أسفت أسفاً شديداً للتصريحات التي صدرت عن مرشد الإخوان المسلمين الأستاذ مهدي عاكف خلال المؤتمر الجماهيري الذي نظمته نقابة المحامين في 19/8/2006 لدعم المقاومة الفلسطينية وتأييد حزب الله والتي جاء فيها: "إن القضية الفلسطينية وتحرير الأرض ستظل قضيتنا الأولي لأنها السبيل الوحيد للتخلص من شر الإسرائيليين والأمريكيين في المنطقة، مستنكراً موقف الحكام العرب الصامت تجاه الانتهاكات الإسرائيلية علي أرض فلسطين". ووصف الأستاذ عاكف موقف بعض القادة العرب تجاه الحرب علي لبنان (بالمخزي) و(المهين) قائلاً: (لولا إنهم موحدون بالله لقتلناهم) لأن خطرهم أشد وطأة من خطر اليهود أنفسهم، مشيراً إلي أن دعوة رئيس وزراء إسرائيل لقيام الدول العربية بإعادة إعمار لبنان قبل أن تقوم إيران بذلك يعد أمراً (مقززاً). وتساءل الأستاذ عاكف: كيف تدعو أمريكا والدول الأوروبية لإعادة إعمار العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان بعد أن قامت بتدميرها، مؤكداً أن أقل ما يقال عن هذا الأمر إنه (إجرام وحقارة وفساد) ويحمل استخفافاً من جانب الغرب تجاه الدول العربية وقياداتها. فرغم الخطاب الذي يميل إلي الاعتدال الذي يصدر من بعض رموز جماعة الاخوان إلا أن الأستاذ مهدي عاكف مازال يكرر أخطاءه سواء فيما يتعلق بالاساءة للوطن أو إلي حق المواطنة لكل ابنائه. لذلك أري ضرورة التأكيد علي النقاط: أولاً: أنه رغم أهمية القضية الفلسطينية _ إلا أنني أري أن قضيتنا الأولي هي إعادة بناء الانسان المصري.... بناء يُعيد لمصرنا الحبيبة مكانتها ولو علي المستوي الأقليمي وأيماناً بأن الوطن "جزء" من المواطن ينمو بنموه ويرقي برقيه ان بناء الانسان هي الخطوة الأولي في المقاومة... فالوطن الذي يعيش فيه المواطن حراً وطن تدار شئونه بالديمقراطية وطن ترتفع فيه وتمارس قيم المساءلة والمحاسبة وطن تتداول فيه السلطة والمسئولية وطن تُقدم فيه الخدمات الأساسية بمعايير دولية وطن يبادر بالانتماء للمواطن وطن تُختار قياداته طبقاً لمعيار الكفاءة وطن تديره حكومات في خدمة المواطن وليس العكس وطن يمتلك رؤية مستقبلية تبشر بمستقبل واعد لا يمكن أن يطمع فيه أحد. ثانياً : أن الموقف الذي صدر عن قادة القرار العربي (مصر والسعودية) كان عقلانياً وموضوعياً وعكس قدراً كبيراً من تقدير المسئولية مسئولية قيادة شعوب وأوطان بكل مقدراتها وامالها في مستقبل أفضل. ثالثاً: أن عبارة (لولا إنهم موحدون بالله لقتلناهم) ولا أعرف هنا هل يقصد المرشد العام قتلناهم أم قاتلناهم وإن كان التعبير المستخدم في الصحف والمنقول عنه هو التعبير الأول، والخطورة ليست فقط في التصريح بل فيما يحمل من معان وما له من تداعيات يراها المركز تعكس فكر ورؤية رأس الجماعة فماذا تعني هذه العبارة؟ تعني.......... أن رأس الجماعة مازالت تتبني فكرة عدم الخروج علي الحاكم طالما أنه علي الدين ولم يمنع الصلاة. مهما كان الحاكم مستبداً أو ظالماً أو غير كفء للمنصب وهو معيار مرفوض لكونه يتعارض مع قيم المساءلة والمحاسبة والحراك الاجتماعي والتداول وأن الحكم أولاً وأخيراً للشعب فالمعيار الحقيقي لبقاء الحاكم وأستمراريته هو تحقيق مصالح الشعب وحماية الوطن وليس بقاؤه علي دين معين. والأمر الثاني والذي يعد أكثر خطورة هو أن وسيلة التغير المعتمدة عنده هي القتل. وقد ذكرني رأي الأستاذ عاكف بموقف الحسن البصري فقد وصف الحجاج بأنه طاغية لسفكه الدم الحرام في البيت الحرام وأخذ المال الحرام، ومع ذلك ينصح الجمهور "بألا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتي يحكم الله وهو خير الحاكمين"- وكذلك قول الغزالي الذي وصف السلطان الجائر بأنه معزول أو وجب عزله ولكنه في نفس الوقت "لا يجيز الخروج عليه إلا أن يكون كفراً بواحاً لأن الفتنة بتحمل ظلمه أهون من الفتنة بالخروج عليه". كذلك تذكرت موقفًا معاصرًا أثناء فاعليات الثورة البرتقالية في أوكرانيا عندما كانت الفضائيات تنقل الأحداث من ميدان "كييف" وفي نفس الوقت تنقل شعائر العمرة من "مكة" فقد تشابه الموقفان في الأعداد الغفيرة ولكن كان الاختلاف الرئيسي في أن هذه الأعداد في الموقف الأول كانت تطالب بإعادة الأنتخابات المزورة لإزاحة الحكم الحالي وافراز حكم جديد - بينما في الموقف الثاني كانت الأعداد الغفيرة تدعو الله أن يُولي أمورنا خيارنا ولا يُولي أمورنا شرارنا. هل علمت عزيزي القاريء لماذا تخلفنا وتقدمت الشعوب الأخري؟؟؟. إن رأس الجماعة مازالت لا تؤمن بحق المواطنة وأن المسافة بينها وبين المفهوم مازالت بعيدة فتأسيساً علي تصريح سيادته لا يحق لغير المصري المسلم أن يتولي أمور الحكم فمازالت رأس الجماعة تؤمن وتدعو بأن حق الولاية لا تكون لغير المسلم وهذا ايضاً طرح مرفوض لكونه يتعارض مع ما نؤمن به وندعو له وهو تفعيل حق المواطنة بين كل أبناء الوطن الواحد فالمواطنة هي وحدة الانتماء والولاء من قبل كل المكون السكاني في البلاد علي اختلاف تنوعه العرقي والديني والمذهبي للوطن الذي يحتضنهم، ففيها تذوب كل خلافاتهم واختلافاتهم عند حدود المشاركة والتعاون في بنائه وتنميته والحفاظ علي العيش المشترك فيه........ ففي إطار المواطنة يمتلك المواطن.... كل مواطن سهم في وطنه سواء فيما يتعلق برسم سياساته أو التمتع بخيراته سهمًا غير قابل للمنح أو للأخذ أو الاعتداء أو البيع أو الأنابة لأي سبب من الأسباب....... فالمواطنة هي الحق الفردي لكل أبناء الوطن في تقرير مصيره. رابعاً: فيما يتعلق بإعادة إعمار ما خربته الحرب فإنني أؤيد أن تبادر الدول العربية بتقديم كل صور الدعم والمساندة لشعب وحكومة لبنان علي تخطي الكارثة واستعادة لبنان لعافيته من جديد كذلك أري ضرورة الترحيب وشكر المجتمع الدولي علي ما يقدمه من مساعدات سواء علي مستوي الحكومات او مؤسسات المجتمع المدني أيماناً بأن من أهم صور المقاومة هي إقامة علاقات جيدة مع دول وشعوب المجتمع الدولي وخصوصاً أصحاب القرار منها. [email protected]