مع إقرار الرئيس الأمريكي جورج بوش لاستراتيجيته الجديدة في العراق يتساءل المراقبون هل ستكفل الآليات الجديدة التي ذهب إليها الرئيس بوش النجاح للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط ؟ بل إلي ابعد من ذلك يثار التساؤل ما هو مستقبل تلك السياسات بعد رحيل الرئيس الأمريكي الذي مثل نقطة مفصلية في سياسات بلاده في أوائل القرن الحادي والعشرين ، القرن الذي أراد له المحافظون الجدد ومن لف لفهم أن يصبح قرنا أمريكيا بامتياز ؟ ولعل تلك التساؤلات التي تشغل الشرق الأوسط وساكنيه تدور في أذهان الأمريكيين بنفس القدر لاسيما في ضوء الإخفاقات المتوالية التي منيت بها سياسات الرئيس بوش الخارجية منها والداخلية وأضحي التساؤل الذي يشغل العديد من المراكز البحثية الأمريكية الرصينة.. ماذا بعد بوش وما هو مستقبل العلاقات والسياسات الأمريكية مع وتجاه بقية دول العالم ؟ وكأني بهولاء يطرحون طرحا غاية في الدقة والحساسية هل يمكن أن نمضي في تصور قيادتنا وريادتنا للعالم بمنطق القوة والاعتماد علي الآلة العسكرية المجردة أم أن هناك خيوطاً وخطوطاً تتشابك فيها الدبلوماسية و يتماس فيها الاقتصاد و يلتحم من خلالها الاجتماع العسكر ؟ ومما لاشك فيه أن أهم ما يشغل كاتب ومحلل سياسي عربي بالدرجة الأولي هو وضع الشرق الأوسط والعوالم والعواصم العربية والإسلامية في هذا التصور المستقبلي. بناء الأمن في الشرق الأوسط الكبير والمؤكد انه قبل التطلع إلي القراءات المستقبلية للسياسات الأمريكية كما رأتها مراكز بحثية أمريكية متميزة يجدر بنا التوقف أمام الأوضاع القائمة والمعروفة في اللغات اللاتينية ب STATUS QUO ومقارنتها لاحقا بالأوضاع القادمة والمعروفة كذلك بال PRO QUO . في السادس من أكتوبر من العام الماضي كان فيليب زيليكو المستشار النافذ بوزارة الخارجية الأمريكية ضيفا علي العشاء الذي أعده معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني بالعاصمة الأمريكية وهناك كانت المفاصل الرئيسية السياسية لحكومة الرئيس بوش في منطقة الشرق الأوسط الكبير تبسط علي المائدة تشريحا وتجريحا إن جاز القول. في تلك الليلة أفاض الرجل في الحديث عن المصادر الأساسية لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وقد ارجع ذلك في معظمه لسيطرة الأيديولوجيات الدينية " الإسلام تحديدا " علي الكثير من مقدرات الأمور إضافة إلي ما اسماه بالكيانات السياسية الهشة أي الناس الذين يشكلون النخب الحاكمة في هذه الدول كما أرجعه كذلك لنقاط الانفجار القديمة وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي إضافة إلي أزمة الإرهاب كعامل تأكل منطلقا من أن الشرق الأوسط هو مورد ومنبع الإرهاب ولم يفت المستشار المفضل اليوم في الخارجية الحديث عن مشروعات الديمقراطية التي تعثرت بسبب مقاومة الأنظمة لها والإصلاح الذي تأخر وطال انتظاره وبين هذه وتلك كانت أزمة العراق من عوامل عدم الاستقرار رغم المحاولات المتعددة لإنقاذه مما آل إليه وقبل الختام طرح الرجل رؤية بلاده لازمة الملف النووي الإيراني والتي خلص فيه إلي ضرورة " أن نعمل سوية للوقوف في وجه إيران مع أصدقائنا العرب " وقد عرج قبل الختام علي الأوضاع في لبنان وسوريا وأنهي بإسرائيل وجيرانها والآمال التي كانت تنشدها