بعد الهجوم البربري الدموي الذي قامت به اسرائيل بقصف المبني السكني في قرية "قانا" الحدودية، والذي بلغ عدد قتلاه اكثر من اربعة وخمسين شخصا معظمهم من الاطفال، طلب مجلس الامن من الامين العام للامم المتحدة السيد كوفي انان، القيام بالتحقيق في ملابسات هذا الهجوم، وذلك من اجل كشف الحقائق بخصوص الغارة الاسرائيلية الهمجية والتي اثارت غضبا واسعا في انحاء العالم المتفرقة، والتي ادت كما هو معروف لحدوث تلك المجزرة البشرية المخزية. وعلي الرغم من مظاهر الحيادية والدبلوماسية التي يحاول السيد انان ان يغلف نفسه بها، الا ان جسامة الجرم وفظاعة الجريمة، قد دفعتا به للقول بأن القصف الاسرائيلي لقرية "قانا" بجنوب لبنان، يتفق فيما يبدو مع نمط من الانتهاكات للقانون الدولي، وفي التقرير الذي رفعه السيد انان الي مجلس الامن في يوم 8 اغسطس الماضي، قال فيه: بأن هناك حاجة الي تحقيق شامل لجمع الادلة حول انتهاكات محتملة للقوانين الانسانية وقوانين حقوق الانسان الدولية. الشيء المؤسف في ذلك جاء في الرد الاسرائيلي الذي تضمنته رسالة الي السيد الامين العام في الثالث من اغسطس، حيث اعرب الجانب الاسرائيلي فيها عن اسفه لسقوط ضحايا من المدنيين! الا انهم القوا باللوم في ذلك علي حزب الله لاستغلاله المدنيين الابرياء كدروع بشرية، غير ان الحكومة اللبنانية سارعت لتكذيب ذلك الادعاء، وابلغت الأمين العام بأن عمال الانقاذ لم يعثروا علي اي اسلحة داخل المبني المهدم، كما انهم لم يجدوا اي ادلة علي ان ايا من القتلي كانوا من مقاتلي حزب الله! وبغض النظر عن النتائج النهائية التي ستسفر عنها تحقيقات او محاولات جمع الادلة التي سترد في التقرير النهائي للأمين العام، فقد بات معروفا للجميع ان اسرائيل في حربها ضد لبنان، قد قامت بكل ما يمكن ان يشكل جرائم حرب، تستوجب ملاحقة مرتكبيها امام المراجع الدولية المختصة، وهذا بالضبط ما توصل اليه مجلس حقوق الانسان في قراره المتعلق بالانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الانسان اثناء عدوانها علي لبنان، كما اكد وزراء الخارجية العرب في ختام اعمال اجتماعهم الطارئ بالقاهرة، علي تحميل اسرائيل لكامل المسئولية في عدوانها علي لبنان، ونتائج الاستهداف الاسرائيلي المتعمد للمدنيين وللبني التحتية، وهو ما يمكن ادراجه تحت مسمي الخرق الصارخ والخطير للقانون الدولي، لاسيما القانون الدولي الانساني، وكذلك لاتفاقيات "جنيف" لعام 1949، ومن ثم تحميل اسرائيل مسئولية تعويض لبنان ومواطنيه عن جملة الخسائر البشرية والاضرار المادية والمعنوية، وعن تدمير البنية الاساسية والخسائر الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد اللبناني جراء العدوان الاسرائيلي. وفي نفس ذلك السياق، ذهب رأي آخر له وجاهته واحترامه للقول بأنه يمكن محاكمة قادة الجيش في اسرائيل وحكومة اولمرت دوليا علي جرائمهم ضد لبنان، صاحب ذلك الرأي هو السيد فؤاد عبد المنعم رياض، وهو قاض دولي متخصص، حيث اعتبر ان قصف اسرائيل للمدن والقري اللبنانية ومنع الغذاء عنها وتدمير المستشفيات بها، هي كلها جرائم ابادة جماعية محرمة بموجب المواثيق الدولية "الدستور 23/8/2006". وقد تزامن ذلك مع تصريحات هامة للسيد شارل رزق وزير العدل اللبناني، ذكر فيها انه يتم حاليا توثيق الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل خلال حربها ضد لبنان، وذلك بغرض مقاضاة المسئولين عنها، مؤكدا علي ان الذي قامت به اسرائيل يعد جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، ومنها ما يمكن اعتباره جرائم ابادة جماعية، حيث تم العثور هناك علي قنابل فسفورية وقنابل انشطارية وغبرهما من الاسلحة المحرمة دوليا، وقد تضمن رأي جريدة الاهرام الصادرة يوم 1/9/2006 ما يبين ضرورة محاكمة مرتكبي جرائم الحرب الاسرائيلية، مشيرا الي ان عدد القنابل العنقودية التي لم تنفجر من القائها علي لبنان يزيد علي مائة الف قنبلة، الامر الذي سيؤدي بالضرورة الي سقوط المزيد من الضحايا من المدنيين الابرياء! ولرغبتنا في اعادة قراءة واتاحة النصوص القانونية المتعلقة بحقوق الانسان وجرائم الحرب واشكالها، وكذلك المقصود بجرائم ابادة الجنس البشري للسادة القراء الاعزاء، فلقد وجدنا ضالتنا المنشودة في موسوعة حقوق الانسان والتي اعدها السيد محمد وفيق ابواتلة، وقدمها وراجعها المرحوم الاستاذ الدكتور جمال العطيفي، وقامت بنشرها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع في يوليو عام 1970، لتتضمن صفحاتها كافة الاتفاقيات والقرارات الدولية التي صدرت