«أكاديمية الشرطة» تنظم ورشة تدريبية عن «الدور الحكومي في مواجهة مخططات إسقاط الدولة»    رئيس جهاز العبور يتابع سير العمل بمشروعات الطرق والمحاور    مخاوف من توقف محطة المياه عن العمل في غزة    فاينانشيال تايمز: إسرائيل مصرة على تحدي العالم بعد أسبوع من الضربات الدبلوماسية    «الداخلية»: ضبط مخدرات مع شخصين بالقاهرة بقصد الإتجار    ارتفاع درجات الحرارة.. الأرصاد تكشف حالة طقس الغد    حبس سفاح التجمع لاتهامه بقتل 3 سيدات ورمي جثثهم على الطريق الصحراوي    داعية: الصلاة النارية تزيد البركة والرزق    هل من حق الشاب منع خطيبته من الذهاب للكوافير يوم الزفاف؟ أمين الفتوى يرد    وزير الري: مشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط يخدم الدول الإفريقية    د. مصطفى يوسف اللداوي يكتب // إسبانيا تستل سيفاً أندلسياً صدئَ أصله في بلاده    يوم الحسم في 3 قارات.. 7 نهائيات في اليوم العالمي لكرة القدم    منافسة قوية بين الأهلي والترجي لتعزيز رقم تاريخي.. «غير اللقب»    الصحة: إصدار 290 ألف قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة تجاوزت مليارا و713 مليون جنيه    السيسي للمصريين: نخفف الأحمال ولا نضاعف فاتورة الكهرباء 3 مرات؟    توقيع 3 مذكرات في الري والثقافة والتجارة.. 22 مسؤولًا من أذربيجان يزورون مصر    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 32 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    تعرف على المحطة الخامسة لمعرض "رمسيس وذهب الفراعنة" في أوروبا    أحمد العوضي: أصيبت باختناق بسبب مشهد الحريق في «حق عرب»    لأول مرة.. وزير المالية: إطلاق مشروع تطوير وميكنة منظومة الضرائب العقارية    سفير اليونان من جامعة الإسكندرية: حريصون على التعاون العلمي والبحثي مع مصر- صور    المفتي: لا يجب إثارة البلبلة في أمورٍ دينيةٍ ثبتت صحتها بالقرآن والسنة والإجماع    محمد علي يوضح سنة مهجورة بعد الوتر    وفد لجنة الإدارة المحلية بالنواب يتوجه فى زيارة ميدانية لمحافظة البحر الأحمر    12 حدثًا يلخصون أنشطة التعليم العالي خلال أسبوع    وزير الدفاع الأمريكي يستأنف عمله بعد خضوعه لإجراء طبي    "المقاومة الإسلامية بالعراق" تعلن قصف "هدف حيوي" بإيلات    الأهلى ضد الترجى.. بطل تونس يعلن جاهزية بن حميدة لمواجهة الليلة    أستاذ زراعة: اهتمام غير مسبوق بالنشاط الزراعي في الجمهورية الجديدة وطفرة في الصادرات    منى زكي تدعم فيلم رفعت عيني للسما بعد فوزه بجائزة العين الذهبية في مهرجان كان    4 صور جديدة تظهر رشاقة شيماء سيف بعد خسارة 50 كيلوجراما من وزنها    وزير الخارجية يقوم بزيارة الي بيت مصر بالمدينة الجامعية في باريس    للذكور والإناث.. بدء اختبارات القبول للدفعة العاشرة من معاوني الأمن (التفاصيل والشروط)    عاجل.. صدمة مدوية للشناوي بسبب نجم الزمالك    "كولر بيحب الجمهور".. مدرب المنتخب السابق يكشف أسلوب لعب الترجي أمام الأهلي    إنبي يكشف حقيقة انتقال أمين أوفا للزمالك    جامعة المنيا تنظم قافلة طبية لقرية دلجا    برنامج تدريبى حول إدارة تكنولوجيا المعلومات بمستشفى المقطم    كل ما تُريد معرفته عن مادة "البرازين" البديلة للسكر وأهم فوائدها    أسعار الذهب صباح اليوم السبت 25 مايو 2024    حبس سائق دهس شخصين في النزهة    صباحك أوروبي.. عهد جديد لصلاح.. صفقات "فليك" لبرشلونة.. وغموض موقف مبابي    الصين تعلن انتهاء مناوراتها العسكرية حول تايوان    إصابة 25 شخصا فى حادث انقلاب سيارة ربع نقل على طريق بنى سويف الفيوم    إحالة عاطلين للجنايات في حيازة أسلحة نارية بالزاوية الحمراء    نصائح الدكتور شريف مختار للوقاية من أمراض القلب في مصر    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    Genesis Neolun| الكهربائية الفاخرة.. مفهوم يعبر عن الرفاهية    ليست الفضيحة الأولى.. «الشاباك» الإسرائيلي أخطأ مرتين في نشر صورة إعلامي مصري    عيد الأضحى 2024 الأحد أم الاثنين؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    إطلاق مئات الآلاف من البعوض المعدل وراثيا في الهواء    حظك اليوم| برج القوس 25 مايو.. تأثير في الحياة العاطفية والاجتماعية    استعلم الآن.. رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2024 الترم الثاني بالاسم والرقم القومي    "كان يرتعش قبل دخوله المسرح".. محمد الصاوي يكشف شخصية فؤاد المهندس    وزيرة الثقافة تهنئ فريق عمل رفعت عينى للسماء ببعد فوزه بالعين الذهبية فى مهرجان كان    المدارس المصرية اليابانية تعلن بدء التواصل مع أولياء الأمور لتحديد موعد المقابلات الشخصية    مواعيد مباريات اليوم السبت والقنوات الناقلة، أبرزها مواجهة الأهلي والترجي في النهائي الإفريقي    عمرو أديب عن نهائي دوري أبطال إفريقيا: عاوزين الأهلي يكمل دستة الجاتوه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام علي رحيل السندباد
نشر في نهضة مصر يوم 14 - 01 - 2007

"بالطبع كانت الهتافات ضد الانجليز.. ولكن دوّي فجأةً في هذا المكان الملتهب شعارٌ آخر هو "يسقط حكم الباشاوات"، دوّي في صفوف الناس، ودوي في وجداني ومنذ تلك اللحظة وجدت نفسي كتفًا بكتف مع الثورة بمعناها الحقيقي"، هكذا قال ألفريد فرج في سيرته الذاتية وهو ما يشير إلي طبيعة قناعاته السياسية التي سوف تنعكس بقوة علي كتاباته المسرحية مضمونيا وأسلوبيا.
سوف يتجلي إيمانه بأن المسرح لابد أن يكون تعبيرًا، مباشرًا أو غير مباشر، عن الاحتياج الاجتماعي للمواطنين عن طريق الجدل الأيديولوجي للأفكار من أجل طرح ومعالجة مشكلات الوطن السياسية والاجتماعية. ويعد ألفريد فرج، الذي عامٌ مرَّ علي رحيله في 4 ديسمبر 2005، أحد أهم كتاب المسرح العربي المعاصر الذين امتازت رؤاهم بالطرح الجاد لقضايا العدل والحرية والهوية الوطنية والتضامن الاجتماعي. وكذلك الانشغال والاشتغال بالبحث عن الحقيقة والدعوة لخلق إرادة فاعلة لدي الفرد لكي يكون قادراً علي التغيير والتجديد. والمسرح، أبو الفنون، بوجه عام كان دومًا أحد أكثر الفنون التزامًا من حيث مساندته الشعوب ضد الحاكم الفاسد عبر كل العصور وخلال كل الحضارات. ولنا في المسرح العربي شواهد كثيرة تكرس دوره المهم في التعبير عن هموم الإنسان ومحنة الوطن. ففي سوريا قاوم مسرح أبو خليل القباني الاحتلال التركي وفي مصر قامت شخوص رمزية من التراث الفطري مثل "خيال الظل" و"الأراجوز" بمناهضة