يحتفل الاتحاد الأوروبي يوم الأحد القادم، بالذكري الخمسين لتوقيع "اتفاقية روما" التي نشأ بموجبها في عام 1957 اتحاد جمركي وسوق أوروبية مشتركة، فضلاً علي عدد من مؤسسات التعاون الاقتصادي الأخري بين ست دول أوروبية حينها، أي الأعضاء الذين ازداد عددهم علي مر السنين، ليبلغ اليوم 27 دولة. وفي يوم الاثنين الماضي، شهد الساحل الآخر من المحيط الأطلسي، أي الولاياتالمتحدةالأمريكية، مظاهر بدايات العام الخامس علي تلك الحرب ممثلة في تحركات واسعة ضد الحرب، التي كانت واشنطن قد بادرت بقيادتها وشنها، علي أمل إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط! يذكر أن "روبرت كاجان"، الكاتب الأمريكي الشهير، كان قد وصف القارة الأوروبية بأنها "الفردوس" في كتابه "عن الفردوس والقوة" الصادر عام 2003. ورد "كاجان"، سبب وازدهار الاتحاد الأوروبي، إلي وجود الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها، والتي أشار إليها برمز "القوة" في كتابه. ووفقاً ل"كاجان"، فقد ظلت أوروبا قارة وديعة هادئة مسالمة ومزدهرة، شأنها في ذلك شأن كوكب "الزهرة"، بينما ظلت أمريكا بمثابة كوكب "المريخ" الناري الأحمر، واقفاً كالفارس المغوار للذود عنها وحمايتها. وهذه هي حقيقة أوروبا من وجهة نظره، وحقيقة أمريكا أيضاً خلافاً ل"المحافظين الجدد" الذين يفضلون تسميتها بالقوي "الهوبزبوية" الخارجية -نسبة إلي الفيلسوف السياسي الإنجليزي توماس هوبز- مع العلم أنها قوي ذات أنياب دامية وأظافر مشرعة، وهي متعطشة علي الدوام لنهش كبد أوروبا الوديعة الحالمة. وكان القصد من كتاب "كاجان" أعلاه، أن يثير في نفوس الأمريكيين شعوراً بالزهو والسعادة، لكون بلادهم حارسة وقيمة علي أمن ورخاء جيرانهم الأطلسيين، في مقابل ذمِّ الأوروبيين علي تقاعسهم في الوقوف إلي جانب حامي حماهم، في ما يشنه من حروب وغزوات، وفي ما يقوم به من أعمال اختطاف واغتيالات وتعذيب وسجون سرية، وغيرها من الممارسات الاستثنائية غير المشروعة، ضمن حربه الضارية المعلنة علي الإرهاب الدولي، أو ضد ما تسميها واشنطن "الدول المارقة"، مثل العراق سابقاً وإيران وكوريا الشمالية الآن، وأيضاً "الدول الفاشلة" علي شاكلة أفغانستان والصومال، إلي جانب الحرب علي تنظيم "القاعدة"، وجهاديي "حماس" و"حزب الله" وغيرهم من المتطرفين الإسلاميين المنتشرين في شتي أنحاء العالم! ثم إن هذه الدول الأوروبية نفسها، أضحت منشغلة اليوم بتدريب ومساعدة عدد من الدول التي كانت ذات يوم تحت إمرة الاتحاد السوفييتي السابق، سواء تلك الواقعة منها في منطقة البلطيق أم تلك المنضوية سابقاً في "حلف وارسو". وللكثير منها خلفيات تاريخية ممزقة، سواء تمثلت في القمع الداخلي أم الخارجي الذي تعرضت له، أم في النزاعات العرقية. وقد أصبح من واجب أوروبا، مساعدة هذه الدول في بناء مؤسساتها الديمقراطية واقتصاداتها، حتي تتمكن من الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي. وبالفعل فقد تمكنت غالبية هذه الدول من نيل عضوية الاتحاد، الذي قفز عدد أعضائه إلي 27 دولة، بينما تقطع دول أخري شوطاً أبعد في طريق الالتحاق بالاتحاد.