الديمقراطية وحدها بامكانها حل الازمة في النيبال، لكن الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي والهند تدعم الملك ومحاولته سحق ثورة الماويين. في تسارع الازمة في النيبال لايظهر سوي القليل من الخيوط الواضحة، فالملك غيانيندرا وفي محاولة يائسة منه لإنقاذ حكمه المنهار لوح بتنازلات قليلة. أما في الشارع فقد كان رد فعل الحركة الديمقراطية مقابلة خطوته هذه بالازدراء مجددة عزمها علي التخلص منه. وفي مناطق التلال يراقب الماويون وبحذر حدوث أي خداع أو خيانة من قبل الاحزاب السياسية السبعة التي عقدوا معها اتفاقا في نوفمبر الماضي الذي يتضمن انتخاب مجلس نواب ودستور ديمقراطي. ان النيبال، المملكة الهندوسية الوحيدة في العالم التي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة، تقف علي حافة الانهيار الذي سيسود المنطقة كلها. أما القوي الخارجية، كالولاياتالمتحدة والهند والصين وأوروبا فهي توتر الخيط وتمارس ضغوطها علي هذا الموقف المعقد، إلا إن هذا التدخل والضغط لم يحقق النجاح حتي الآن. ولقد تعالت الاحتجاجات في الهند من قبل رئيس وزرائها وكذلك من مبعوثه الخاص داران سنج. ان اختيار الدكتور سنغ كمبعوث لرئيس الوزراء الهندي لم يأت اعتباطا، فهو ابن اخر مهراجات كشمير الذي ترك قصره الملكي عندما كان طفلا. لقد ارسل الدكتور سنغ ليتحاور بالمنطق مع ملك يريد تجنب غضب شعبه بالاحتماء ببنادق الجيش الملكي النيبالي. وكان من نتائج مهمة الدكتور سنغ ان قدم غيانيندرا بيانا مساء الجمعة منح بموجبه بعض السلطات الي رئيس الوزراء ومجلس الوزراء. لكنه في بيانه هذا لم يعتذر عن اغتصابه السلطة ووحشية قواته المسلحة ولا حتي بالعودة الي البرلمان او التخلي عن سيطرته عن الجيش كما انه لم يتطرق الي الجمعية التشريعية. وبدلا عن ذلك عرض غيانيندرا وبشكل مختصر العودة الي ماكانت عليه الاوضاع في السنة الماضية التي حل البرلمان فيها وقام بالحكم عن طريق سلطة تنفيذية والتي بمقدوره طردها متي شاء. قامت الهند بدور المساوم في الاتفاقية التي عقدت بين الماويين والمعارضة الداخلية وكانت مفاجأة كبيرة تتناقض مع الدور الذي لعبته الهند عندما رحب الدكتور سنغ ومعه رئيس الوزراء فورا بالاقتراح الذي قدمه الملك. وفي كتماندو ذهب سفراء الولاياتالمتحدة والسويد وفرنسا وبريطانيا وألمانيا إلي بيت غريجا براسات كويرالا، زعيم حزب المؤتمر النيبالي، في محاولة لاقناع زعماء الاحزاب السبعة المتحالفة لقبول عرض الملك. وبينما كان السفراء موجودين في داخل البيت، كان الآلاف من المحتجين في الخارج يعلنون عن معارضتهم، لكن الزعماء الديمقراطيين رفضوا هذا المقترح، معتبرين ان هذا الاتفاق سيجعلهم مكتوفي الأيدي. وعوضا عن ذلك، فان عليهم ان يواجهوا الماويين مجددا في حرب يتفق كل المراقبين علي عدم امكانية الانتصار فيها علي ارض المعركة. كما ان القبول فيها سينهي كل الامال لتسوية سياسية لحرب امتدت عقدا من الزمن والتي طالت حياة اكثر من 13 الف شخص. ان القبول بهذا المقترح يعني الاستمرار في اراقة دماء اكثر. تضم هذه الجماعة واحداً من ابرز المحللين وكذلك اثنين ممن قاموا بصياغة دستور النيبال في سنة 1990. وقد كتبوا للسفراء المذكورين يقولون : "اننا نعتقد ان ترحيب حكوماتكم بالعرض الذي تقد م به الملك يوم الجمعة قد قام علي فهم خاطيء للحقيقة السياسية في النيبال ولعرض الملك نفسه. ان رد فعلكم تجاه هذا العرض قد اعاق وبدون مبرر التحول السلمي في البلد في لحظة حرجة عندما كان الملايين من النيباليين في الشوارع يطالبون باعادة الديمقراطية فورا. ان مشهد التضامن بين المتظاهرين هذا يستحق احتراما اكثر من الذي أظهره المجتمع الدولي". ان عرض الملك هذا كما تفترضه هذه الجماعة سيعيد النيبال الي الحالة التي يتمكن فيها الملك من طرد رئيس الوزراء عندما تسنح له الفرصة، وهم يعتقدون ان ذلك ليس بعيدا حدوثه. وتضيف هذه الجماعة قائلة : "و نلتمس ايضا من مقامكم ان تتذكروا المرات العديدة التي لعب فيها القصر الملكي لعبة الخداع هذه معكم وان تتفحصوا جيدا ان الملك الذي يمسك بجميع مقاليد الامور بيده لكونه رئيسا للبلاد والذي لم يتجاوب مع الهيئة التشريعية سوف لن يسمح لاية حكومة قادمة للعمل بصورة مستقلة. ان موقفكم هذا يشير الي مفهومكم عن هذا العرض وهو ان الملك قد قدم لكم هذا فخذوه مستفيدين منه قدر طاقتكم". لكن لماذا حصل الفهم الخاطي من قبل الهند وكذلك السفراء ؟ . لقد كتب احد الصحفيين البارزين في الهند ان الملك هو طاغية يقف علي الطرف المناقض للتاريخ . لكن هنالك قوة خارجية واحدة تؤمن بالحل العسكري لقضية الماويين في النيبال. وبعد ان احكم غيانيندرا قبضته جرت سلسلة من الزيارات قامت بها مجموعة من الخبراء الامنيين الامريكان للنيبال تحث الملك والجيش علي تصعيد الحرب ضد الماويين. ويري الكثيرون من المعلقين الهنود ان التغير الذي حصل لرئيس وزراء الهند يرتبط بنتائج العلاقات الجديدة بين الولاياتالمتحدة والهند التي بموجبها ستقدم الولاياتالمتحدة مساعدات في المجالات النووية وهو ما سيجعل من الهند حليفا للولايات المتحدة في اسيا وفي الحرب علي الإرهاب. وقد أشارت جريدة (العصر الاسيوي) ومن مصادر رسمية بان الحكومة الهندية كانت تعمل ومنذ وقت طويل مع الولاياتالمتحدة وكانت حريصة ايضا علي عزل الماويين والابقاء علي الملك حاكما شرعيا. وقد اخبر احد النشطاء في النيبال هذه الجريدة بان علي الهند ان تتعلم الاستماع الي شعب النيبال بدلا من القيام سرا بصفقات مع الملك والولاياتالمتحدة. انها رسالة يتوجب علي الاتحاد الاوروبي ان ينتبه اليها جيدا. فهنالك حل واحد لمشكلة النيبال. ان علي الملك ان يرحل وتقام ديمقراطية تشتمل حتي علي الماويين.