في ظل الاممالمتحدة والتي تعني بكل ما يتعلق بحقوق الانسان. ففي الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي صدر في 10 ديسمبر 48 بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 217 ورد في ديباجته ما يؤكد علي تعهد الدول الموافقة "ومن بينها لبنان واسرائيل" بالتعاون مع الاممالمتحدة علي ضمان اطراد مراعاة حقوق الانسان والحريات الاساسية واحترامها، وكذلك الادراك العام لهذه الحقوق، وقد جري تفصيل كل تلك الحقوق في 29 مادة مستقلة، اما المادة الاخيرة في ذلك الاعلان، فقد نصت علي ما يلي، ليس في ذلك الاعلان نص يجوز تأويله علي انه يخول لدولة او جماعة او فرد اي حق في القيام بنشاط او تأدية عمل يهدف الي هدم الحقوق والحريات الواردة فيه، وعلي نفس ذلك الطريق جاءت الاتفاقيات الاخري في ذلك القسم، والتي تضمن بجانب الاعلان المشار اليه سابقا، الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، واعلان اللجوء الاقليمي، بالاضافة الي الاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية. وفي القسم الثالث والخاص بحماية ضحايا الحرب، وردت الاتفاقيات الاربعة المعروفة مجازا باسم "اتفاقيات جنيف" كما تضمن ذلك القسم ايضا استعراضا لمداخلات مندوبي الدول وتحفظاتهم قبل التوقيع عليها. ويهمنا الاشارة هنا الي اتفاقية جنيف رقم 4 والخاصة بشأن حماية الاشخاص المدنيين، وقت الحرب ففي الباب الاول "الاحكام العامة" وردت 12 مادة تعهد في المادة الاولي منها الموقعون عليها "بمن فيهم اسرائيل" بإحترام احكام هذه الاتفاقية في جميع الاحوال، وفي المادة الثالثة تعهد الموقعون عليها علي انه في حالة قيام اشتباك مسلح، فعلي اطراف النزاع ان تطبق الاحكام الآتية: 1 الاشخاص الذين ليس لهم دور ايجابي في الاعمال العدائية.. يجب معاملتهم في جميع الاحوال معاملة انسانية. 2 ان يجمع الجراحي والمرضي ويعتني بهم. ولهذا الغرض تعتبر الاعمال الآتية محظورة، وتبقي معتبرة كذلك في اي وقت وفي اي مكان بالنسبة للاشخاص المذكورين: أولا: اعمال العنف ضد الحياة والاشخاص، وعلي الاخص القتل بكل انواعه وبتر الاعضاء والمعاملة القاسية والتعذيب. ثانيا: أخذ الرهائن. ثالثا: الاعتداء علي الكرامة الشخصية. رابعا: اصدار الاحكام وتنفيذ العقوبات دون محاكمة سابقة امام محكمة قانونية. اما المادة العاشرة من تلك الاتفاقية، فقد تضمنت اباحة وتسهيل الجهود الانسانية التي يمكن ان تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الاحمر او اي منظمة انسانية محايدة، وذلك بغرض حماية المدنيين وامانتهم، كما تضمنت المواد 15، 16، 17، 18 من الباب الثاني، الحديث عن وقاية السكان وحمايتهم اثناء الحرب، حيث اتاحت لاطراف النزاع انشاء مناطق محايدة، يمكن فيها حماية الجراحي والمرضي من المحاربين او غير المحاربين، والاشخاص المدنيون الذين لا يشتركون في اعمال عدائية، والذين لا يقومون بأي عمل ذي صبغة حربية اثناء اقامتهم في تلك المناطق، اما الجراحي والمرضي وكذلك العجزة والنساء الحبليات، فيجب ان يكونوا موضع حماية خاصة ورعاية، وان يعمل اطراف النزاع علي تسهيل نقل كل هؤلاء، بالاضافة الي الاطفال وحالات الولادة من المناطق المطوقة او المحاصرة، والسماح بمرور جميع رجال الدين وافراد الهيئة الطبية والمهمات الطبية، وتحريم استهداف المستشفيات، وان تكون دائما محل احترام وحماية اطراف النزاع، بينما نصت المادة 13 علي السماح بحرية مرور جميع رسالات مهمات المستشفيات والمهمات الطبية المرسلة للمدنيين، وكذلك ضمان مرور المواد الغذائية والملابس والادوية المخصصة للاطفال دون الخامسة عشرة، والنساء الحبليات وحالات الولادة، وتحدثت المادة 32 علي خطر الاخذ بأي اجراءات قد تسبب التعذيب البدني او ابادة الاشخاص او اتخاذ اي اجراءات وحشية ضدهم كما حظرت المادة 53 علي دولة الاحتلال ان تدمر اي متعلقات ثابتة او منقولة خاصة بالافراد او الجماعات او الحكومة او المنظمات، الا اذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما ضرورة هذا التخريب. اما فيما يتعلق بجرائم الابادة الجماعية، فقد جاءت في القسم الخامس من الموسوعة التي سبق التنويه عنها، وتضمن ذلك القسم استعراضا لنصوص الاتفاقية الدولية المعروفة "بإتفاقية مكافحة جريمة ابادة الجنس البشري والعقاب عليها" حيث اعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 96 بتاريخ 11 ديسمبر 1946، ان ابادة الجنس البشري جريمة في نظر القانون الدولي. كما انها تتعارض مع اغراض ومقاصد الاممالمتحدة وان العالم المتمدين ينكرها.