مع انحسار احتياطيات النفط والغاز الطبيعي علي النطاق العالمي، فإنه ربما يكون تعويضها ممكناً من الناحية التكنولوجية، وليست الاقتصادية بأي حال. ذلك أن محاولة كهذه ستكون فادحة التكلفة، اعتماداً علي ما نراه اليوم من بلوغ سعر البرميل الواحد من النفط الخام 70 دولاراً، وهو سعر آخذ في الارتفاع والزيادة. ومن شأن هذه الحقيقة تعزيز قابلية بدائل الطاقة الأخري المتجددة، بسبب ارتباط تلك القابلية بسعر برميل النفط الخام في الأسواق العالمية. ويعني هذا أنه وفي حال انخفاض سعر برميل النفط عالمياً وهو أمر غير مرجَّح البتة فستنخفض قابلية وجدوي البحث عن مصادر الطاقة البديلة المتجددة. وفي المقابل وفيما لو ارتفعت أسعار النفط العالمي وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً فسوف ترتفع تبعاً لها قابلية وجدوي البحث عن المصادر البديلة للنفط. والشاهد حتي الآن، أن أفضل البدائل الاقتصادية المتاحة للطاقة الأحفورية، هي الخلايا الشمسية، وأوراق الأشجار والشجيرات القصيرة والأعشاب. وميزة هذه المصادر جميعاً أنها تمتص ضوء الشمس وتحوله إلي عدة مواد عضوية، تتخذ شكل طاقة مختزنة من ضوء الشمس. وكما نعلم فقد كانت المجتمعات البشرية في عصور ما قبل التاريخ، تخرج للصيد من أجل الحصول علي الأسماك والحيوانات وكذلك لجمع الثمار وجذور النباتات. ثم جاءت مرحلة لاحقة تعلمت فيها البشرية تربية هذه الحيوانات وزراعة المحاصيل والثمار. وعلي رغم كف أسلافنا عن حرفة الصيد القديمة تلك، إلا أننا لا نزال نمارسها في مجتمعاتنا المعاصرة، ولكن بحثاً عن الطاقة في غابات ظهرت إلي الوجود قبل ملايين السنين. أي أننا لا نزال نبحث عن النفط والفحم والغاز الطبيعي الكامن هناك. لكن بما أننا أصبحنا أكثر استنارة الآن، فإن علينا أن نفعل الشيء ذاته الذي فعله أسلافنا في بحثهم في ذلك الماضي السحيق عن الطعام، أي فلاحتهم للغذاء بدلاً من الخروج اليومي لصيده وجمعه. وها قد حانت اللحظة التي ينبغي علينا فيها فلاحة طاقتنا بدلاً من الخروج والبحث المضني عنها يومياً. ومثلما أنشأ أجدادنا وأسلافنا ما سميناه بالأمس "مزارع الغذاء"، فإن علينا أن ننشئ اليوم ما يمكن تسميته ب"مزارع الطاقة". والمؤكد أننا سنحصل علي حاجتنا من الطاقة، من خلال زراعتنا للنباتات، بدلاً من انتظارها كي تنمو وتتحلل إلي فحم وبترول وغاز طبيعي عبر ملايين السنين، ثم نستخدم في سبيل استخراجها من باطن الأرض ومعالجتها كيميائياً، تكنولوجيا جد باهظة ومعقدة. ولعل أوفر أنواع الطاقة التي تمكن فلاحتها بواسطة البشر، هي كحول غاز الإيثانول أو في تسميته العلمية الدقيقة كحول "البيو-إيثيل". والملاحظ في هذا الغاز أننا نستخدم كميات كبيرة منه سلفاً، في مكونات الجازولين المستخدم اليوم. ويتكون هذا الغاز علي نحو رئيسي من أجزاء معينة من القمح إلي جانب تخمير المواد السكرية. وإلي جانب هذا البديل، هناك أيضاً "البيوديزل"، الذي يمكن الحصول عليه من فول الصويا وبذرة عباد الشمس وغيرهما، وجميعها أنواع مختلفة من الطاقة البيولوجية. وبهذا المعني، فإنه يمكن استخلاص النفط دون أدني حاجة إلي عملية التخمير. وطالما أن قدرة بعض الدول في إنتاج السكر أو القمح من أجل تخميرهما وتحويلهما إلي كحوليات مستخلصة بيولوجياً، وذلك بسبب ظروفها المناخية أو