عندما يأتيني أهرام الجمعة أحرص علي قراءة صفحة بريد القراء التي نهض بها الراحل الأستاذ عبد الوهاب مطاوع، وواصل محررها الحالي الأستاذ خيري رمضان تطويرها. في عدد 8 ديسمبر نشر الباب تحت عنوان "الخائن" قصة زوج سعيد يعيش في سعادة مع زوجة مخلصة كانت بتعبيره "نعم الزوجة" وثلاثة أبناء خلال أحد عشر عاماً، ولكن هذا الحال تبدل عندما دخلت حياته إنسانة سيئة حذرته زوجته منها، ولكنها تطارده بكلماتها ونظراتها، وكان ينظر إليها بعين الشفقة لأنها زوجة صديق، وذات يوم جاءت إلي منزله لتستدين مبلغاً من المال لمرض ابنها، ولم تكن زوجته موجودة، وعندما علمت بذلك "قررت أن تستريح من المشوار"، وفي ساعة ضعف حدث المحظور وقبل أن تمشي صورها "حتي يهددها بالخروج من حياته"، ولكنه نسي أن يمسح الصورة التي كانت علي كاميرا الفيديو ورأتها زوجته فتركت المنزل وأصرت علي الطلاق وطلقها وأعطاها كل حقوقها لأنه معترف بخطئه. فكلام الرجل كلام نادم عرف خطأه بعد فوات الأوان وهو يكتب للأهرام أملا أن يشد المحرر عضده وينصح الزوجة بالصفح عنه واستئناف الحياة الزوجية. انهال عليه المحرر تقريعاً (وهو بالطبع يستحقه)، ولكن لم يبد رأياً ورأي أن الرأي رأي الزوجة التي يكون عليها أن تسأل نفسها هل يمكن أن تعود الحياة الزوجية السعيدة بعد هذه النزوة، وهل نشأة الأطفال بين والديهما أفضل .. الخ ولم يشأ أن يفتات عليها برأي وقال : وإن كنت أميل إلي تحريضها علي العودة لأن العفو لمن يقدر عليه في مثل حالتكما مكاسبه أكبر بكثير من خسائر الانتقام. كنت آمل أن تكون كلمات المحرر أكثر حرارة لأن الصلح في هذه الحالة سيصلح الحياة للزوجة والزوج والأبناء ولان الندم توبة، وواضح من رسالة الزوج أنه نادم وتائب. ولكن إحدي القارئات ذهبت مذهباً آخر وأنا أنقله حرفيا قالت مخاطبة المحرر: "أفزعني ميلك لعودة مطلقة صاحب رسالة "الخائن" بعد اعتقادك أن ما تم لم يكن مصادفة، وهذا ما أظنه، بل أظن أنه ساومها مقابل ما طلبته من المال، والدليل تصويرها لإذلالها، ليس هذا هو المهم، والذي استفزني للرد هو أنه أوضح أن الشرع قد قال كلمته في ذلك "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم". "ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب" هذا الزاني في الشرع حتي وإن صدقت توبته يجب أن يقام عليه الحد وهو الرجم حتي الموت كما فعل رسول الله مع المرأة الزانية رغم تأكده من توبتها، ولو كان أحد أحق بالصفح لكان قد عفا الرسول عنها، ولكننا لا نطبق الشريعة، فلماذا يكون العمل؟ فلنعلم أن الله تعالي قال: "الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك علي المؤمنين". فكيف بالله عليك بعد أن قال الله كلمته أن نخالفها! أو لم تسألوا أنفسكم لماذا رأت هذا التصوير في هذا الوقت بالذات، ولماذا صورها من أصله؟ لحكمة الله أن تراها ويطهرها الله أن تنكح مثل هذا الزاني، وتأكد أن بيتا به أناس يتطهرون أفضل من أن يدنس وأي قيم تلك الذي يعلمها هذا الأب لأولاده؟ أقول هذا وأتمني نشر رسالتي بعد أخذ رأي الفقهاء ولنتأكد من أن قول الله حق، وأن لنا في القصاص حياة لو كنا أصحاب العقول، وحتي لا تنتشر الفاحشة بين الناس وليتأكد الرجل أن زوجته عليه حرام وإلا فليتأكد أنها مثله - حتي وإن لم يعلم عنها إلا كل خير - لأن قول الله حق وأمامي أمثلة من ذلك كنت أتساءل كيف لها أن تتزوجه وأن من سعي في هذا الزواج آثم، حتي تأكد لي أن أقول للراسل إن أردت أن تتوب حقا فحاول أن تتطهر بأن تجد من يقيم عليك الحد أو علي الأقل ألا تقرب أي امرأة بعد الآن تكفيراً عن ذنبك". أريد أن أقول للقارئة التي يبدو أنها من الحريصات علي تطبيق الشريعة وتوقيع الحدود إن الأمر له جوانب متعددة يكون عليها أن تضعها في تقديرها لأنه ليس من السهل أن تجلدي أحدا أو تقطعي يد آخر فهذه ممارسات صعبة قاسية لا يجوز اللجوء اليها إلا في أشد الحالات فجراً وضراوة، وحتي في هذه الحالات فإن الشرع حاطها بسياج من الضمانات تحول دون تطبيق الحد في حالات عديدة إن علينا أن نقدر آلام الآخرين، وما يوقع عليهم من جزاء مهما كانت أخطاؤهم وقد أمرنا الرسول بأن "نتعافي الحدود" وقد خان التوفيق القارئة في النقاط الآتية: أولا : أن التوبة تسقط كل ذنب، حتي الشرك بالله، إذا كانت نصوحاً، وأن الرسول في حالتي تطبيق حد الرجم أخذ يحاول بكل الطرق ثني الآثمين عن الاعتراف، وحاول أن يصرفهما، ولكنهما أصرا علي توقيع الحد باعتباره تطهيرا لهما، وكان لهما في فسحة التشريع مندوحة بالتوبة والعمل الصالح. ثانيا: إن كلمة زان وزانية لا يمكن أن تطبق علي من يقترف هذا الاثم أول مرة، فتعبير زان وزانية لا يطلق إلا علي من كان هذا دأبه وديدنه، أما من ضعف مرة ثم ندم فإن المفسرين يدخلون ذلك في باب "اللمم" الذي استثناه القرآن من كبائر الإثم وذكروا صراحة الزانية الأولي والسرقة الأولي، فالمطالبة بتطبيق الحد مدفوع من ناحيتين: ناحية التوبة، وناحية انها المرة الأولي التي تدخلها في باب اللمم وما جاء في الآية "الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان" يصعب جدًا في حالة ارتكاب هذا الاثم لمرة واحدة، وإنما يمكن تطبيقه عندما يمارس الزنا علي وجه الاستمرار، ويكون له حكمه أيضا لأن من ألف ممارسة الزنا قد لا يتوافق في الزواج إلا بمن يماثله، وقد لا يجد سواه وهي أي الزانية أيضًا بالمثل. وأخيرًا نأتي إلي النقطة الثالثة وهي أن عقوبة الرجم لم ترد في القرآن وإنما جاءت في التوراة، ولما سئل الصحابي ابن أبي أوفي هل رجم الرسول، قال نعم فسئل قبل سورة النور أو بعدها قال لا أدري، ويحتمل أن الرسول طبق مبدأ "شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف" ولكن تطبيق الرسول لها لا يوجب أن نطبقها فقد تكون هناك ملابسات أوجبت ذلك ولا نعلمها، وما يجب علينا في الحدود التي تحدث عنها القرآن باعتبارها "حدود الله" هو ما جاء في القرآن وحده، وهذا هو ما كرره الرسول عندما قال: "الحلال ما أحله القرآن والحرام ما حرمه القرآن وبينهما عفو فاقبلوا من الله عافيته" وأعلن أن هذا سيثير الكثيرين، ولكني أعلم أيضًا انه رأي عدد كبير من كبار الفقهاء ذكروه إيماءً أو في مجال خاص لأنهم لا يريدون الدخول في معركة مع الآخرين. وقد تدخل عالم فاضل في عدد تال "12/22" فوجه نظر القارئة إلي منزلة التوبة والعفو وذكر الآيات التي تقرر ذلك، ولكنه ويا للعجب وقع في لبس أغلب الظن انه نتيجة السهو فذكر أن الآية "الزاني لا ينكح إلا زانية".. إلخ، انها الآية الثانية وهي الآية الثالثة "ولعل الخطأ من الطبع خاصة وأن 2 يشبه 3 تمامًا" ولكن التوفيق اخطأه عندما أحال القارئة علي الآية التي تقول: "إلا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم" فقال انها الآية الرابعة وهي الخامسة وانها تعود إلي الذين يرمون المحصنات، وليست علي الزاني والزانية".