حكم المماليك وكشف فساده مما شجع الشعب علي فعل المقاومة والثورة. وهذا يدفعنا إلي الكلام عن التراث الشعبي وطرائق توظيفه إبداعيا في شتي الفنون. ويعدُّ ألفريد فرج أحد أبرع من توسلوا التراث الشعبي القديم من أجل استلهامه وتطويعه لصالح الفن والسياسة والاجتماع. وتوظيف التراث الشعبي فنيا، سيما في مجال المسرح، يأتي علي مناحٍ أسلوبية ثلاثة. قد يكون توظيفًا مسموعاً أو مرئياً، عن طريق استخدام عنصر الفلكلور ومفرداته كخلفية سمعية أو بصرية للعمل، وهذان الأسلوبان ينتميان إلي عالم التقنيات الإخراجية والحِرفية المسرحية. وأما الأسلوب الثالث فهو توظيف الفلكلور مضمونيا بنيوياً نصيا، وهذا ينتمي بقوة إلي عالم التأليف والكتابة. ويعدُّ ألفريد فرج أحد الرواد العرب في هذا التوجّه الفني. وفي سؤال له عن ريادته تيمة استلهام التراث الشعبي من أجل طرح قضايا معاصرة مثلما في "حلاق بغداد" و"الزير سالم" وغيرهما أجاب بأنه أراد أن يجعل من صوتِه الخاص صوتًا للشعب. فكان توجهه إلي التراث لكي يضمن مخزونًا مشتركا جَمعيا ومادةً تخاطب الذاكرة الجماعية عبر مختلف الأجيال. ولأن شاغله الأساسي كان تكريس مفهوم "العدل" فلم يكن غريبًا ألا يحفل مسرحُه كثيرًا بالطبقة العليا، كما فعل أمير الشعراء أحمد شوقي مثلا، بل كان بطلُه الرئيس هو طبقات الكادحين الفقيرة المهمّشة مثل الحلاق في "حلاق بغداد" والحطّاب في "رسائل قاضي إشبيلية" والملاح في "السندباد". ويعد ألفريد فرج، إلي جانب سعد الله ونوس، أحد أبرز من أبدعوا في التوظيف البنيوي النصي، إذ نجح في كتابة نصوص مسرحية تجمع بين قابلية العرض الحي علي خشبة المسرح من جهة، وأدبية النص في ذاته من جهة أخري، بحيث يستطيع أن يقف النصُّ مستقلا بذاته بمعزل عن خشبة المسرح بوصفه عملاً أدبياً يقرأ، بحقه الخاص، شأن سائر الأعمال الأدبية السردية. عرف ألفريد فرج كيف يستفيد من الخامات والمناهل السردية في التراث العربي القديم مثل الألف ليلة والسيرة الهلالية، ومن الجماليات التقنية الفنية في الملاحم والتراجيديات الإغريقية القديمة وطوّع كل ذلك لصالح الفن، دون الوقوع في شرك النقل المجاني. ذاك أنه كان يصارع الأسطورة أو الحكايا القديمة المنقولة شفاهيا أو كتابيا ثم يعيد ترتيب أوراقها ثم يحقنها بماء المعاصرة وإشكاليات الواقع الراهن فينتج فنًّا أصيلا هو ابن شرعي للجديد وغير منبّت الجذور عن القديم، وهي المعادلة الصعبة. وهذا ما نجده بجلاء في مسرحيات مثل "حلاق بغداد" 1963 و"علي جناح التبريزي وتابعه قفة" 1969 و"الزير سالم" 1967حيث استلهم ووظّف شخوصًا من "ألف ليلة وليلة" و"السيرة الهلالية" بعدما أعاد صياغتها إنسانيا وفنيا ومضمونيا وتكثيفها فلسفيا كي يستنطقها بقضايانا المعاصرة. فنجد مثلا الحلاق الذي اشتُهر تاريخيا بالثرثرة والفضول والخواء وقد تحوّل إلي رجل جاد منشغلٍ بهموم وطنه ومواطنيه. هذا عدا رائعته "سليمان الحلبي" 1965 التي كانت بمثابة صيحة غضب ضد المحتّل وتناوُلٍ فلسفي مباشر لفكرة الحرية والعدل والاستقلال. وأما مسرحية "النار والزيتون" 1970 فقد سجلت محنة الشعب الفلسطيني والغبن الذي وقع عليه منذ وعد بلفور وحتي اليوم ما يؤكد أن همَّه كان قوميا وليس فقط وطنيا.