طبيعة تربتها، وما إليهما من عوامل زراعية، فإن مما يثير الاهتمام اليوم، ذلك التقدم العلمي الكبير الذي أحرز في مضمار استخلاص الطاقة من المواد السيليولوزية التي يوجد بعضها في نفايات الأخشاب وكذلك النفايات الجافة الناتجة عن المنتجات الزراعية. وفيما لو أمكن تحليل هذه المواد السيليولوزية بواسطة الإنزيمات إلي مواد سكرية يسهل تخميرها وتحويلها إلي غاز الإيثانول، فعندها ستكون قد أزيلت الكثير من العوائق أمام الاستخدام الواسع لمنتجات الطاقة البيولوجية. وفي سبيل اختبار هذه الإمكانية، فقد أنشئت مشروعات رائدة لإجراء التجارب والاختبارات في هذا الشأن، مع ملاحظة أن النتائج المتحققة حتي الآن تعد مبشرة للغاية. ففي كل يوم يجري تخفيض التكلفة، تبعاً لانخفاض تكلفة إنزيم السليولوز بفضل استمرار ومثابرة البحث العلمي قليل التكلفة في هذا المجال. والجميل في استخدام الطاقة المستخرجة من النباتات الحية، أن أوراق النباتات نفسها تعيد امتصاص أي كميات من ثاني أكسيد الكربون تبث من الطاقة النباتية. وبذلك تتوفر لنا دورة لا تطرأ عليها زيادة أو نقصان في كمية ثاني أكسيد الكربون المبثوثة في الهواء. وهذا يعني أنه لا سبيل لهذا النوع من الطاقة البيولوجية في المساهمة في زيادة الإحماء الشامل، الذي ينتج عن زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء، مع العلم بأن هذه الظاهرة تسببها عادة منتجات الطاقة الأحفورية. وبالطبع ندرك أنه ليس في مقدور دولة ما، تلبية كافة حاجاتها من الطاقة اعتماداً علي مصادر الطاقة البيولوجية أو الشمسية أو طاقة الرياح. ولهذا السبب فإنه لابد من اللجوء إلي خليط من مصادر وأشكال الطاقة، وفقاً للظروف والخصائص المناخية والتضاريسية وسمات التربة الخاصة بأي من دول العالم المختلفة. وعليه فإنه ليس غريباً أن نري استخدام طاقة الرياح والطاقة المائية في جزء ما من أجزاء القطر نفسه، في حين نري استخدامات الطاقة البيولوجية في جزء آخر من ذات القطر. ليس ذلك فحسب، بل ربما نري استخداماً للطاقة الأحفورية القابلة للتعويض من الناحية الاقتصادية في جزء ثالث من الدولة نفسها. ولست أتحدث هنا عن حالة خيالية مستعارة مجازاً من قصص الخيال العلمي، إنما أشير إلي واقعة فعلية تحدث الآن في دولة مثل البرازيل، التي تحررت تماماً من أي واردات نفطية. فقد تمكنت سلفاً من إنتاج 6 ملايين من السيارات التي تستخدم إما كحول غاز الإيثيل الصافي، أو المخلوط مع الجازولين. وتعرف هذه السيارات باسم السيارات المرنة الطاقة. فما أن تقود أي واحدة منها إلي أي من محطات التزويد بالوقود، حتي تري مضختين كتبت علي إحداهما عبارة "كحول" وعلي الأخري "جازولين" علي الرغم من أن هناك نسبة 22 في المائة من غاز الإيثانول في مكونات الجازولين سلفاً. وما أن يتم تزويد السيارة من كلتا المضختين، حتي يتكيف محرك الماكينة وفقاً لكميات الجازولين والغاز المتوفرة لتحريكها. وحتي هذه اللحظة، فإن تكلفة جالون الغاز لهي أقل بكثير من جالون الجازولين. ومما يخطر علي بالي من أسئلة مهمة: إذا كانت دولة بحجم البرازيل قد تمكنت من الانتقال بهذه السرعة المذهلة إلي مصادر الطاقة البيولوجية، فما الذي يمنع القوة العظمي الوحيدة في عالم اليوم، من فعل الشيء نفسه، بدلاً من إدمانها غير المبرر للنفط الشرق أوسطي؟