تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 11 يونيو 2024    إنتل توقف توسعة مصنع في إسرائيل بقيمة 25 مليار دولار    رئيس هيئة ميناء دمياط يعقد لقاءه الدوري بالعاملين    السياحة: توفير عيادات صحية وتقديم خدمات مميزة لرعاية الحجاج    محافظ أسيوط يناقش خطة قطاع الشباب والرياضة بالمراكز والأحياء    رئيس موازنة النواب: لم نخرج من الأزمة الاقتصادية.. والحكومة الجديدة أمام مهام صعبة    تعليق ناري من لميس الحديدي على واقعة تداول امتحانات التربية الوطنية والدينية    مصرع طالب بانقلاب ترويسكل في المنوفية    عادات وتقاليد عيد الأضحى 2024 في مصر    عيد الأضحى 2024.. إرشادات هامة لمرضى النقرس والكوليسترول    الحق في الدواء: الزيادة الأخيرة غير عادلة.. ومش قدرنا السيء والأسوأ    مجموعة مصر.. سيراليون تتعادل مع بوركينا فاسو في تصفيات المونديال    مختار مختار: تصريحات حسام حسن تجعله يرتكب الأخطاء    «جابوا جون عشوائي».. أول تعليق من مروان عطية بعد تعادل منتخب مصر    «اختار الأهلي».. كواليس مثيرة في رفض حسين الشحات الاحتراف الخليجي    تحذير عاجل ل أصحاب التأشيرات غير النظامية قبل موسم حج 2024    ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة: هدفنا وقف مجازر إسرائيل فى غزة    روسيا بالأمم المتحدة: إسرائيل لم توافق رسميا على اتفاق بايدن بشأن حرب غزة    إخماد حريق داخل حديقة فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    حالة الطقس.. 41 درجة مئوية بشرم الشيخ    أحمد عبدالله محمود: «الناس في الشارع طلبوا مني أبعد عن أحمد العوضي» (فيديو)    إطلاق صواريخ فلق 2 واشتعال النيران بمبنى للاستخبارات.. عمليات لحزب الله ضد إسرائيل    وزراء خارجية بريكس يؤيدون منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    قصواء الخلالي: وزير الإسكان مُستمتع بالتعنت ضد الإعلام والصحافة    أحمد كريمة: لا يوجد في أيام العام ما يعادل فضل الأيام الأولى من ذي الحجة    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    خبير اقتصادي: انخفاض التضخم نجاح للحكومة.. ولدينا مخزون من الدولار    مفاجأة في حراسة مرمى الأهلي أمام فاركو ب الدوري المصري    الاتحاد الهولندي يعلن عدم لحاق دي يونج ببطولة يورو 2024    بالصور.. احتفالية المصري اليوم بمناسبة 20 عامًا على تأسيسها    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    هل خروف الأضحية يجزئ عن الشخص فقط أم هو وأسرته؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    منتخب السودان بمواجهة نارية ضد جنوب السودان لاستعادة الصدارة من السنغال    مقتل 3 عناصر من حزب الله في غارة إسرائيلية بشمال شرق لبنان    حماس ترحب بقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار الدائم في غزة    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    وزيرة الثقافة تفتتح فعاليات الدورة 44 للمعرض العام.. وتُكرم عددًا من كبار مبدعي مصر والوطن العربي    طلبة: تعادل بوركينا فاسو مع سيراليون في صالح منتخب مصر    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالقليوبية    «أونلاين».. «التعليم»: جميع لجان الثانوية العامة مراقبة بالكاميرات (فيديو)    الرقب: الساحة الإسرائيلية مشتعلة بعد انسحاب جانتس من حكومة الطوارئ    منسق حياة كريمة بالمنوفية: وفرنا المادة العلمية والدعم للطلاب وأولياء الأمور    عمرو أديب: مبقاش في مرتب بيكفي