هل بات اشتعال حرب إقليمية في الشرق الأوسط أمرًا لا مفر منه ؟ أم شأن مخطط له في إطار أن ما يجري في المنطقة العربية برمتها هو تحصيل حاصل؟ وهل ستتدحرج كرة النار المشتعلة تجاه عدد من العواصم في مقدمتها طهرانودمشق منذرة بأنه قد حان وقت المواجهة الكبري التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة. ومما يزيد من غموض المشهد ردود الأفعال الأمريكية والتي دعت للحيرة من جانب والدهشة من جانب آخر وقد غلب فريق كبير من المحللين الأمنيين والسياسيين أن ما يجري هو رغبة أمريكية خالصة أو حرب أمريكية بوكالة إسرائيلية. وفي الحق أن التساؤلات كثر والأيام القادمة تحمل علي الخوف من الاسوا الذي لم يأت لبعد. فهل يمكننا أن ندرك أبعاد ما جري ويجري في لبنان الأيام الماضية؟ ابعد من تخليص الأسيرين كانت الأجواء علي الحدود اللبنانية الاسرائيلية غير بعيدة عما يجري داخل غزة من قتل وتدمير ووحشية للشعب الفلسطيني بحجة البحث عن الجندي المخطوف جلعاد شليت في حين أن الآلاف من الأسري الفلسطينيين يبقون قابعين في السجون الاسرائيلية منذ عشرات السنين دون أن يحرك احد ساكنا لا سيما المجتمع الدولي الذي ملأ الدنيا صياحا وضجيجا وجلبة بعد اختطاف الجندي المكور. ومع عملية حزب الله الوعد الصادق كانت إسرائيل تنتظر الفرصة التي طالما ترقبتها لتخليص ثأر قديم من الحزب الذي أذل الجيش الذي لا يقهر وجعله يفر مذعورا من جنوب لبنان في مايو من عام 2000 وها قد وجدتها بل وجدها الحليف الأمريكي فرصة ربما لا تتكرر في الخلاص من بقية المنظومة المسماة دول محور الشر. والتساؤل هل ما جري ويجري هو أمر يراد به تخليص الجنديين الأسيرين أم تأديب حزب الله ؟ الواقع أن ما هو حادث يتخطي تلك الحدود الأولية فالفرصة المواتية والتي انطلقت من لبنان لابد وان تنتهي في دمشقوطهران والدليل علي ذلك أن النيران المستخدمة والحشود المرصودة هي حشود حرب وليست تأديبًا وقد تجلت نوايا إسرائيل في تصريحات عدد وافر من المسئولين الإسرائيليين وعلي رأسهم الجنرال دان هالوتز رئيس الأركان الغاضب الذي أعلن عقب اسر الجنديين أن الجيش الإسرائيلي سيعيد عقارب الساعة إلي الوراء لمدة 20 سنة ولسوء الحظ كان هذا البيان اصدق مما كان مقصودا علي حد تعبير الكاتب والصحافي الأمريكي دافيد اغناتيوس. ومعني ذلك أن لبنان ستصبح بمثابة الممر لا المستقر إلي سوريا التي تواجه اتهامات ليس اقلها ولا آخرها أنها المنفذ التي عبرت من خلاله الصواريخ الإيرانية قصيرة ومتوسطة المدي التي دكت المدن الاسرائيلية ومن بعد دمشق تبقي طهران التي يحارب حرثها في لبنان بجانب حزب الله والتي أعطب رجالها البارجة الاسرائيلية ساعر 5 في المياه اللبنانية وطهران تعني البرنامج النووي الإيراني الذي لا ولن تقبل به إسرائيل لا في الحال ولا في الاستقبال وعليه فلابد من التخلص من النظامين السوري والإيراني عبر الانتهاء بادئ ذي من مقاومة حزب الله في الجنوب والتساؤل الذي يرد مباشرة للأذهان هل إسرائيل ماضية بمفردها لتحقيق هذا السيناريو أم أن ما تقوم به هو حرب أمريكية بوكالة إسرائيلية؟ أمريكا وتبرير الهجمات منذ بداية الأزمة اختارت واشنطن علانية موقف المساند للهجوميات الاسرائيلية وقال بوش إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ولابد لكل دولة من أن تذود عن نفسها ضد هجمات الإرهابيين وضد إزهاق أرواح الأبرياء. وعبر قمة الثماني التي عقدت في مدينة سان بطرسبرج في جمهورية روسيا الاتحادية كانت خفايا قلب بوش تظهر عبر الميكروفون المفتوح حينما تلفظ بعبارات نابية تجاه سوريا مؤكدا أنها وراء ما يجري في لبنان أما وزيرة خارجيته كونداليزا رايس فقد رأت أن الوقت غير مناسب لان يتخذ مجلس الأمن القومي قرارا بوقف إطلاق النار وحملت علي كل من سوريا وإيران وحملتهما مسئولية التوتر الذي تشهده المنطقة مؤكدة أن بلادها لا تقف في وجه أي احد يريد الدفاع عن نفسه في وجه هجمات صاروخية. والحقيقة أن هذا الموقف يدعونا للتأمل في الدور الأمريكي ولماذا جاء علي هذا النحو؟ يقول الدكتور جيمس زغبي مدير المعهد العربي الأمريكي في واشنطن عبر صفحات النيويورك تايمز الأمريكية " إن العنف المتصاعد يهدد باتساع دائرته في منطقة الشرق الأوسط وربما يقود إلي خروج المنطقة بأسرها عن السيطرة فيما لو استمرت الأوضاع الراهنة وفي الوقت الذي تبدي فيه أوروبا قلقها علي ما يجري وترسل فيه الأممالمتحدة وفدا للتفاوض مع أطراف النزاع في المنطقة تتخاذل الولاياتالمتحدة وتتخلي عن دورها القيادي في لجم ما يجري أمامها علي رغم كونها الدولة الوحيد القادرة علي وضع حد لهذا التصعيد. بل إلي ابعد من ذلك فقد بدا الرئيس بوش وكأنه متلبس بمعطف إسرائيل ومشجع لها بين صفوف المشجعين من خلال إشارته بإصبع الاتهام إلي كل من حركة حماس وحزب الله وسوريا وإيران وهي ولاشك إشارة توفر لإسرائيل ما يلزمها من تفويض لممارسة ما تسميه حق الدفاع عن نفسها وهكذا يكتمل ما تفعله القوة الاسرائيلية المنفلتة بثنائية مفارقة التعاطف والضغط الأمريكية مع العلم أن التعاطف ظل من نصيب إسرائيل دائما بينما كان الضغط من قدر الرب ونصيبه باستمرار. خطة أمريكية إسرائيلية ومن الاستقراء السريع لتصريحات بوش يوقن المرء أن ما تقوم به إسرائيل ليس أمرا عشوائيا وان عملية حزب الله " الوعد الصادق " لم تكن السبب فيما يجري الآن وان الخطة كانت معدة سلفا....ماذا يعني هذا الحديث؟ بداية يلزمنا الرجوع إلي المشهد العراقي عبر سنواته الثلاث ذلك لان المخطط الأمريكي لم يمض قدما كما رسم المحافظون الجدد عبر وثيقة القرن الأمريكي وكان المستنقع العراقي عاملا مؤثرا في تأجيل بقية خطط الإمبراطورية الأمريكية تجاه سوريا وإيران ولولا ما جري ويجري داخل العراق لكانت دمشقوطهران قد تعرضتا للنيران الأمريكية منذ وقت بعيد.والمقطوع به هنا أن واشنطن تحاول الآن استكمال بقية المخطط ولتحقيق ذلك كان لابد من الخلاص من عقبتين كئودتين الأولي هي الوجود الشيعي في العراق والذي يمكن أن يستخدم كخنجر في خاصرة القوات الأمريكية هناك وعليه تحاول الإدارة الأمريكية إرضاءهم وضمان ولائهم في الداخل والثانية هي جماعة حزب الله في الجنوب اللبناني ذلك لان نفوذهم يدعم الداخل الفلسطيني من خلال حماس ومن هذا المنطلق كانت الخطة تقتضي تحييد الشيعة والخلاص من حزب الله وساعتها ستصبح سوريا بداية بين المطرقة والسندان أي بين القوات المسلحة الأمريكية في العراق وتلك الإسرائيلية القادمة من الجنوب اللبناني وفي المخطط الأمريكي انه إذا لم يسقط نظام حكم الرئيس الأسد من جراء تداعيات الضربات في لبنان فان إسقاطه عسكريا سيصبح أمرا يسيرا في وقت قادم وليس ببعيد. وإذا كانت سوريا هي الهدف التكتيكي فان إيران تبقي دائما الجائزة الكبري وبخاصة بعد نجاح " إذا تم " تقليم أظافرها وتقليل التداعيات المتوقعة من ردود أفعالها ذلك أن الأمريكيين والإسرائيليين يعلمون ما يمكن أن تسببه إيران من قلاقل واضطرابات في المنطقة حال تعرضها لهجوم أمريكي إسرائيلي. ولعل خير دليل يؤكد صدق ما ننحو إليه هو الهجمات العسكرية الإسرائيلية علي لبنان وعلي نحو خاص الهجمات الجوية والتي تعرف في العلوم العسكرية تحت اسم الضربات الافتتاحية OPENING FACE قد استمرت لعدة أيام وهو ما يشير إلي أن الأمر يتعدي تخليص أسيرين من بين يدي حزب الله ذلك لأنه إذا كان المقصود فقط تأديب حزب الله وإبعاده عن الحدود وفك قيود الأسري لكان الأمر قد استدعي عملية تمشيط وتطهير للحدود خلال يومين أو ثلاثة ثم الطلب إلي مجلس الأمن بان تحل قوات دولية علي طول الحدود اللبنانية الجنوبية أو يحل الجيش اللبناني محل قوات حزب الله ولكن الهدف السياسي للعملية ابعد من ذلك بكثير وهو ما بان جليا في اجتماع الحرب الذي انعقد في تل أبيب......... فماذا عن هذا؟ والتساؤل الذي يرد مباشرة للأذهان هل إسرائيل ماضية بمفردها لتحقيق هذا السيناريو أم أن ما تقوم به هو حرب أمريكية بوكالة إسرائيلية؟