فقد وجب التصحيح هنا أنه لم يكن أي من هذين المسئولين محافظاً جديداً بقدر ما كانا من الجمهوريين التقليديين أحاديي النزعة في الأساس. ولذلك فلم يكن غريباً أن تنسب قرارات شن الحرب علي العراق إليهما. ذلك أن قناعتهما هي استخدام ونشر القوة الأمريكية كيفما ووقتما رأت السلطة التنفيذية ضرورة لذلك. نضيف أيضاً أن بوش كان واقعي النزعة والاتجاه مثل والده حتي لحظة وصوله إلي البيت الأبيض في عام 2000. رابعتها: يسعي هؤلاء الأيديولوجيون المتعطشون للدماء إلي فرض روح قتالية ويلسونية علي الولاياتالمتحدة، وهو أمر يتنافي مع تقاليد سياساتنا الخارجية. قتالية؟ نعم... تتنافي وتقاليد السياسة الخارجية الأمريكية؟ هنا تكون الأكذوبة عينها. والصحيح أن "المحافظين الجدد" قد مزجوا بقدر كبير من المهارة والانتهازية بين أهم ما يميز تقاليد السياسات الخارجية الأمريكية. أي نزعتها الواقعية والمثالية في آن. وهذا هو ما يفسر انضمام عدد مقدر من "الصقور" الليبراليين، بمن فيهم أعضاء حاليون في الكونجرس إلي حرب بوش علي العراق ربيع عام 2003. أما خامسة الأساطير وآخرها، فتتلخص في الاعتقاد السائد بأن أزمة حرب العراق قد ألحقت ضرراً بالغاً ب"المحافظين الجدد". وبهذا الاعتقاد فقد وجب وصف هذه الأسطورة الأخيرة بأنها كبراها وأشدها كذباً علي الإطلاق. ذلك أن معدلات العنف قد شهدت انحساراً ملحوظاً في أعقاب تطبيق استراتيجية زيادة عدد القوات، وبالنتيجة فقد بدأ العراق يتجه نحو الاستقرار والتحول في الاتجاه الصحيح المطلوب. وليس هذا الصعود الانتخابي الذي يحققه الآن السيناتور الجمهوري من ولاية أريزونا جون ماكين -وبطل "المحافظين الجدد"- سوي دليل قاطع علي تنامٍ جديد لشعبية "المحافظين الجدد".