حد.. إنت مجرد كوبري (فيديو)    «زي النهارده».. وقوع مذبحة الإسكندرية 11 يونيو 1882    مصر ضد غينيا بيساو.. قرارات مثيرة للجدل تحكيميا وهدف مشكوك فى صحته    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    طريقة تثبيت النسخة التجريبية من iOS 18 على أيفون .. خطوة بخطوة    أخبار 24 ساعة.. الحكومة: إجازة عيد الأضحى من السبت 15 يونيو حتى الخميس 20    هل يجوز الأضحية بالدجاج والبط؟.. محمد أبو هاشم يجيب (فيديو)    «الإفتاء» توضح حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة    إبراهيم عيسى: تشكيل الحكومة الجديدة توحي بأنها ستكون "توأم" الحكومة المستقيلة    سهرة خاصة مع عمر خيرت في «احتفالية المصري اليوم» بمناسبة الذكرى العشرين    وزير الصحة: برنامج الزمالة المصرية يقوم بتخريج 3 آلاف طبيب سنويا    تفاصيل قافلة لجامعة القاهرة في الصف تقدم العلاج والخدمات الطبية مجانا    لفقدان الوزن- تناول الليمون بهذه الطرق    رشا كمال عن حكم صلاة المرأة العيد بالمساجد والساحات: يجوز والأولى بالمنزل    «المصريين الأحرار» يُشارك احتفالات الكنيسة بعيد الأنبا أبرآم بحضور البابا تواضروس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"طز".. وبداية العد
نشر في نهضة مصر يوم 13 - 04 - 2006

لعل أهم ما يميز العقل المتطرف هو عجزه عن التعامل مع بيئته بما هي وجود كل ما يحيط به من معطيات تراكمت عبر العصور لا تغريه بالاشتباك معها في علاقة جدلية بهدف تغييرها إلي الأفضل والأجمل، بل تدفعه للانعزال والتقوقع داخل جماعته وتكوين وجود مضاد للوجود الفعلي. ولذلك سيكون من المستحيل علي الجماعة المتطرفة دينيا أو سياسيا عند وصولها إلي السلطة بوسيلة ما، أن تكون مسئولة عن تحقيق أهداف المجتمع أو الأمة أو الأفراد ولو في حدها الأدني لأن هذه الأهداف هي جزء لا يتجزأ من الوجود الواقعي الذي يعجز هو أصلا عن التعامل معه.
هو قادر علي قراءة الخرائط ولكنه عاجز عن استيعابها والتعامل معها وخاصة كل ما له صلة بالحدود سواء كانت هذه الحدود مادية مرسومة علي الأرض، أو حدودا معنوية غير مرئية. هو يتعامل فقط مع حزمة أفكار يحددها له ويمليها عليه زعماؤه، أما كل ما وصل إليه البشر من تقاليد وأفكار ومعاهدات واتفاقيات واختراعات ، فهو يتعامل مع الشق الخاص به منها وهو الذي يتفق أو يساعده علي المزيد من إنكار الواقع.
هذا هو أحد المفاتيح الهامة لفهم آليات التفكير عند صاحب العقل المتطرف، فعندما يقول المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين: طز في مصر.. وابومصر.. واللي جاب مصر.
فهو لا يقصد شتيمة أو إهانة مصر أو المصريين، بل هو يعلن ببساطة استهانته بالحدود المادية والمعنوية، الحدود المرسومة التي تحيط بمصر علي الخريطة، ثم الحدود الأخري المعنوية التي كانت تحتم عدم الاستسلام للغضب إلي الدرجة التي يعلن فيها استهانته بمصر والمصريين، غير أنه في كل ذلك لم يخرج عن منهجه وهو .. أن هذا الوجود، ليس له وجود لذلك هو لا يلزمني بشئ، ولا يلزمني في شئ.. طز فيه.. وطز فيكم.. وطز في كل أفكاركم.. وطز في كل ما وصلتم إليه مما تسمونه مدنية أو حضارة أو ديمقراطية.
هي "طز" ليست موجهة لمصر أو لأحد في مصر، بل هي في حقيقتها طز في كل شئ .. إنها هي نفسها طز القديمة التي كانت تميز الفكر الماركسي الأممي، طز في كل شئ ما عدا وحدة الطبقة العاملة في العالم. لا توجد في كل قواميس الأرض كلمة أخري تدل علي الاستهانة بقوانين الواقع مثل تلك الكلمة المبدعة.. طز.
