إذا كانت الدراما في إحدي صورها تعبيرا عن الواقع بغير الواقع، لتكشف عن خبايا الحياة بعيداً عن الانعكاس الآلي، أو النقل الحرفي للمعيش فإن دراما "ثنائية الحلم والسقوط" للكاتب محمد سيد عمار تعد نموذجاً صريحاً لهذه الصورة، فهي تتناول السيرة الشعبية الشهيرة "سيرة بني هلال" من منظور جديد استطاع الكاتب من خلاله تأكيد العلاقة الجدلية بين كاتب الدراما والتراث، فقد حاول عمار استنطاق أشخاص السيرة أنفسهم ليقصوا لنا ما لم نعرفه من آخبار لم ترد علي لسان الراوي الشعبي، طارحا من خلال هذه الرؤية الجديدة قضايا معاصرة. فقد قسم الكاتب مسرحيته إلي جزءين، الأول يتناول معاناة بني هلال تحت وطأة الجدب الذي أصاب نجد، مناقشاً حلمهم في الرحيل، هذا الحلم الموزع بين العام المتمثل في محاولة إنقاذ القبيلة من الهلاك، والخاص المتمثل في الحلم الشخصي لأبطال السيرة كل علي حدة، ومن خلال تغلب الخاص علي العام يكون السقوط المدوي، حيث لايحققون هذا ولا ذاك، بل يقعون جميعاً فريسة لأطماع الآخرين "ملوك العجم" الذين يستخدمون كل الوسائل من أجل السيطرة علي كل بلاد العرب بما فيها نجد معقل بني هلال، وعلي هذا فالدراما كلها مبنية علي هذا الصراع بين الأحلام الممكنة والأحلام المستحيلة في ظل قوي صراع أخري أكثر شراسة وأشد قسوة. وفي الجزء الثاني يتعرض للرحلة ومشقاتها، وقد انتحي بالرحلة إلي العراق حيث أميرها الشجاع ذي النخوة والشهامة "عامر الخفاجي" الذي جعله الكاتب معادلاً قومياً لأبي زيد، أو إن شئنا الدقة قلنا جعله الصورة المكملة لأبي زيد، ثم إلي الشام، ثم تحركها صوب بيت المقدس!! وهي رحلة مليئة بالمؤامرات والدسائس سواء في الداخل أو الخارج مع التدخل السافر لملوك العجم في شئون الوطن!!، وهنا يلح الواقع علي الكاتب، فيحيلنا لا شعورياً إلي الواقع العربي المعاصر حيث الفرقة والانقسام والتمزق.. ويأتي ذلك علي ألسنة الرواة من أبطال السيرة أنفسهم!! "يونس: زمن يشطرنا نصفين.. كل يفقد طيفه/ يحيي: زمن يجعلنا ضدين.. كل يحمل سيفه/ مرعي: نتأرجح بين نفوس خاضعة.. وسيوف يعلوها الصدأ/ يونس يتساقط عنا ورق التوت فتبدو العورة"، لتنتهي الدراما بالسقوط التام حيث خيانة الكل للكل، فيطعن عامر الخفاجي من الخلف، وممن؟ من وزيره العميل سلام!! وملوك العرب منشغلون عن بيت المقدس بممالكهم وأطماعهم الشخصية، وسيف أبي زيد هائم علي وجهه في الصحراء لايقوي علي الفعل. وهنا تجدر الاشارة إلي أن الكاتب لم ينه الرحلة في تونس وإنما أنهاها في بيت المقدس!! إنه حقاً السقوط الكبير في مستنقع آسن صوره محمد سيد عمار في دراما جيدة البناء تعتبر نموذجاً لكيفية تعامل الكاتب المسرحي مع التراث ومع قضايا الواقع، حيث لايوجد تراث منفصل عن الورثة الحقيقيين، وحتي يصبح التراث في حالة حراك دائم لابد لهؤلاء الورثة أن يأخذوا منه بقدر ما يعطونه، إنه الانفصال والاتصال في آن واحد، وهذه هي المعادلة الصعبة التي حققها ببراعة يحسد عليها محمد سيد عمار. هذا عن النص من وجهة نظر النقد، أما من وجهة نظر إدارة المسرح بالثقافة الجماهيرية.. فهو دون المستوي!! هكذا دون إبداء أسباب أو ربما أن الكاتب ليس موظفاً من موظفي الثقافة حتي يعتمد من قبل الإدارة الموقرة، رغم ان النص حصل علي جائزة الشارقة للإبداع المسرحي وهي جائزة محترمة تحكم من أساطين النقد في العالم العربي!!، ولعل من سخريات القدر أن يفوز النص أيضاً بالجائزة الأولي للمجلس الأعلي للثقافة!! وقد تسلم الكاتب جائزته من رموز الكتابة المسرحية والنقد المسرحي في مصر!! ولا يسعني في النهاية إلا أن أقول ساخراً "هامساً" في أذن كتاب المسرح من الشباب أمثال عمار "يارب ترفض إدارة المسرح الموقرة جداً والمبدعة جداً والفنانة جداً و......... كل نصوصكم المسرحية حتي تحصلوا علي جوائز معنوية ومادية جيدة وتثبتوا عبقريتكم وعبقرية إدارة المسرح في الثقافة الجماهيرية". د. محمد عبدالله حسين أستاذ النقد الحديث المساعد آداب حلوان المنيا