في احتفالنا بعيد ميلاد شكسبير بكلية الألسن في إبريل الماضي كان من محاور اهتماماتنا تواجد الكاتب الإنجليزي الأكثر شهرة علي الإطلاق وليم شكسبير علي الساحة الثقافية المصرية وكيف عرف المصريون شكسبير. وإذا باسم عبد الحي أديب يظهر ببساطة لأنه أكثر من قدم شكسبير في السينما المصرية طوال أربعة عقود من تاريخها الحديث. كان شكسبير معروفا لدي مرتادي المسرح في مصر في الثلاثة عقود الأولي من القرن العشرين إذ كانت الفرق المصرية تقوم بتمثيل النصوص الشكسبيرية باللغة العربية وكان من أشهر تلك الفرق فرقة الشيخ سلامه حجازي وفرقة جورج أبيض وفرقة رمسيس. وكان المصريون يستمتعون بتلك العروض كما يتعرفون من خلالها علي الأدب الأوروبي أو بالأحري العالمي متمثلا في مسرحيات شكسبير. ثم بدأت السينما تحل محل المسرح أو تأخذ من مرتاديه في الأربعينيات وكما اعتمد المسرح المصري النصوص الشكسبيرية كذلك اعتمدتها السينما المصرية أيضا فكان أن بدأت السينما المصرية باقتباسات وتمصيرات شكسبيرية منذ الأربعينيات وكان أكثر ما اقتبس عنه "روميو وجولييت" في أشكال مختلفة بنهايات متباينة كما في أفلام "ممنوع الحب" لمحمد عبد الوهاب و"شهداء الغرام" لليلي مراد وأنور وجدي. وبالرغم من تنامي الشعور الوطني تجاه الاحتلال البريطاني في مصر بل وقيام ثورة يوليو وطرد الإنجليز كمحتلين من مصر إلا أن الثقافة المصرية ظلت علي عهدها وبقي شكسبير علي الساحة السينمائية علي يد المستنيرين الذين استطاعوا الفصل بين "الإحتلال البريطاني والثقافة الإنجليزية" علي حد تعبير الأستاذ الدكتور رمسيس عوض. وكان لعبد الحي أديب دور جلي في تقديم شكسبير في السينما المصرية والمثير للعجب أن تلك الأعمال بدت مصرية جدا وعلي درجة عالية من الإتقان حتي أن المشاهد لا يشعر بأنها مقتبسة فتجد فيلم "أبو أحمد" 1960 المأخوذ عن "عطيل" وبطولة مريم فخر الدين وفريد شوقي تجده غارقا في المصرية في أجواء سكندرية بحرية وفي نفس الوقت تلمح في شخصية أبو أحمد التشابه الشديد بشخصية عطيل الشكسبيرية بكل ما فيها من تأجج المشاعر وغليان الشك. ثم تجد أن أول اقتباس لمسرحية "الملك لير" في السينما المصرية كان علي يد عبد الحي أديب في عام 1979 وكان فيلم "الملاعين" بطولة فريد شوقي مرة ثانية وكان الفيلم جديدا في مضمونه وسياقه وبالرغم من أن قصة تمرد الأبناء والبنات بالذات علي الأب كانت فكرة ليست فقط جديدة بل وغريبة بالنسبة للمصريين وقتئذ إلا أن الفيلم لاقي قبولا وخاصة لأن الخلفية كانت _ مرة أخري _ مصرية صميمة وإن كان عبد الحي قد بدل شخصية الابنة الصغري الشكسبيرية "كورديليا" التي أحبت والدها حتي بعدما طردها من قصره، استبدلها أديب بابن قام بدوره مصطفي فهمي وكان هو علي عكس الابنتين أكثر حبا لوالده ووفاء له وهو تغيير غريب وجريء ومخالف للعرف السائد بأن الابنة أكثر حبا. والجدير بالذكر أن الراحل فريد شوقي وكأن لير قد تملك منه ولم يستطع التخلي عنه فوجدناه قد قام مرة ثانية بإقتباس وتمثيل لير في فيلم "حكمت المحكمة" بعد فيلمه مع عبد الحي أديب بعامين فقط أي عام 1981. وفي التسعينيات وبعد فترة انقطع فيها تواجد شكسبير في السينما المصرية أكثر من خمسة عشرة سنة جاء عبد الحي أديب بفيلم استاكوزا للراحل أحمد زكي ورغدة والمأخوذ عن "ترويض النمرة" ليقدم شكسبير مرة أخري في ثوب مصري معاصر ويكاد يخفي حتي علي كثير من النقاد أن فكرة الفيلم قائمة علي ترويض المرأه الشرسة ويأخذ الفيلم منحي جديدا وعصريا وجريئا أيضا. لقد فهم أديب شكسبير وطوعه لمصرية سينمائية عصرية جريئة سوف تحتفظ السينما له بها.