إدارة جورج بوش في قيام شرق أوسط امن كبير. وبدون تطويل ممل يمكن القول إن حالة الضبابية وتضارب الرؤي كانت تجتاح كلمة " فيليب زيليكو " سيما وان تلك الفترة كانت تشهد صراعا محتدما ما بين فريقين ، الأول بقيادة وزير الخارجية كونداليزا رايس والثاني يتقدمه وزير الدفاع وقتها دونالد رامسفيلد وهو الصراع الذي حدا بالكثير من المعلقين للقول إن إدارة الرئيس بوش تشهد صراعا وحربا أهلية داخلية. ومع انتخابات الكونجرس الأخيرة وانقسام الولاياتالمتحدة إلي جبهتين ، حكومة جمهورية وكونجرس ديمقراطي باتت هناك قناعة بأن ما تبقي للرئيس بوش من شهور في البيت الأبيض لن تكون مجدية حتي مع استخدامه لصلاحياته التي يكفلها له الدستور وحتي حال استخدامه لحق النقض علي قرارات الكونجرس وفي أحسن الأحوال يمكن للكونجرس إعاقة مشروعات الرئيس وبخاصة في ظل رفض الديمقراطيين للكثير من سياساته وأولها تلك الحرب الدائرة في العراق وأفغانستان ناهيك عن انفراد الولاياتالمتحدة بمكافحة الإرهاب علي المستوي العالمي بطرائق ربما كانت في حد ذاتها عاملا محفزا علي زيادته دون أن يهمل الناظر للمشهد الأمريكي الدولي تبني الرئيس والعديد من أركان حكمه قناعات تجعل وتجمل الإسلام والمسلمين في بوتقة واحدة هي إلارهاب والإرهابيين. وفي خضم هذه الضبابية المغرقة تتجلي روح أمريكا البحثية الساعية لإيجاد حلول تنتشل البلاد والعباد من وهدة الأصولية اليمينية والتقسيم المانوي للعالم بين خير مطلق وشر كامل ومن ليس معنا فهو علينا كما فعل الرئيس بوش وإدارته ومن هنا يجئ الحديث عن مشروع برنستون. برنستون وإنقاذ أمريكا يكتب جاكسون ديل " الكاتب والمحلل السياسي بالواشنطن بوست تحت عنوان السياسة الخارجية لما بعد بوش يقول " انه من المنتظر أن يحتدم السجال الذي أعيد فتحه حول العراق لشهور وربما لسنوات قادمة وحتي لو تمخض ذلك السجال عن استراتيجية أفضل لإنقاذ أو إنهاء تلك المهمة المحاصرة فان هناك العديد من الأسئلة المتعلقة بسياسة بوش ستظل في حاجة إلي إجابات وهو ما يفضل أن يتم مع استلام الرئيس التالي للولايات المتحدة مهام منصبه ". لكن ماذا عن تلك الأسئلة ؟ هناك في واقع الأمر الكثير منها إذا نحينا أزمة المستنقع العسكري الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان ، هناك علي سبيل المثال ماذا عن التحدي والتصدي لما تراه السياسة الأمريكية اليوم العدو رقم واحد ، والذي وصفه بوش أكثر من مرة بالفاشية الإسلامية ، وهل ستبقي النظرة كما كانت للشيوعية في النصف الثاني من القرن المنصرم ؟ ومنها أيضا التساؤل المحير عن مشروعات الديمقراطية والإصلاح التي أطلقها الرئيس بوش مع أوائل العام 2003 والتي ما فتئت أن خبأت وتواري وهجها في أعقاب فوز عدد من التيارات الإسلامية في الانتخابات التشريعية كحال حماس في فلسطين والمكاسب التي حققها "الأخوان المسلمين" في مصر. وليس آخر تلك التساؤلات مصير الأممالمتحدة سيما مع الدعوات التي تكررت كثيرا من رجالات الحزب الجمهوري والحركات العنصرية التي انبثقت عنه والتي طالبت بطرد هذا البيت الزجاجي وسكانه من نيويورك ذلك لأنه يقف عقبة في طريق السيادة والريادة الأمريكية في العالم ؟ ولعل عودة عدد من رجال الواقعية السياسية في الشهور الماضية وفي مقدمتهم جيمس بيكر الذي قاد الفريق المكلف بدراسة الأوضاع في العراق وشريكه هاملتون يدلل علي قدر الحاجة الماسة اليوم للبعد عن السياسات المثالية والطوباوية والاقتراب ثانية من ارض الواقع وبخاصة في ضوء تسارع الأحداث وتشابك الملفات في الشرق الأوسط بين العراق وإيران وسوريا حيث الأرض تهتز والرعد يتدحرج إلي ما بعد الأفق. كانت هذه العودة موشرا لظهور أفكار جديدة تحاول صياغة استراتيجية للقرن الحادي والعشرين يقول أنصارها إنها استراتيجية لا تتطلع إلي الوراء ولا تستلهم روح استراتيجيات ووصفات القرن العشرين الخاصة. ومن ابرز تلك الأمثلة ما تشير إليه الواشنطن بوست أي مشروع برنستون الضخم الذي استغرق الإعداد له عامين ونصف العام وهو ثمرة تلاقح الجهود الحزبية الأمريكية ما بين الجمهوريين والديمقراطيين لأجل التوصل إلي استراتيجية أمريكية تتخطي مرحلتين الأولي هي الحرب الباردة وما بعدها والثانية هي مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر مع الأخذ في عين الاعتبار الفارق الشاسع بين المرحلتين من ابعاد سياسية واستحقاقات إنسانية واجتماعية واقتصادية. أما المشروع فتقوم بتنفيذه " كلية وودرو ويلسون " للشئون الدولية والعامة بجامعة برنستون وتترأسه السيدة " آن ماري سلوتر " عميدة الكلية ومعها البروفيسور " جي. جون ايكنبيري " أستاذ العلوم السياسية فيها والتي عقدت تسعة اجتماعات منفصلة ضمت المئات من الخبراء من كل درجات الطيف السياسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية وذلك لضمان تمثيل كل الأطراف والاتجاهات والمذاهب السياسية وحتي تعود السياسة الخارجية الأمريكية معبرة عن روح ال MEELTING BOT أي بوتقة الانصهار الأمريكية كما يحلو للأمريكيين توصيف بلادهم، وفي مقدمة هؤلاء ثعلب السياسة الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي هنري كسينجر صاحب الخبرة العريضة في التفاوض مع السوفييت والصينيين ومنهم حكيم أمريكا ومستشارها للأمن القومي "زيجينو بريجنسكي " إضافة إلي وزراء الخارجية السابقين جورج شولنز ومادلين اولبرايت ، وعديدين غيرهم ، وهنا نجد تساؤلا يطرح نفسه عن ماهية هذا المشروع وماهي أبعاده وعلاقاته ؟ مشروع جذاب وأفكار عصرية وقد كانت نتيجة الاجتماعات التسعة التي عقدت في الجامعة العريقة تقريرا مهما للغاية تضمن خلاصات كفيلة بإصابة الرئيس وإدارته بالدهشة والحيرة في آن واحد غير أنها أيضا تتضمن الكثير من القراءات الجيدة والجديدة والتي اتفق المجتمعون علي أنها يمكن أن تكون قاسما أعظم مشترك لسياسات أمريكا في الشرق الأوسط بصورة خاصة وفي العالم كله دون شك. فعلي سبيل المثال وفي شان التهويل مما هو إسلامي وانسحاب لفظة " الفاشية الإسلامية " علي مكافحة الإرهاب المتمسح في المسوح الدينية تقول السيدة " آن ماري سلوتر " إن القول بالحرب علي الإسلاميين الفاشيين هو قول مغلوط وتلك الحرب بهذا التوصيف خاطئة بالقطع لأنها عبارة عن محاولة لاختزال وتبسيط عالم غير قابل للتبسيط. وحسب ما جاء في التقرير فان القرن الحادي والعشرين لن يقف فقط أمام تهديد واحد هو التهديد الأخضر أي الإسلام كما حاول الكثيرون تصوير الأمر ولكنه سيحتوي علي خليط معقد من التهديدات المتنوعة والمتداخلة في نفس الوقت والتي تتراوح مابين الأسلحة النووية والإحماء الحراري