السؤال هو: وعندما تصل الجماعة الدينية أو السياسية المتطرفة إلي الحكم عبر الطريق الشرعي وهو صندوق الانتخابات، هل تستطيع التخلي عن " طزيتها"؟
أذكر القارئ أنني منذ أسابيع علي هذه الصفحة أعلنت موقفي بوضوح من وصول جماعة حماس إلي الحكم في فلسطين، وهو أنهم بأصوات الناس أصبحوا الجهة الوحيدة الممثلة للشعب الفلسطيني والجهة الوحيدة أيضا المسئولة عن حاضره ومستقبله.
وتقديري أنهم في الحكم لن يكونوا هم أنفسهم حماس المعارضة، فمن المعروف عن المعارض في أي مكان علي الأرض أن من حقه أن يحتفظ بأكبر عدد من الطزات، ينال بها من خصومه الذين في الحكم، ولكن من البديهي أنه عندما يصل إلي الحكم، عليه أن يتخلص فورا من هذه الطزات أو الأطزاز أو الطزازات أو الطزاطيز ( علي علماء اللغة العربية تعريفنا بالكلمة الصحيحة لجمع طز، وهذا لابد أن يقودنا للبحث عن كلمة نصف به الشخص الذي يستهين بالواقع استهانة شديدة، أنا أقترح كلمة " الطزاز" وهو ذلك الشخص الذي يقول طز لكل ما اتفق البشر علي احترامه) أنا فقط أريد أن أنبهك أن طز التي أعلنها المرشد العام في مصر، ليست إلا سلوكا سياسيا وقاعدة سلوكية تصورت خطأ أن جماعة حماس ستتخلي عنها بعد وصولها إلي السلطة، لأننا إذا استسهلنا أن نقول طظ لأي شعب أو لأية اتفاقية فمن المستحيل أن نقول ظز في الشعب الفلسطيني. وعندما نقول لأوروبا وأمريكا طظ فيكم وفي سلام أبوكم.. ثم نتخلي عن طزيتنا عندما نطلب منهم المعونة.. فلابد أن هذا موقف سيعجزون عن تفسيره، البديهي والطبيعي و الأقرب إلي العقل أن نقول لهم.. طز فيكم وفي السلام وفي إسرائيل.. وفي فلوسكم.
السيد وزير خارجية حماس أرسل خطابا للسيد كوفي عنان يعلن فيه أن حكومته علي استعداد للعيش في سلام مع جيرانها، وأنا واثق أنه بمجرد وصول هذا إلي كل من يعمل في أقسام الشرق الأوسط فوق الكرة الأرضية قد تم استدعاؤه من بيته علي عجل لدراسة الموقف الجديد الذي يشير إلي تغيير جذري في سياسة حماس ويجدد الأمل في السلام في الشرق الأوسط. بعد ذلك بساعات أوضحت الخارجية الفلسطينية، أن هناك خطأ حدث من الموظف الذي كتب الخطاب علي الآلة الكاتبة، وأن الخطاب لا يعني أن حماس تعترف بوجود إسرائيل. من الصعب تفسير هذا النوع من الأخطاء وخاصة إذا عرفنا أن وزارة الخارجية مشغولة بتحجيب الموظفات العاملات فيها، من المستحيل أن تراجع خطابا مرسلا إلي السيد كوفي عنان بينما أنت منشغل بمشكلة النساء السافرات في وزارتك.
في نفس الوقت كان وزير الثقافة يشن حملة علي الراقصات المصريات هناك، ويبدي تخوفه من أن يقتل أحد أفراد شعبنا إحدي الراقصات، إن العداء للراقصات في الشرق الأوسط قديم جدا، وهو عداء كان يمشي جنبا إلي جنب مع الرغبة العارمة في مشاهدتهن، ما أخشاه حقا هو أن ينشغل الوزير بهذه الحكاية عن بقية مشاكل الشعب الفلسطيني.
