في الذكري الخمسين لتأميم قناة السويس وما ترتب علي هذا التأميم من عدوان ثلاثي علي مصر قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. تفرض المقارنة نفسها بين ما حدث في عام 1956 في مصر وما يحدث اليوم في العراق. والمقارنة تدور أساساً بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الحكومة البريطانية في ذلك الوقت انطوني ايدن. كان ايدن يعتبر مصر مصدراً لكل المتاعب التي يواجهها الغرب في قيمه وفي مصالحه معاً. وكان يعتبر أيضاً أن من واجب الغرب التحالف لمواجهة أي خطر يهدد مصالحه في قناة السويس، وذلك باعتبار القناة الشريان الحيوي ليس فقط لحركة التجارة الغربية، إنما للوصول الي المستعمرات في شرق افريقيا وجنوب غرب آسيا. ثم ان ايدن الذي كان يعاني من تدهور في شعبيته داخل بريطانيا وجد في رفع شعار القضاء علي الديكتاتورية ممثلة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر أساساً لاستعادة شعبيته ولتحسين موقعه الحزبي والحكومي. أما الرئيس الأمريكي جورج بوش فقد اعتبر العراق مصدراً للمتاعب التي يواجهها الغرب في قيمه وفي مصالحه. وذلك من خلال اتهام نظام صدام حسين بأنه متحالف مع تنظيم القاعدة، وأنه يعمل علي انتاج أسلحة دمار شامل بما في ذلك السلاح النووي. وكما فعل ايدن من قبل، عمل الرئيس بوش علي إقامة تحالف دولي لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد مصالح الغرب النفطية وذلك باعتبار أن النفط هو كالدم بالنسبة للاقتصاد والمواصلات ولتحريك الآلة الحربية. ثم ان الرئيس بوش كان، مثل ايدن أيضاً، يعاني من تدهور في شعبيته داخل الولاياتالمتحدة بعد وقوع جريمة 11 سبتمبر 2001 أي بعد وقت قصير من إعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية بصورة محفوفة بالشكوك وعلامات الاستفهام. وقد رفع، مثل ايدن كذلك، شعار القضاء علي الديكتاتورية ممثلة هذه المرة بصدام حسين ونشر الديمقراطية أساساً لاستعادة شعبيته ولتحسين موقعه الحزبي والحكومي. أثناء العدوان الثلاثي كان الجنرال ايزنهاور رئيساً للولايات المتحدة. وكان معارضاً لأي عمل عسكري ضد مصر علي قاعدة إفساح المجال أمام الأممالمتحدة لمعالجة أزمة تأميم قناة السويس بالطرق السلمية. ولكن ايدن رفض الاستماع الي نصائح الرئيس الأمريكي، ورفض حتي أن يأخذ بالاعتبار منطقه الداعي الي اعتماد الحوار السياسي أولاً، فكان العدوان. والآن، أثناء الحرب علي العراق، كان جاك شيراك ولم يزل رئيساً للجمهورية الفرنسية معارضاً لأي عمل عسكري ضد العراق، ومصراً علي وجوب الإفساح بالمجال أمام المراقبين الدوليين لإكمال مهمتهم في التثبت من صحة الادعاءات بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل ومعالجة الأزمة في إطار الأممالمتحدة والقانون الدولي. ولكن الرئيس بوش رفض أن يأخذ بالاعتبار هذا المنطق الي حد أن فرنسا تعرضت للتشهير الإعلامي في الصحافة الأمريكية والي مقاطعة منتجاتها (من الأجبان والمشروبات الكحولية والملابس). فكانت الحرب. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ بالنسبة للعدوان الثلاثي علي مصر سقطت الحكومة البريطانية واضطر الرئيس ايدن الي اعتزال العمل السياسي. وبالنسبة للحرب علي العراق، فإن كل الدلائل تشير الي أن الرئيس بوش علي خطي ايدن من حيث أن شعبيته تراجعت الي 35 في المائة فقط. أما النفط فإنه لم يكن أقل أمناً في أي وقت مما هو عليه الآن. ولقد تجاوز سعر البرميل السبعين دولاراً وهو رقم قياسي لم يبلغه من قبل. ثم ان الإرهاب الذي كان محصوراً في طورابورا بأفغانستان وصل الي قلب الشرق الأوسط والي قلب أوروبا، مما يشير الي فشل الحرب علي هذه الآفة المدمرة. لقد تغيرت أمريكا من ايزنهاور الي بوش، وتغيرت فرنسا من موليه الي شيراك، وحدهما بريطانيا وإسرائيل لم تتغيرا. فلا فرق بين ايدن وبلير.. ولا بين جوريون وشارون.