نتابع منذ أيام مشهدا دمويا متواصلا في قطاع غزة ومتقطعا في الضفة الغربية حيث تسيل من شاشات التليفزيون دماء الفلسطينيين وخاصة الأطفال من جراء وحشية القصف الإسرائيلي والعنوان: إسرائيل تحارب، الإرهاب؟! فهي الحليف الاستراتيجي الاكبر للولايات المتحدةالأمريكية التي ابتدعت نظرية مكافحة الارهاب وهناك اتفاق شامل بين الدولتين علي تعريف الارهاب ومن لا يمتثل لهذا التعريف الذي حددتاه وفق معاييرهما، عليه ان يلقي جزاءه ارهابا واحتلالا وعقوبات وحصارا واغتيالات وعمليات قذرة وجوانتنامو وابوغريب وبلاك ووتر والقائمة لا تنتهي ومعين الدولتين المتشابهتين في كل شيء لا ينضب. وليس غريبا ان تصف واشنطن أو تل أبيب مقاومة احتلال كل منهما بالارهاب ولم يعد ايضا غريبا ان يطالب بوش واولمرت الدول العربية بمد الايادي الي اسرائيل في معركتها المقدسة ضد الارهاب الفلسطيني كما لم يعد مستغربا صمت العرب المخزي ولا صمت الدول الاسلامية المشين ولا نفاق الدول الغربية التي تصدعنا يوميا باحترامها لحقوق الانسان.. الغريب انه لا احد علي ما يبدو يعتبر الاطفال الشهداء والجرحي والذين تنطق عيونهم البريئة بالرعب والفزع من هول ما يقذفهم به جيش الدفاع! ان الاسرائيلي من فصيلة جنس البشر.. ويبدو اننا سنعيش نتيجة علاقاتنا القوية والاستراتيجية والودية مع الولاياتالمتحدة اياما اسود من تلك التي نعيشها الآن ونشاهد فيها عاجزين مهزومين اطفال فلسطين ودماءهم تسيل لتختلط بدموع آخرين منهم. فقد قرر بوش واولمرت ولهما وحدهما سلطة القرار، بأن الفلسطينيين لا علاج لمشكلتهم ولا سلام معهم الا بابادتهم ابادة كاملة.. وفي آخر بحث علمي امريكي اسرائيلي مشترك ان الفلسطيني ليس انسانا ومن ثم فلا نسمع صوتا يطالب اسرائيل بالكف عن قتل الاطفال وان يكف اولمرت عن التباهي بشجاعة جنوده وهم ينفذون حربهم المقدسة ضد اطفال في عمر الزهور شاء حظهم العاثر ان يشبوا في ظل احتلال لا مثيل له في العالم الا بعد ان لحق به الاحلال الامريكي في العراق وابتلوا بقادة لا يكفون عن الكلام والشعارات "الثورية" ولم يعد لهؤلاء البؤساء "علم" وطني فقد شرذمهم الذين يدعون الدفاع عنهم بنفس جهد اسرائيل في شرذمتهم وتشريدهم.. اين البرلمان الاوروبي رقيق القلب الذي يندد بانتهاك حقوق السجناء في مصر أو حقوق الانسان في مصر؟ لست ادري.. وهل يغلق اعضاء البرلمان المدافع عن حقوق الانسان جهاز التليفزيون لدي بث مشاهد مجازر غزة ام انه اتخذ قرارا بأن هؤلاء الضحايا لا ينتمون الي فصيلة الانسان؟ المأساة الكبري تكمن كذلك في الذين طنطنوا وهللوا لزيارة بوش التاريخية ولرؤيته النبوية للدولتين واخلاصه في الاشهر الاخيرة لمدة حكمه التي دامت اكثر من سبع سنوات للسلام! وكلما تحدث بوش واولمرت عن السلام كانت اداتهم في ذلك الطائرات الحربية التي تغتال السيارات المدنية أو القذائف الصاروخية التي تبعث برسالة سلام الي المدنيين في منازلهم ليقرأوها تحت الانقاض.. منذ نحو اربعين عاما قصفت اسرائيل مدرسة اطفال مصرية في بحر البقر. وكتب صلاح جاهين بحبر قلبه قصيدته الرائعة الدرس انتهي لموا الكراريس. بالدم اللي علي ورقهم سال.. وانتهي بسؤال لضمير العالم: يا ضمير العالم ايه رأيك في البقع الحمرا.. يا ضمير العالم يا عزيزي ده لطفلة مصرية وسمرة كانت من احسن تلاميذي.. والطفلة اليوم فلسطينية.. اشعران هذا الليل الحالك الذي ادخلتنا في نفقة سياسة واشنطن وصمتنا حيال جرائمها وادخلتنا فيه اساسا حالة الشرذمة العربية عموما والفلسطينية خاصة لابد ان ينتهي.. لان ما يراد لنا ان نكون شهود زور عليه اكبر من طاقة ايوب علي الاحتمال.. والطفلة المصرية في الستينيات والفلسطينية في العقد الاول من الالفية الثالثة ستتنقل من قطر عربي الي آخر كما نري في العراق واتحفونا برؤية بوش التاريخية والتي سيلهب ظهورنا بها الرئيس الامريكي القادم الذي سيتعهد بضمان أمن اسرائيل اليهودية وقد بات واضحا ان أمن اسرائيل لن يتحقق كاملا الا علي اشلاء جثثنا.