وصعود الصين والهند كقوتين عظمتيين وانتشار الأوبئة وخصوصا وباء انفلونزا الطيور الذي يقول التقرير إن احد أنواعه يمكن إذا انتشر أن يتسبب في قتل عدد من الأمريكيين يفوق ذلك الذي يمكن أن ينتج عن هجوم إرهابي. ويفهم القارئ إذن من هذا الاستنتاج أن هناك حالة من الرفض للتمترس وراء ذهنية العداء للإسلام والمسلمين والقول بالفاشية وإلصاقها بالإسلامية وهو ما يتجلي بشكل ايجابي للغاية في تعليق مديرة المشروع وقولها أن تلك المشكلة أي الإرهاب " يجب ألا يطلق عليها أي اسم يدمجها مع الدين ، لان ذلك سيؤجج الصراع بين الحضارات ويعطي تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية أهمية أكثر مما يستحق والأسلوب الامثل للمواجهة هو من خلال حملة عالمية مضادة للإرهاب ". والمؤكد أن هذا القول من الوجاهة والحنكة بمكان وتبنيه كفيل بنزع فتيل العداوات التي ترسخت في الأعوام الماضية من جراء النظر للعالم الإسلامي علي انه مورد الإرهابيين في حين امتنع هؤلاء عن القول بوجود إرهاب في شعوب تدين بديانات غير الإسلام أو لا تدين علي الإطلاق بأي دين كما في الجماعات اليابانية الإرهابية وهو توجه يساعد سياسات الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط لان تجد لها صداقات من المعتدلين وأصحاب الحس الإنساني من كل جنس ولون. ليس هذا فقط بل إن التقرير يضرب مثالا آخر علي قضية من القضايا التي أثارت زوابع ما انزل الله بها من سلطان والمتمثلة في دمقرطة الشرق الأوسط شعوبا وحكاما وكأن الديمقراطية قرار فوقي يتخذ من الراعي وما علي الرعية إلا التنفيذ وقد اختلطت توجهات الدمقرطة بمفاهيم الإصلاح كما تصورتها إدارة الرئيس بوش لا كما تحتاجها شعوب المنطقة عن بكرة أبيها وفي هذه جميعها عرف العالم للمرة الأولي تعبيراً يجمع النقيضين أي تعبير " الفوضي الخلاقة " الذي شددت عليه وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس لسنوات طويلة قبل أن تلزم الصمت. وفي التقرير الصادر عن مشروع برنستون يذهب المفكرون الأمريكيون إلي القول بأن الهدف سليم أي أن المطالبة بنشر الديمقراطية في حد ذاته أمر لا تشوبه شائبة وهو قول متفق عليه غير أن المطلوب هو ايجاد استراتيجية أكثر تطورا تعمل أولا علي توفير الشروط المسبقة التي تكفل نجاح الديمقراطية وعدم قصرة علي الانتخابات فقط. ومما لاشك فيه أن هذا الاستنتاج يعبر عن فهم واع لحقيقة الأوضاع في المنطقة الشرق أوسطية علي نحو الخصوص والتي هي في حاجة إلي بنية تحتية INFRASTRUCTUR ذهنية تتضافر فيها جهود الليبراليين والمجتمع المدني ومؤسسات الدولة والمساعدات الخارجية حسنة النية علي نقل البشر والحجر من مرحلة السكون والخمول وعدم المشاركة السياسية والاجتماعية إلي كيان حي واع وفاهم ومدرك لما يمثله صندوق الانتخابات كسقف للتطلعات الديمقراطية دون إهمال مراحل كالتعليم والتثقيف والصحة والاقتصاد وحتي لا تضحي صناديق الانتخابات مثل قميص عثمان كما جري وأسلفنا الإشارة إليه في فلسطين ومصر. أما علي صعيد الأممالمتحدة والتي طالبت حركة مثل MOVE AMERICA FORWARD بطردها وأشار جون بولتون المندوب الأمريكي السابق بها إلي أن إزالة عشرة طوابق منها أمر لا يؤثر في جدواها فقد وجد أصحاب برنستون لها بديلا من خلال ايجاد نوع من تحالفات الديمقراطيات