" إن إسرائيل تخسر هذه الحرب وإذا ما استمرت إسرائيل في السير علي نفس الطريق فإنها ستتجه دون شك نحو اكبر إذلال عسكري لها في تاريخها ". هكذا يري الكاتب الأمريكي بريت شيفنز واقع حال إسرائيل بعد أكثر من شهر من الهجمات الجوية علي لبنان بقصد تدمير حزب الله غير أن الواقع يشير إلي أن الصراع الدموي الذي تقوده إسرائيل لم يحقق لها أي ايجابية عسكرية فرجال حزب الله الذين لا يتعدون بضعة آلاف استطاعوا قلب الموازين العسكرية فلا أراضي كسبها الجيش الإسرائيلي ولا قادة حزب الله قتلوا ولا تراجع في قدرتهم علي إطلاق الصواريخ نحو المستوطنات والمدن الإسرائيلية بل علي العكس تماما فقد كسب لبنان عامة وسماحة السيد حسن نصر الله خاصة تعاطفا دوليا علي الصعيد السياسي وجاءت المواجهات العسكرية التي خاضوها نقلة نوعية جعلت المحللين العسكريين وبخاصة في الولاياتالمتحدة يتوقفون أمام المشهد متسائلين هل قلب رجال حزب الله الموازين العسكرية العالمية؟ وهل يعني هذا أن الميليشيات عامة تستطيع تحدي قوة الجيوش النظامية؟ وماذا عن الدرس الذي تلقته العسكرية الأمريكية علي نحو خاص من معركة إسرائيل مع حزب الله؟ نظرة في قدرات حزب الله تحت هذا العنوان يكتب "شانكر توماس" في النيويورك تايمز يقول "بالمقاييس المعتادة يعتبر الجيش الإسرائيلي واحدا من أفضل جيوش العالم لكن حزب الله استطاع أن يأخذ إسرائيل علي حين غرة بضراوة وانضباط مقاتليه وبقدرته علي استخدام الأسلحة المتطورة".. غير أن الجديد والمثير الذي يشير إليه توماس هو أن المفاجأة لم تقتصر علي إسرائيل وحدها بل أنها أصابت واشنطن والجيش الأمريكي نفسه..ماذا يعني هذا الحديث؟ يعني حسب وصف الصحيفة الأمريكية أن الغطرسة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية قد تفشل في مواجهة جماعات مسلحة ليس لها صفة النظامية كالجيوش وعليه فانه علي الإدارة الأمريكية أن تتعلم من التكتيكات العسكرية التي يعتمدها حزب الله في قتاله ضد الجيش الإسرائيلي لأنه في ظل الانتصارات التي حققها حزب الله حتي الآن أمام قوة جيش نظامي مثل الجيش الإسرائيلي بات من السهل أن تحتذي تنظيمات أخري بهذا النموذج. والقارئ للمشهد التصادمي علي الأرض في الجنوب اللبناني يستطيع أن يجزم ببراعة وتعقيد العمليات التي يقوم بها حزب الله والتي مكنته من إغراق سفينة حربية إسرائيلية في بداية العمليات وبات من الواضح انه يمتلك مزيجا فريدا من قدرات الجيوش النظامية من جهة والمليشيات الحربية من جهة ثانية وحسب خبراء عسكريين أمريكيين فان حزب الله يتبع أسلوبا قتاليا جديدا يمكن أن يطلق عليه "منازلة القرن الواحد والعشرين" وتدخل ضمن هذه المنازلة تصنيفات جديدة من بينها حرب الشبكات . من بين هذه الأصوات يعلو صوت جون اركيللا أستاذ التحليل الدفاعي في الكلية البحرية الأمريكية والذي يري أن ما يجري بين حزب الله وإسرائيل هو أول حرب عظمي بين الدول والشبكات ووجود مثل هذه الحرب وحده كاف لإثبات القوة المتعاظمة للشبكات كونها تشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي. أمريكا وتعلم دروس القتال وفي إطار الرؤية الأوسع لما اعتبر قلبا للموازين العسكرية من جانب حزب الله يشير اركيللا في محاضرة بعنوان حرب الشبكات إلي أن الجيوش النظامية تنتظم في هياكل تراتبية تبدأ بالجنرالات وتتدرج نزولا حتي الجندي العادي أما الشبكات والتي يعتبر حزب الله احداها فتعمل بالمقابل علي جعل هياكلها مسطح فجنودها ينتشرون ويتفرقون ويتحركون وينتظمون ارتجاليا وحسب مقتضيات الميدان وهذا ما يجعلهم فعالين ويجعل تتبعهم واستهدافهم أمرا صعبا. ويشدد تحليل صحيفة النيويورك تايمز علي أن حرب الشبكات هي معركة الإعداد المنظمة فحزب الله خاض منذ سنوات أعقبت الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عملية إعادة بناء لقواته وكانت تقديراته الميدانية عالية المستوي فعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما استتبعها من غزو لأفغانستان والعراق كان السيد نصر الله يدرك أن الدوائر تدور في الخفاء والعلن مستهدفة قواته وتحسبا لذلك استطاع أن ينظم قواه في وحدات صغيرة برع رجالها في استخدام التكنولوجيا الحديثة إضافة إلي الأسلحة الخفيفة والمتوسطة . إفشال نوايا أمريكا تجاه إيران يقول دانيال بنجامين الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية إن نجاح حزب الله في الصمود بوجه القصف الإسرائيلي يطرح تحديا مباشرا أمام الجيش الأمريكي الذي يخطط لاحتمالات المستقبل مع إيران والتي قد تشمل السعي إلي تعطيل طموحاتها النووية أو شن هجوم أوسع عليها يخدم أغراضا سياسية مثل تغيير النظام. و التساؤل الأكثر إزعاجا بالنسبة للعسكرية الأمريكية هو إذا كان هذا حال التليميذ "حزب الله " فكيف يمكن أن تكون قدرات الأستاذ " إيران " ؟ الإجابة هي أن مخططي البنتاجون المعنيين بالمنطقة يتنبأون بان الجيش الأمريكي سيواجه إذا قرر مهاجمة إيران حربا ليست تقليدية كتلك التي سارت بها الصفوف المدرعة إلي بغداد وأطاحت بصدام حسين فإيران هي التي دربت حزب الله وبوسعها أن تقاتل مثله وأفضل منه انطلاقا مما يتوافر لها من عتاد وسلاح أقوي وأشد فتكا . ولمواجهة هذا التطور يعكف المخططون العسكريون الأمريكيون في الوقت الراهن علي دراسة الأداء القتالي لجماعات مثل الباسيج التي ينظمها الحرس الثوري الإيراني ويمدها بالعتاد لكي توفر شبكة جاهزة من 90 ألف مقاتل متفرغ و300 ألف من الاحتياط إضافة إلي تهيئة قاعدة للتجنيد قادرة علي رفد هذه الأعداد بمليون مقاتل الأمر الذي تتقزم إزاءه المقاومة العراقية التي تقض مضاجع الأمريكيين. فيما الأمر الثاني والمتعلق بالأمن القومي الأمريكي فيدور في دائرة الاستحقاقات السلبية من جراء المواقف الأمريكية والتي تهدد أمنها الداخلي وتزيد من احتمالات تعرضها لضربات انتقامية. يكتب الكاتب البريطاني وثيق الصلة بالنزاع العربي الإسرائيلي باتريك سيل متسائلا هل ما يجري يمكن أن يقود إلي أحداث 11/9 جديدة؟ فيما السيناتور الجمهوري تشاك هاجل يؤكد أن ما يجري من مذابح في الشرق الأوسط يعمق الكراهية ويزيد من المرارة تجاه أمريكا. و يشير عدد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية لمخاوفهم وقلقهم بشأن الأمن الداخلي للولايات المتحدة خاصة بعد أن تبين لهم أن حزب الله وهو في نظرهم مجرد حفنة من المقاتلين يعملون بشكل غير نظامي تحول إلي شوكة في حلق الجيش الإسرائيلي ومن هنا فان الأمريكيين يرون أن القلق الآن لم يعد محصورا في كيفية كسر حلقة العنف في الشرق الأوسط فقط وإنما بدا يتركز خلال الأيام الأخيرة علي إمكانية احتذاء تنظيمات إرهابية أخري بأساليب حزب الله تمهيدا لاستخدامها في هجمات يمكن أن تستهدف المصالح الأمريكية في الداخل أو الخارج وعلي حد تعبير " بي دبليو ستينجر " زميل معهد بروكينجز المتخصص في تأثير التقنيات الجديدة علي الأمن القومي فإننا أصبحنا الآن في عالم يستخدم فيه لاعبون لا يدخلون في عداد الدول جميع أدوات التسلح من الطائرات التي تعمل من دون طيار إلي الصواريخ والقرصنة الحاسوبية. إسرائيل تنكسر من جديد وفي الحق أن إسرائيل تعرضت لانتكاسة عسكرية بددت من جديد وهم " إسرائيل التي لا تهزم " وذلك ضمن سلسلة من الانكسارات بدأت غداة السادس من أكتوبر من عام 1973 عندما عبر الجيش المصري قناة السويس وحطم خط بارليف وحقق انتصارا عسكريا يدرس حتي الساعة في أكاديميات العالم العسكرية وها هي تخفق من جديد في مواجهة رجال حزب الله البواسل . يقول عوزي بنزيمان الكاتب الإسرائيلي في صحيفة معاريف "كل صباح يبدأ التوقع بحدوث الضربة القاضية التي تقضي علي حزب الله وكل ليلة تنتهي بتعادل أكثر منه تفوق واضح ". أما عن الإخفاقات والهزائم الإسرائيلية فحدث عنها ولا حرج ولعل من أهمها سقوط وهم أجهزة المخابرات الإسرائيلية وعيونها في لبنان بعد أن فشلت في معرفة ما إذا كان الموجودون في منزل قانا من المدنيين الأبرياء أم رجال حزب الله فيما بات واضحا أن لحزب الله عيونا داخل الأراضي الإسرائيلية أثبتت فعاليتها غير مرة. ومن سطور الفشل الأسود لإسرائيل أنها لم تكن تعرف امتلاك حزب الله للصواريخ الصينية المضادة للسفن التي أعطبت البارجة وأغرقت زورقا آخر بمن عليه من جنود وعندما بدأت الحرب تحدث المسؤولون الإسرائيليون عن تحطيم حزب الله ثم تراجعوا قليلا وتحدثوا عن إخراج حزب الله من منطقة الحدود ثم زادوا من تراجعهم أظن أن الإسرائيليين أنفسهم باتوا يخشون من هذه الصحوة ذلك لأنه حسب أقوالهم إذا كان رجال حزب الله قد أحدثوا مثل هذا الضرر بصفوفه العسكرية فماذا يكون حال دخول الجيوش النظامية العربية في حرب مع إسرائيل؟ الواقع مؤلم بالنسبة لإسرائيل وإذا كان العرب يمدون يدا طويلة للسلام فان السلام لا يدرك ولا يحمي إلا في الحدود التي تصل نيران مدافعك إليها. هل قلب حزب الله الموازين العسكرية الإقليمية والدولية؟.