ما الجديد في كل ذلك؟
أنا أزعم أن هناك جديدا.. في اللحظة التي قال فيها وزير الخارجية أنه لا يعني ما يقول وأن خطابه لكوفي عنان يمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي طز فيك وفي الأمم المتحدة، في تلك اللحظة يكون التاريخ قد بدأ العد التنازلي لاختفاء التطرف الديني السياسي في المنطقة، وصول حماس إلي الحكم في فلسطين كان الوسيلة الوحيدة التي تكتشف بها الناس أن جماعات الإسلام السياسي عندما تصل إلي الحكم ستعجز عن الحكم بما يلبي احتياجات شعبها، وأنها بارعة فقط في استخدام سلاح الطزات في مواجهة الواقع في فلسطين وفي بقية الكرة الأرضية.
العسكريون يعرفون أن هناك نقطة يبدأ فيها الهجوم في الانكسار وهذه هي النقطة الذي يجب أن يبدأ عندها الهجوم المضاد. خطاب وزير الخارجية لكوفي عنان ثم تنصله مما جاء فيه هو بالضبط نقطة الانكسار في هجوم التطرف الديني علي المنطقة العربية. وهي نقطة ليست منفصلة عن نقاط أو مشاهد أخري في المنطقة ففي نفس الفترة تنهار البورصة في السعودية انهيارا مروعا يترتب عليه خراب بيوت عدد كبير من البشر، لكي نكتشف بعد ذلك أن هناك فتاوي دينية صدرت من أصحاب مصلحة يقسمون فيها أسهم الشركات إلي حلال وحرام ومشتبهة. فكانت النتيجة أن سارعت الناس إلي التخلص من الأسهم الحرام لكي ترتفع الأسهم الحلال إلي عنان السماء، المذهل أن الشركة السعودية للأبحاث والنشر التي تصدر أكثر المطبوعات العربية احتراما، تم وضع اسهمها في خانة الحرام.
التطرف الديني المقنع هنا يسفر عن وجهه، لقد استغلوا الدين من قبل للحصول علي القوة في مجتمعاتهم، أما الآن فهم يستغلونه علنا وبكل وضوح في الاستيلاء علي الناس وخراب بيوتهم. حتي بسطاء العقول سيفكرون الآن في أن زعماء التطرف لا يعملون لوجه الله ولكن لوجه الفلوس وأنهم علي استعداد للتنكر للشرف الإنساني من أجل الحصول علي هذه الفلوس، وأنهم أيضا علي استعداد للوصول إلي هدفهم مستخدمين الدين مطية لهم. هذا ما كان يعرفه من قبل مفكرو هذه الأمة، وحاولوا بكل الطرق إيضاحه غير أن المهمة كانت شاقة، الآن فقط يعرف البسطاء في الشارع العربي أن بعض الفتاوي الهدف منها هو سرقة أموالهم وخراب بيوتهم. من المؤكد أيضا أن بسطاء الناس سيبدأون الآن في التساؤل ، ماذا في الدين يدفع السنة إلي تعذيب الشيعة وقتلهم، وماذا في الدين يبيح تعذيب السنة وقتلهم..؟
نعم هذه هي نقطة انكسار الهجوم في التطرف الديني السياسي في المنطقة العربية ولكن ذلك سيترك فراغا حقا من الممكن أن يملأه تطرف من نوع آخر، هو تطرف الدولة السلطوية، ولذلك لا مفر وبأقصي جد وحسم، من تقوية الدولة العصرية وحماية حقوق الإنسان وإشاعة الديمقراطية ، ولنجرب عدم الوقوع في فخ منافقة التطرف، فالمتطرف حاد الذكاء ويعرف أننا لن نسمي الأشياء بأسمائها، وبذلك نعجز عن مواجهته..لابد أن نقول للمتطرف.. اسمع نحن نتكلم عنك أنت وعن أفكارك أنت وعن سلوكك أنت.. وليس عن الدين أو عن تعاليم الله.. إسمع.. عندما تقول عن أسهم شركة ما أنها حرام، فلابد أن ينتقل اسمك علي الفور إلي صفحة الحوادث ليس لنقرأ مفاهيمك عن الحلال والحرام ولكن لنقرأ أقوالك أمام النيابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.