والتي تقوم علي المعاهدات والتي لا تقبل سوي الأعضاء الذين يستوفون شروط العضوية الصارمة فقط وهذه المؤسسة الجديدة يفترض أن تعمل كقوة ذات جهد موحد ومتناسق داخل الأممالمتحدة بل ويمكنها في النهاية أن تحل محل المنظمة الأممية إذا ما فشلت الجهود الرامية إلي إصلاحها. والشاهد أن مشروع برنستون والذي يعد حجر الزاوية لأمريكا ما بعد الحرب الباردة وما بعد سبتمبر 2001 لا يقتصر فقط علي علاقة واشنطن بالشرق الأوسط بل يتخطاها إلي رؤية دولية أوسع فهو يسعي ضمن مساعيه المتعددة إلي إجراء عملية ترميم شامل للمؤسسات الدولية التي أصابها العطن من جراء عدم جريان ماء التغيير الهادر بين ضفتيها وفي مقدمة تلك المؤسسات يأتي صندوق النقد الدولي والذي بات يشكل أداة التأديب والتهذيب في يد واشنطن تجاه العالم الخارجي والجزرة التي تستخدمها الإدارة الأمريكية للترغيب إليها ، أضف إلي ذلك أن المشروع يتطلع إلي تجديد قراءة أوراق حلف الناتو ودوره في أماكن النزاعات الملتهبة قراءة تجعل منه أداة حقيقية لإقرار الأمن والسلام القائم علي العدالة الاجتماعية وليس المرتكز علي فوهات البنادق وأسنة الرماح كما يقال. ولا يهمل المشروع الإشارة إلي الانتكاسة الدولية إلي ساهمت واشنطن بجزء كبير فيها تجاه المناخ الدولي غداة انسحابها من معاهدة كيوتو للحفاظ علي مناخ الأرض والذي غلبت فيه مصالحها الصناعية علي التهديدات الحقيقية التي تصيب البيئة من جراء العوادم المنبعثة من مصانعها والتي قد تصيبها هي بادئ بدء من خلال ذوبان الثلوج القطبية لذا فان مشروع برنستون يطالب واشنطن بقيادة حملة جديدة تجابه أخطار وتغيرات البيئة الضارة. ويبقي قبل الانصراف تساؤل لا محيص عنه... ما هي حظوظ مثل هذا البرنامج أو المشروع من النجاح أو الفشل ؟ يختتم التقرير بالقول" إن هذه الأهداف قد تبدو مبالغا فيها كما انه لن يتم تحقيقها طالما ظل بوش في الحكم ولكن يمكنها مع ذلك أن تشكل أساسا سليما لبداية جديدة لما سيأتي بعده. والشاهدان هناك عوامل كثيرة في تقدير كاتب هذه السطور يمكنها أن تؤثر علي أفكار مشروع برنستون ونجاحه أو إخفاقه وفي مقدمتها سير الأحداث بين البيت الأبيض والكونجرس سيما تجاه إشكالية العراق من جهة وإزاء المواجهة الإيرانية والتي لن تبقي هناك أية فرص سلمية للشرق الأوسط أو للولايات المتحدة في السنوات القادمة حال انفجار هذا الملف عسكريا ، وبالتبعية يمكن القول إن حظوظ مقترحات برنستون ترتبط ارتباطا وثيقا بحركات المد اليميني الأصولي الأمريكي وبصورة محددة المحافظين الجدد وأنصارهم دعاة التفرد والسياسات الأحادية في العالم وأصحاب نظرية " أمريكا أولا وأخيرا " فحال عودة هؤلاء تمضي مقترحات برنستون في رحلة النسيان عبر الأضابير الأكاديمية وحال إخفاقهم تصبح سماوات الأفكار الأمريكية مفتوحة لما قاله الواقعيون من آراء يمكن أن تترجم إلي سياسات. غير أن المؤلم في المشهد والذي يلزم الاعتراف والإقرار به أن مصائر بلدان الشرق الأوسط اليوم أضحت معلقة لا برقاب أهليه وأبنائه بل بمصير سياسات ترسم وتحاك في غرف مظلمة وأحاديث يهمس بها همسا بعدما كان في منتصف القرن الماضي رمزا للثورة وطريقاً للتحرر. ومن هنا يمكننا التساؤل من قال إن الاستعمار عاد مرة أخري في أشكال جديدة رغم نوايا مشروع برنستون؟.