لا شك ان البشر هم الثروة الرئيسية لأي امة، لذا فان قدرات أي أمة تكمن فيما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة علي التكيف والتعامل مع أي جديد بكفاءة وفاعلية. فالمتأمل في تجربة دول جنوب شرق آسيا يجدها غير بعيدة عنا في الاصل العام، فتلك الامم التي قطعت علي نفسها التزامات مهمة تجاه تجميع رأس المال البشري وتحويله الي طاقة وميزة تنافسية عالية تم توجيهها الي استثمارات عالية الانتاجية؛ كان مبعثه ايمانها بأن سر نهضتها ونموها يكمن في عقول ابنائها وسواعدهم كالمعجزة الصناعية التي حققتها التجربة الماليزية، وقد كان من ثمار ذلك ان حققت اقتصادات تلك البلدان معدلات متسارعة من النمو فاقت بها اكثر البلدان تقدما حتي اطلق عليها مسمّي النمور الآسيوية، وأصبحت مثلا يحتذي به لكل من اراد ان يلحق بركب التقدم. وحتي عندما تعرضت تلك البلدان لازمة مالية كبيرة خلال السنوات الاخيرة استطاعت ان تسترد عافيتها بسرعة فاقت التوقعات، وهو ما ارجعه الخبراء الي الثروة البشرية التي تمتلكها تلك البلدان، وما تتمتع به من جودة وكفاءة عالية. فالتنمية البشرية لا تنتهي عند تكوين القدرات البشرية مثل: العناية الصحية وتطوير المعرفة والمهارات؛ بل تمتد إلي أبعد من ذلك حيث الانتفاع بها سواء في مجال العمل من خلال توفر فرص الابداع، أو التمتع بوقت الفراغ، او الاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الانسان، او المساهمة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية. بيد ان الاتجاه الجديد في التنمية الاقتصادية يرتكز علي ثلاث قيم جوهرية: تحسين ظروف المعيشة الاعتماد علي الذات والتحرر من الاستغلال. ويلاحظ الاقتصاديون ان هناك علاقة ارتباط وثيقة بين الحرية والنمو الاقتصادي، فالسعادة الحقيقية ليست بالثروة، ولكن بزيادة مدي الاختيارات الانسانية والبدائل المتاحة. والحرية تشمل ايضا الحريات الأساسية "السياسية والاقتصادية" وسيادة حكم القانون والفرص المتساوية والمشاركة في بناء المجتمع. ومما لا شك فيه أن العالم المتقدم الذي يمتلك مقاليد المعرفة والتكنولوجيا الحديثة، يبذل كل غال ونفيس من اجل الحفاظ علي استمرار ريادته وتقدمه، سواء كان ذلك من خلال بذل المزيد من الجهد لتنمية شعوبه او اللجوء لاستقطاب العقول البشرية من كل مكان ان لزم الامر. ولعل ذلك سيكون منبعه يقين تلك البلدان بأن سر التقدم والرقي يكمن فيما تمتلكه من عقول قادرة علي الابداع والابتكار المستمر وسرعة الاستجابة للاحتياجات المتجددة التي تفرزها البيئة الدولية. أما بالنسبة للعالم النامي كما يطلق عليه تجاوزاً فان مسيرته نحو معدلات افضل من التنمية البشرية في العقود المقبلة تعترضها العديد من التحديات وقد انفقت الدول العربية علي المشاريع التنموية التي اقامتها الملايين من الدولارات من كهرباء وطرق وماء الي مجتمعاتهم في القري والأرياف، ولكن هذه المشروعات لم تزد في الانتاج شيئاً يذكر وهي غير كافية لأن يعتمدها الانسان العربي في حياته.