. لقد كانت ثورة يوليو عام 1952، تلك التي حاولت أن تعيد ترتيب أوراق الواقع المصري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مناخًا خصبًا لبزوغ مسرح ناهض متنوع في الشكل والتوجه والهدف، فانقسم الإنتاج المسرحي المصري المواكب هذه اللحظة إلي أنماط ثلاثة: أولها قدم مسرحية اجتماعية انتقادية وبرزت فيها رموز مثل نعمان عاشور، سعد الدين وهبة، لطفي الخولي وألفريد فرج. وثانيها قدم المسرحية التراثية التي تفيد من المأثورات الشعبية وبرز فيها ألفريد فرج، نجيب سرور، شوقي عبد الحكيم، محمود دياب. وثالثها قدم مسرحياتٍ سياسيةَ التوجّه إما معاصرة أو تاريخية ولمعت فيها أعلام مثل عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وألفريد فرج. ونلمس بوضوح أن ألفريد فرج هو القاسم المشترك في التوجهات المسرحية الثلاثة ربما بسبب ترعرع وعيه في مرحلة مفصلية من تاريخ المجتمع المصري وبسبب طبيعة دراسته التي مكنته من الإطلاع علي الأدب الإنجليزي والتراجيديات العالمية شعرًا ومسرحًا فوجد في ألف ليلة وليلة والملاحم والسِّير نبعًا خصبًا لم ينفد بعد ويمكن العبُّ منه وتوظيفه لصالح طرح مشاكل لحظته الراهنة آنئذ. لذلك لا يجوز تأمل مسرح ألفريد فرج بمعزل عن حركة الإصلاح السياسي والاجتماعي في مصر بدءا بثورة يوليو وما أحدثته من متغيرات علي الصعيدين المصري والعربي علي السواء.
ولد الفريد في فترة مثقلة بالاضطرابات السياسية والاجتماعية والتباين السافر بين طبقات المجتمع بين بدايات وجود المستعمر الانكليزي الذي انفرد بالتحكم في مقدرات الشعب، وبين القصر الملكي الذي دان بولائه الكامل للمحتَّل. سوي أن تلك الفترة ذاتها أفرزت، بالتبعية، جيلا نظّم حركات تحرّر ومظاهراتِ تضامنٍ مع القضايا القومية والشعوب العربية المحتلّة لحظتئذ وتبني شعارات تنادي باجتياز الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة ومحاولة اللحاق بالعصر. ولعل من أكثر المواقف التي شكّلت مكوّن ألفريد فرج السياسي الرافض هو مشاهدته وقائع طرد الانجليز من مصر وهو ما انعكس علي مشروعه الفني بقوة.
ولد فرج في محافظة الشرقية عام 1929. حصل علي ليسانس الآداب في كلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1949. وكان عشقه المبكر للمسرح منذ الصغر سببًا في أن ينضم إلي فريق التمثيل بالمدرسة، وإلي جوار المسرح كان يمارس الشعر والرسم. بعد تخرجه في الجامعة عمل صحفيا وناقدًا أدبيا بمجلة روز اليوسف ومجلة التحرير وجريدة الجمهورية، ثم عمل مستشاراً لهيئة المسرح والموسيقي والفنون الشعبية في جمهورية مصر العربية، إلي أن تفرغ للمسرح أعوامًا ثلاثة هي 1964-65-66 فكانت من أخصب سنوات عمره المسرحي إذ أثري المسرح بالعديد من الأعمال التي أثّرت علي الحركة المسرحية في مصر. ومن أعماله إلي جوار ما سبق ذكره "سقوط فرعون 1957"، "عسكر وحرامية"، "جواز علي ورقة طلاق"، ودراسة فنية مطوّلة بعنوان "دليل المتفرج الذكي إلي المسرح"1969. نال، مثل معظم مثقفي مصر الشرفاء، شرف الاعتقال غير مرة في سجون الاستئناف والقلعة والواحات جراء موقفه الملتزم ومسرحه الرصين. وأما عن الجوائز المادية فقد حصد العديد منها مثل جائزة الدولة التشجيعية في مصر عام 1965، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وجائزة "القدس"، من اتحاد الكتّاب والأدباء العرب وتسلّمها في دمشق عام 2001، التي أعلن اعتزازه بها وقال في حوار أجرته معه جريدة "الوطن" عقب فوزه إن جهات دولية عديدة رشحته للفوز بنوبل إلا أنه تمني لو أتي ترشيحه لها من قِبَل وطنه مصر. مات ألفريد فرج بعيدًا عن الوطن قبل عام في مستشفي سانت تيريز بلندن عن عمر يناهز 74 عامًا متأثرًا بالسرطان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.